حث الإسلام على التزاور بين المسلمين، لأن ذلك يوطد أواصر المحبة فيما بينهم ويطلعهم على حاجات بعضهم البعض.والمحبّة التي يبغيها الإسلام للمؤمنين هي المحبّة الخالصة لوجه الله، تلك التي تدفع صاحبها على الدوام إلى محبّة الجميل في أي إنسان تمثل، وإلى تفضيل الجليل من أي مكان صدر هذه المحبّة الناتجة عن التزاور والتعاطف تدوم وتستمر لأنها لوجه الله، وما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.والمرء لا ينال هذا اللون من المحبّة على وجهها السليم إلا بمثل هذا العون الربّاني. من هنا كان القول: إن من علامات رضى الله على الإنسان المؤمن محبة الناس له؛ ومن علامات غضب الله على الإنسان كره الناس له وتفرّقهم من حوله. قال تعالى لنبيه موسى (عليه السلام): (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)276.وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (الخلق كلهم عباد الله وأقربهم إليه أنفعهم لعياله) ومن هذا الينبوع الغزير (المحبة) تفيض ألوان من التراحم والتعاطف وتسلسل نسيمات وجدانية يجد المؤمنون جوارها برد السلامة والعافية.والإمام الكاظم (عليه السلام): أمر أصحابه بالتوادد والتآلف وزيارة بعضهم بعضاً لأنها توجب شيوع المودة بينهم، مضافاً لما لها من الأجر العظيم عند الله. قال (عليه السلام): (من زار أخاه المؤمن لله لا لغيره يطلب به ثواب الله، وكّل الله به سبعين ألف ملك من حين يخرج من منزله حتى يعود إليه ينادونه: ألا طبت وطابت لك الجنة، تبوأت من الجنة منزلاً..).وفي حديث لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يتغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة، بمكانهم من الله تعالى قالوا: يا رسول الله تحيرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا اموالٍ يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وأنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس. (أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)277.وروى الكليني بإسناده عن محمد بن سليمان، عن محمد بن محفوظ قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: (ليس شيء أنكى لإبليس وجنوده من زيارة الإخوان في الله بعضهم لبعض، قال: وإن المؤمنين يلتقيان فيذكران الله ثم يذكران فضلنا أهل البيت فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلا تخدّد حتى أن روحه لتستغيث من شدة ما يجد من الألم فتحس ملائكة السماء وخزان الجنان فيلعنونه حتى لا يبقى ملك مقرب إلا لعنه، فيقع خاسئاً حسيراً مدحوراً)278.