بإرادة الإنسان تعمر الأوطان - باب الحوائج الإمام موسی الکاظم (علیه السلام) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

باب الحوائج الإمام موسی الکاظم (علیه السلام) - نسخه متنی

حسین إبراهیم الحاج حسن

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

بإرادة الإنسان تعمر الأوطان

خلق الإنسان حرّاً في أن يطيع أوامر ضميره الحيّ أو يعصيها، فكل واحد منّا يملك نفسه وإرادته فبإمكانه أن يختار الفضائل مثل:

الصدق، والشجاعة، والإيثار، والإحسان، والقول الحسن، والإخلاص، والوفاء، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتواضع، ومقاومة الهوى، والمحبّة، والصفاء، وكظم الغيظ.

أو أن يختار طريق الشهوات والرغبات والرذائل مثل: الكبرياء، والنميمة، والانقياد لهوى النفس، والغضب، والظلم، والحسد... فكل هذه الصفات من فضائل ورذائل هي تحت إرادته واختياره، وبإمكانه أن يحلّي نفسه بها بالسعي الدائم المشكور، والمحاولات المتواصلة، أو أن يختار عكس ذلك فينغمس في محيط متخلّف من الشهوات الرذيلة والميول الهوجاء، كما فعل الحكام الأمويون والعباسيون الذين غرقوا في مستنقع شهواتهم، وفجّروا في ظلمهم وجورهم من أجل حب التملّك وشهوة السلطان.

إن قوة الإرادة موهبة إلهية خيّرة لا ينبغي أن نتركها دون الإفادة منها، أو أن نصرفها في الأعمال البربرية والمنحطّة، بدلاً من أن نوظفها في تكاليفنا الشرعية. إن افتقاد الإرادة هو ضعف في اتخاذ التصميم والقرار، وهو سدّ مانع للقيام بتكاليفنا.

لكن الإفادة من الإرادة لهداية الضمير والوجدان من أجل الكفاح ضد الشهوات، وأهواء النفس، والانتصار على عبادة النفس صعب في بداية الأمر وهو بحاجة أكيدة إلى روح التضحية، ولابد من مواصلة السعي الدائم لتتقوّى روحية الإنسان تدريجياً، وتنمو أخلاقياته الفاضلة، وعندئذٍ يصبح العمل بالتكليف له أمراً عادياً جداً يتحمله المكلف بيسر وسهولة.

فلو كان الشعور بالمسؤولية قوياً في كيان الإنسان لم تعد الموانع التي تعترضه سبباً في ضعفه وانهزامه أمامها، أما إذا فشلت مساعيه ولم تثمر في مواجهة العوامل السلبية فلا أقل بأضعف الإيمان من أن يحصل على رضا ضميره وراحة نفسه، وسيكون مرفوع الرأس أمام نفسه وأمام مجتمعه وذلك أنه قدر على تحمّل خيبة الأمل والهزيمة من أجل أداء وظيفته، والقيام بدوره الإنساني ورسالته في الحياة.

وهنا أتذكّر وصية هامة نصح بها أب ابنه فقال له:

يا بني: كن أنت فقيراً لا مال في يديك، ودع الآخرين يثرون أمام عينيك بالخداع والتزوير والخيانة. عش أنت بلا جاه ولا مقام، ودع الآخرين يتسلّمون المناصب العالية بالخضوع السمج والإلحاح الملحّ. عانِ أنت الآلام والخيبة، ودع الآخرين يبلغون أمانيهم بالخضوع والتملّق. أعرض أنت عن طلب الجاه والسعي وراء الزعامة، ودع الآخرين يبلغون أمانيهم بالخضوع والتملق. أعرض أنت عن معاشرة كبار الرجال ممن يتفانى الآخرون للاقتراب منهم. من الأفضل لك أن تتقمّص لباس الفضيلة والتقوى. فإذا ابيضّ شعر رأسك ولم تلوث قطرة من سواد الفساد حسن صيتك وعلى شرفك فأدّ حقّ شكر الله، واستسلم بقلب مبتهج مسرور.

يتبين لنا من خلال هذه الوصية القيمة باختصار وكأن الأب يوصي ابنه بالبعد عن حكام بني مروان وبني العباس والاقتراب من أهل البيت (عليهم السلام) وبعدئذٍ يستسلم للموت بقلب مبتهج مسرور.

وما نراه أن الثواب والعقاب أمر ضروري في أداء التكاليف. فكما يفيد التنبيه والتوبيخ واللوم في التقليل من المفاسد، كذلك لا مجال للجدال في اثر التقدير والترغيب في زيادة الرغبة في العمل والنشاط في أداء التكاليف وتحمل المسؤولية. وقال أحد المفكرين الاجتماعيين:

ويل لأمة يشوّق فيها الخونة ويهان فيها الخدمة ذوو الشعور بالمسؤولية ويبعدون عن المناصب الحساسة في المجتمع. أمة يبلغ فيها مقاصده من يجعل همه الخداع والمراوغة، ويصل إلى مراده من لا يتمتع بأية قيمة من قيم الإنسانية. أمة يكون على من يريد أن يؤدي رسالة الإنسانية فيها أن يبقى محروماً مكظوماً من كل شيء. إن مثل هذا المجتمع لا يبقى فيه مال لنمو الأخلاق وظهور الفضيلة.

والعصر العباسي شاهد على ذلك فالإمام الكاظم (عليه السلام) العالم الفقيه، والتقي الورع، الذي أراد أن يؤدّي رسالة الإسلام الإنسانية الحقّة سائراً على خطى جده سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي قال: (ما خرجت أشراً ولا بطراً وإنما خرجت طلباً للإصلاح في أمة جدي) وهكذا فعل الإمام الكاظم (عليه السلام) فعندما أراد أداء التكاليف والقيام بالرسالة الإنسانية أبعد عن منصب الخلافة وسجن وقيّد بالحديد، ودسّ إليه السمّ حتى خسر بموته الإسلام عالماً مجاهداً كبيراً، ومصلحاً اجتماعياً عظيماً.

وبديهي أن في مثل هذه البيئة التي تشبه البيئة العباسية ستتفشّى الأمراض إلى أعماق النفوس، كالغش والفساد والتزوير والرياء؛ فالأخلاق السيئة تتصدر المجتمع بدلاً من النزاهة والأخلاق الفاضلة، فقليل جداً من الأشخاص الطاهرين الأتقياء يستطيعون العيش في مثل هذه البيئات الملوّثة، وأقل منهم الذين يستطيعون استمرار بطهارتهم وتقواهم، ويعيشون حياتهم الروحية بروح عالية وكريمة بين أناس طغاة أذلاء أنانيين سفهاء في هذه البيئة الملوّثة بالضغائن والأحقاد، استمر الإمام الكاظم (عليه السلام) مجاهداً لم يداهن ولم يساير ولم يلين، بل قاوم الطغاة وألف الجماهير، وقام بتكاليفه مع ما لاقى من الاضطهاد والآلام والعذاب.

وهنا يتجلى معنى الصبر الجميل على النوائب والدواهي وهنا تبرز البطولات الخالدة على صفحات التاريخ. فأين مزار هارون الرشيد والمنصور والهادي؟؟ لقد اندثرت معالمهم، ومات ذكرهم معهم وبقي ذكر الإمام الكاظم كأبيه وأجداده حيّاً نضراً فوّاحاً، كلما ذكر محمد وآل محمد (عليهم السلام). إن الشفاه التي ترتل اسمه (عليه السلام) كما ترتل آيات التنزيل، والقلوب التي تلهج بحبه، والعقول تتحرك بالإعجاب به، ليست وقفاً على المسلمين، ولا على الفئة الأولى من تاريخ الإسلام. فهذا أمر ينطبق على الذي يتفوّق بحال من الأحوال، أما أهل البيت فهم لكل حال ولكل الأجيال، والإمام الكاظم والأئمة جميعاً باقين في الوجود منذ أن أبدع الله الخير والمجد والكمال.

لقد ذهب الأمويون والعباسيون، وانطفأت قناديل حياتهم لأنهم كانوا محكومين بغرائز الإمرة والاستبداد وحب المال والضياع، أما الأئمة المعصومون فقد تمسّكوا بشريعة الإسلام وأحكامه، ومبادئ الرسول الأعظم وأخلاقه، فكان لهم مواقف ثابتة حافظوا عليها، وحقوق معلنة ماتوا دونها. قالوا كلمة الحق فلهج بها التاريخ، ووقفوا المواقف الحقّة فنسخت عن صحفهم البطولات، وبقيت مشاعل صدقهم وشهادتهم كواكب مشرقة قبالة الشمس، لأنها تستوحي من نهج رسول الله، وتتوهج من نور الله.

الحقيقة أن الكل هباء، فوات، تراب، فناء، ما لم يتطلع إلى سمو الحقيقة العليا، إلى الله جل جلاله. فهو وحده الذي يبقى، أما الذي لا يحب البقاء في رحاب رضوان الله فهو ميّت جسداً وذكراً، وله جهنم وبئس المصير. فالموقف الموقف، والصدق الصدق، والعدل العدل،والحق الحق، والصبر وكظم الغيظ، وهذه كلها من شمائل أئمتنا التي بها فُضِّلوا على الناس، ومن أجلها استشهد الشرفاء الأتقياء. والإمام الكاظم ذلك العظيم، هزئ بالموت فإذا به ذو عرش على قلوب الملايين، يحتل قلوبهم، ويتملّك مشاعرهم ومحبّتهم وحسب أنه قال للموت هازئاً به: قد تجيء أيها الموت في كل لحظة، وترمي بالأحياء في غيابات المجهول، ولكني لا أخافك ولا أهابك، أريد أن تموت أنت وإن أحيا أنا إلى الأبد أبقى قطرة في محيط التاريخ، وأتجاوز السنين والعصور وأبقى مع الخالدين.

سجلت أسمي في قلب كل مؤمن، وعلقت ذكري على صدور أصحاب المواقف الحقة، وبقيت حياً في خواطر الأبطال الذين أحبوا الحياة الحرة الكريمة.

وبعد أربعة عشر قرناً ونيف نجد أنصار أهل البيت يسطع من نفوسهم ضوء يهدي، وعطر يفوح، وصوت يهب سامعه إلى نجدة الحق، الحق المسلوب في فلسطين وفي جنوب لبنان والبقاع الغربي من الدولة المعتدية الغاشمة دولة الصهاينة. لكن المقاومة كانت لهم بالمرصاد حيث تلقنهم الدرس تلو الدرس كل يوم فهنيئاً لكل الشهداء الشرفاء الذين ضحّوا بدمائهم الطاهرة من أجل تحرير الأرض. لقد ساروا على الخط الحسيني وقاموا بتكاليفهم الشرعية بإرادة صامدة قويّة، وقلب عامر بالإيمان، ونفس مطمئنة.

كل ذلك في سبيل الإنسانية والحضارة الهادفة إلى الطمأنينة العامة والسعادة لجميع الناس، وكلتاهما جناحان نحو الصراط المستقيم.

إن الإنسان العادي في أي مجتمع يحتاج إلى تربية فردية صالحة في مجتمع إسلامي صالح يستند إليه، وهو بحاجة بلا ريب إلى نماذج بشرية صالحة تعرفه بأمثولة السلوك الصالح في حياته وتكون له قدرة تنير له الطريق إلى المثل العليا.

وهنا لابدّ لنا من التحدث عن دور الإيمان في الشعور بالمسؤولية.

/ 169