كان المسيب بن زهرة موكلاً بحراسة الإمام (عليه السلام) حيث نقل من حبس السندي إلى داره على ما يستفاد من بعض المصادر، وكان الرجل من دعاة الدولة العباسية الأشداء، فقد ولي شرطة بغداد أيام المنصور والمهدي والرشيد، كما ولي خراسان أيام المهدي556. وكان على جانب من الغلاظة والشدة، فكان أبو جعفر المنصور إذا أراد بأحد خيراً أمر بتسليمه إلى الربيع، وإذا أراد برجل شراً أمر بتسليمه إلى المسيّب557 ولما سجن الإمام عنده أو وكّل بحسبه أثّر عليه الإمام وسيطر على مشاعره، فاهتدى إلى طريق الحق والصواب، وأصبح من الشيعة المخلصين ومن حملة أسرار الأئمة (عليهم السلام)558 وقد استدعاه الإمام قبل وفاته بثلاثة أيام فلما مثل عنده قال له: يا مسيّب.ـ لبّيك يا مولاي.ـ إني ظاعن في هذه الليلة إلى المدينة، مدينة جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأعهد إلى ابني علي ما عهده إلى آبائي، وأجعله وصيّي وخليفتي، وآمره بأمري.ـ يا مولاي، كيف تأمرني أن أفتح لك الأبواب وأقفالها والحرس معي على الأبواب؟؟!ـ يا مسيب ضعف يقينك في الله عزّ وجلّ وفينا؟ـ لا، يا سيدي ادع الله أن يثبتني.ـ اللهم، ثبّته، ثم قال: أدعو الله عزّ وجلّ باسمه العظيم الذي دعاه به آصف حين جاء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه إليه حتى يجمع بيني وبين علي ابني بالمدينة.قال المسيّب: فسمعته يدعو، ففقدته عن مصلاّه فلم أزل قائماً على قدمي حتى رأيته قد عاد إلى مكانه وأعاد الحديد إلى رجليه، فوقعت على وجهي ساجداً شاكراً لله على ما أنعم به علي من معرفته والتفت الإمام (عليه السلام) له فقال: (يا مسيّب، ارفع رأسك، واعلم أني راحل إلى الله عزّ وجلّ في ثالث هذا اليوم).قال المسيّب: فبكيت، فلما رآني الإمام (عليه السلام) وأنا باكٍ حزين قال لي:(لا تبكِ يا مسيّب فإن علياً ابني هو إمامك، ومولاك بعدي فاستمسك بولايته فإنك لن تضلّ ما لزمته) قال المسيّب: الحمد لله على ذلك.559