أجمع الشيعة أن الانتخاب في الإمامة باطل، والاختيار فيها مستحيل، فحالها كحال النبوة، ليس بيد الأمة، ولا بيد أهل الحل والعقد فكما أن النبوة لا تكون بإيجاد الإنسان ورغبته كذلك الإمامة، لأنّ العصمة التي هي شرط من شروط الإمامة عند الشيعة، لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، المطلع على دخائل القلوب وخفايا النفوس، فهو عزّ وجلّ وحده يمنحها لمن يشاء من عباده ويختاره لمنصب الإمامة والخلافة.فالنبوة والإمامة، كونهما منصباً إلهياً فإن تعيينهما من مختصاته تعالى ولا يجوز فيهما الترشيح والانتخاب. وقد أعلن ذلك في القرآن الكريم. قال تعالى: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)104.وقال تعالى أيضاً: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)105.والنصوص المتضافرة عن أئمة أهل البيت تدل بوضوح على وجوب تعيين الإمامة من الله عزّ وجلّ. من تلك النصوص ما استدل به حجة الله على أرضه وخليفته على عباده الذي يصلح ما فسد من نظام الدين ويقوم الاعوجاج، مهدي هذه الأمة عجل الله فرجه الشريف وذلك عندما سأله سعد بن عبد الله عن العلة التي تمنع من اختيار الناس إماماً لأنفسهم فأجابه (عليه السلام) قائلاً:ـ يختارون مصلحاً أو مفسداً؟ ـ بل مصلحاً.ـ فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من إصلاح أو فساد؟ـ بلى.ـ فهي العلة أوردها لك ببرهان يثق به عقلك، اخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم، وأيدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام الأمم، وأهدى إلى الاختيار، منهم مثل موسى وعيسى هل يجوز مع وفور عقلهما، وكمال علمهما إذا هما بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن.ـ لا.ـ هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه، ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه، ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين.قال تعالى في ذلك:(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ)106 الى قوله تعالى:(...فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ)107 فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح، وهو يظن أنه الأصلح علمنا ان الاختيار ليس الا لمن يعلم ما تخفي الصدور، وتكن الضمائر)108.من هنا نعلم أن الطاقات البشرية قاصرة عن إدراك الأصلح الذي تسعد به الأمة وإنما أمر ذلك بيد الله تعالى العالم بخفايا الأمور قال تعالى: (إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)109.