معنى العقل السليم - باب الحوائج الإمام موسی الکاظم (علیه السلام) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

باب الحوائج الإمام موسی الکاظم (علیه السلام) - نسخه متنی

حسین إبراهیم الحاج حسن

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

معنى العقل السليم

العاقل في اصطلاح القرآن الكريم وعند الناس هو الذي يضع الشيء في مكانه ويملك إرادة قوية فيحبس نفسه عما يشين بها ولا يستجيب لهواها إن يكُ مخالفاً للعقل وحكمه. قال تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ..)180 وقال عزّ وجلّ: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ..)181.

وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)182.

وقال سبحانه وتعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)183.

يتضح من هذه الآيات الكريمات أن العاقل هو الذي ينقاد إلى حكم العقل، ويؤثره على هواه. وعليه يكون المراد بالعقل السليم: الإدراك النابع من العقل بالذات، العقل المستنير بالمعرفة والحق والإيمان، وليس من الجهل والتعصب والأهواء الشخصية!!

وما نراه أن الرجل الواقعي الواعي لا يجزم بالفكرة الخاطفة العابرة، ولا ينطلق مع رغبته وإرادته قبل أن يتدبر ويتأمل، بل يتريّث ويملك نفسه ويبحث، حتى يهتدي إلى الرأي الناضج الأصيل. على العكس من الرجل العاطفي الذي يبتّ في الأمور برغبته وهواه قبل أن يفكر ملياً، وبتعبير أدق: يصدّق قبل أن يتصوّر.

وسئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن العقل فقال: (ما عبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. قيل له: فالذي كان في معاوية؟ فقال: تلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقل، وليست بالعقل).

ويعني بقوله (عليه السلام) أن العقل لا يقود إلى الحرام كما يفعل الشيطان. والله سبحانه وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه حيث قال: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ)184.

هذه الآية تعد من أوضح الآيات التي جاءت في العقول السليمة. والإمام (عليه السلام) استدل بهذه الآية الكريمة على تقديم أهل العقول السليمة على غيرهم لأن الله قد بشّرهم بالهداية والنجاح، وقد تضمنت الآية التي استشهد بها (عليه السلام) جملة من الفوائد منها:

1ـ وجوب الاستدلال. 2ـ حدوث الهداية.

1ـ إذا وقف الإنسان على جملة من الأمور فيها الصحيح والفاسد، وكان في الصحيح هدايته وفي السقيم غوايته فإنّه يتحتم عليه أن يميز بينهما ليعرف الصحيح منها فيتبعه، والسقيم فيبتعد عنه، ومن الطبيعي أن ذلك لا يحصل إلا بإقامة الدليل والحجة، وبهذا يستدل على وجوب النظر والاستدلال في مثل ذلك.

2ـ كما دلّت الآية على الهداية، فمن المعلوم أن كل عارض لابدّ له من موجد كما لابدّ له من قابل، أما الموجد للهداية فهو الله تعالى ولذلك نسبها إليه بقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ)، وأما القابلون لها كلهم أهل العقول المستقيمة وإلى ذلك أشار بقوله سبحانه: (وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ).

ومن المعلوم أن الإنسان يقبل الهداية من جهة عقله لا من جهة جسمه وأعضائه، فلو لم يكن كامل العقل لامتنع عليه حصول المعرفة والفهم كما هو ظاهر.

قال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) مخاطباً هشام بن الحكم:

يا هشام: إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول، ونصر النبيين بالبيان، ودلّهم على ربوبيته بالأدلة فقال سبحانه: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)185.

يتوضّح من حديث الإمام هذا أن الله أكمل نفوس أنبيائه بالعقول الفاضلة ليكونوا حججاً على عباده، وهداة لهم إلى الطريق السليم لينجوا من مهالك الدنيا ومزالقها، ولو لم يمنحهم العقل لما صلحوا لقيادة الأمم وهدايتها، لأن الناقص لا يكون مكملاً لغيره، وفاقد الشيء لا يعطيه.

كيف نصر الله أنبيائه؟

الله عزّ وجلّ نصر أنبياءه بآيات الصدق، ودلّهم على ربوبيته ببيان الحق، وعلمهم على معرفته وتوحيده بأدلة حماسة تشهد على وجوده، وتدل على وحدانيته.

وكما قال علماء المنطق والفلاسفة، إن المعلول يدل على العلة, والأثر يدلّ على المؤثّر. وقد استدل الإمام الكاظم (عليه السلام) على فضل الله بالآيات الكريمة، وذلك في حديثه الذهبي هذا الذي يعتبر من أهم الثروات الفكرية التي أثرت عنه. وقد شرحه شرحاً فلسفياً الشيخ المتأله الآخوند ملا صدرا اقتبسنا بعضه.

قال (عليه السلام) من خلال هذه الآية الكريمة:

1ـ [خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ] البقرة الآية 164

من أعظم آيات الله خلقه للسماوات التي زيّنها بالكواكب السابحة في الفضاء، وسيرها في مداراتها، متباعداً بعضها عن بعض حسب قواعد الجاذبية؛ وهي مسخّرة في حركاتها وانجذابها، وجذبها بأمر الله تعالى، فبعضها أكبر من الأرض بعدة ملايين، وهي تسير في أفلاكها لا يصطدم بعضها ببعض. آية ظاهرة تنادي بوجود الله جلّت قدرته.

جاء في تفسير المنار للشيخ محمد عبده، ج2، ص60.

(تتألف هذه الأجرام السماوية من طوائف، لكل طائفة منها نظام كامل محكم، ولا يبطل نظام بعضها نظام الآخر، لأن للمجموع نظاماً عاماً واحداً يدل على أنه صادر عن إله واحد لا شريك له في خلقه وتقديره وحكمته وتدبيره، وأقرب تلك الطوائف إلينا ما يسمونه النظام الشمسي نسبة إلى شمسنا هذه التي تفيض أنوارها على أرضنا فتكون سبباً للحياة النباتية والحيوانية.

والكواكب التابعة لهذه الشمس مختلفة في المقادير والأبعاد.

وقد استقر كل منها في مداره، وحفظت النسبة بينه وبين الآخر بنسبة إلهية. ولولا هذا النظام لانفلتت هذه الكواكب السابحة في أفلاكها فصدم بعضها بعضاً، وهلكت العوالم بذلك.

فهذا النظام آية على الرحمة الإلهية كما أنه آية على الوحدانية. يقول العلامة جون وليام كوتس:

(إن ما اكتشفه العلم الحديث من النجوم هو بمقدار من الكثرة بحيث لو كنا نعدّ النجوم كلها بسرعة 1500 نجماً في الدقيقة لاستغرق عدنا 700 سنة، أما نسبة الأرض إليها فهي أقل كثيراً من نقطة على حرف في مكتبة تضم نصف مليون من الكتب من الحجم المتوسط.186 وتابع قائلاً:

(إن هذا العالم الذي نعيش فيه قد بلغ من الإتقان والتعقيد درجة تجعل من المحال أن يكون قد نشأ بمحض المصادفة.

إنه مليء بالروائع والأمور المعقدة التي تحتاج إلى مدبّر، والتي لا يمكن نسبتها إلى قدر أعمى، ولا شك أن العلوم قد ساعدتنا على زيادة وفهم وتقدير ظواهر هذا الكون وهي بذلك تزيد من معرفتنا بالله ومن إيماننا بوجوده)187.

ممّا لا شك فيه أن كل ذلك لم يكن وليد الصدفة إذ كيف يمكن أن تفسر هذه العمليات المعقّدة، وكيف نستطيع أن نفسّر هذا الانتظام في ظواهر الكون، والعلاقات السببية، والتكامل والتوافق والتوازن التي تنتظم بسائر الظواهر، وتمتد آثارها من عصر إلى عصر؟ وكيف يعمل هذا الكون من دون أن يكون له خالق مدبّر، هو الذي خلقه وأبدعه ودبّر سائر أموره؟؟

2ـ الأرض

ومن عجائب خلق الله في خلقه هذا الكوكب الذي نعيش عليه، فقد جعله تعالى يدور حول محوره في كل 24 ساعة مرة واحدة، وسرعة حركته ألف ميل في الساعة ولو كان يدور حول محوره بسرعة مائة ميل في الساعة لكان طول الليل عشر أمثال ما هو عليه الآن، وكذا طول النهار، وكانت الشمس محرقة في الصيف لجميع النبات، وفي الليالي الباردة كان يتجمد ما عليها من نبات وحيوان، كما أنها لو اقتربت الشمس من الأرض أكثر ممّا عليه الآن لازدادت الأشعة التي تصل إليها بدرجة تؤدي إلى امتناع الحياة عليها، ولو أن الأرض كانت صغيرة كالقمر لعجزت عن احتفاظها بالغلاف الجوي والمائي اللذين يحيطان بها، ولصارت درجة الحرارة فيها بالغة حتى الموت ولو كان قطرها ضعف قطرها الحالي لأصبحت جاذبيتها للأجسام ضعف ما هي عليه وانخفض تبعاً لذلك ارتفاع غلافها الهوائي وزاد الضغط الجوي وهو يوجب تأثيراً بالغاً على الحياة فإن مساحة المناطق الباردة تتسع اتساعاً كبيراً، وتنقص مساحة الأرض الصالحة للسكن نقصاً ذريعاً، وبذلك تعيش الجماعات الإنسانية منفصلة أو في أماكن متنائية فتزداد العزلة بينها، ويتعذر السفر والاتصال بل قد يصير ضرباً من ضروب الخيال.

ولو كانت الأرض في حجم الشمس لتضاعفت جاذبيتها للأجسام التي عليها إلى مائة وخمسين ضعفاً ونقص بذلك ارتفع الغلاف الجوي ووصل وزن الحيوان إلى زيادة مائة وخمسين ضعفاً عن وزنه الحقيقي كما تتعذّر الحياة الفكرية عامة.188

وميزة أخرى خصّ الله بها الأرض فجعل لها غلافاً غازياً كثيفاً يقدّر سمكه بثمانمائة كيلومتر. وهو يتكون من جميع العناصر الضرورية للحياة، وهو السبب في حيلولة الشهب القاتلة إلى الأرض كما أنه السبب في إيصال حرارة الشمس بصورة معتدلة إلى الأرض بحيث يمكن أن تعيش على سطحها الحيوانات والنباتات كما أن له الأثر في نقل المياه والبخار من المحيطات إلى القارات، ولولاه لتحوّلت القارات إلى أرض قاحلة، وليس لبعض الكواكب هذا الغلاف ممّا سبب عدم ظهور الحياة عليها.

فالمرّيخ له غلاف غازي ولكنه رقيق جداً وغير صالح للحياة لخلوّه من الأوكسجين.

والزهرة لها غلاف غازي ولكنه مكوّن من ثاني أوكسيد الكربون (co2) ممّا يجعله غير صالح لظهور الحياة.

وكذلك القمر له غلاف رقيق خال من العناصر الضرورية للحياة مثل الأوكسجين189 ناهيك بما في مائها وأنهارها وجبالها ومعادنها من الآيات والعجائب.

قال سماحة الإمام المغفور له كاشف الغطاء:

(حقاً إن من أعظم تلك الآيات التي نمرّ عليها في كل وقت وعلى كل حال هذه الأرض التي نعيش عليها، ونعيش منها ونعيش بها، منها بدؤنا واليها معادنا قال تعالى: (..وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)190.

وقال رحمه الله: الأرض هي أم المواليد الثلاثة: الجماد، والنبات، والحيوان، وتحوطها العناية بالروافد الثلاثة: الماء والهواء والشمس، فهي الحياة وهي الممات، وفيها الداء، ومنها الدواء وقد تحصى نجوم السماء، أما نجوم الأرض فلا تحصى.

ولا تزال الشريعة الإسلامية قرآنها وحديثها يعظم شأن الأرض وينوه عنها صراحة وتلميحاً. قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتاً)191.

وقال عزّ وجلّ: (وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا)192.

وقال سبحانه وتعالى: (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ)193.

ومع تقدم الاكتشافات والاختراعات، واستخدام العقول الثاقبة وجميع وسائل العلم، لم تصل هذه العقول إلى تحليل جميع عناصر الأرض واستخراج جميع كنوزها، فسبحانه ما أجلّ قدرته، وأعظم صنعه..‍‍

3ـ واختلاف الليل والنهار

ومن آياته عزّ وجلّ اختلاف الليل والنهار؛ ذكر علماء التفسير للاختلاف وجهين: (أحدهما) مأخوذ من خلفه يخلفه وإذا ذهب الأول وجاء الثاني، فيكون المراد باختلاف الليل والنهار تعاقبهما في الذهاب والمجيء. (والثاني) الاختلاف في الطول والقصر، والنور والظلمة، والزيادة والنقيصة؛ وكما أنهما يختلفان في الزمان فكذلك يختلفان في المكان، فإذا افترضنا الصبح قد حلّ في موضع ما، فهي في موضع آخر ظهر، وفي مكان آخر عصر، وفي مكان آخر مغرب... وهلمّ جرا.

وذلك لكروية الأرض. وهذا الاختلاف من آثار النظام الشمسي الذي يدل على وحدة الله ووجوده. كما أن هناك مصالح لا تحصى ترتبت على هذا الاختلاف: وعلى سبيل المثال: أحوال العباد بسبب طلب الكسب والمعيشة في النهار، وطلب الراحة في الليل. إلى غير ذلك من المصالح الحيوية التي ذكرها العلماء في سرّ هذا الاختلاف التي تكشف عن وجود الله سبحانه وتعالى، وعن جميل صنعه، وعظيم قدسه.

4ـ وجريان الفلك

ويرشح من هذه الآية الكريمة جريان الفلك في الماء، فلولا لطافة الماء وخفتها لما أمكن جريان البواخر والسفن فيه، كما أنه لولا الرياح المعينة على تحريكها إلى الجهات المختلفة التي يبغيها الناس لما أمكن النفع بها، وقد جعل الله تلك الرياح متوسطة الهدوء ولو كانت عاصفة لتحطمت البواخر، بالإضافة إلى أن مواد السفن من الخشب والحديد وغيرها هي من خلق الله تعالى ومن إبداعاته، وإن كانت الهيئة التركيبية من الناس.194

5ـ نزول الماء من السماء

ومن آياته تعالى إنزال الماء من السماء فإنه من عجائب صنعه جلّت قدرته، فقد خلقه مركباً من الأكسجين والهيدروجين بنسبة واحد (O) وإثنان (H). وكل عنصر من أجزائه يختلف عن العنصر الآخر ويخالفه وجعله تعالى سبباً لحياة الإنسان وسبباً لرزقه ومعيشته فقال سبحانه: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)195.

فنزول المطر حياة للأرض، لأن فيها قوة الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية، فيحصل بذلك النبات والأزهار والرياحين، وتلبس الأرض فستانها القشيب الجميل المضمخ بعطر الزهور، ولا ريب أن الجمال يبعث على البهجة والمسرّة لكل من نظر إليها، وهذا هو المراد من حياتها. وفي ذلك شواهد على قدرة الصانع الماهر وإبداعه. ولو أمعن الإنسان في النبات والزرع وما فيهما من العجائب لآمن بقدرة الله وجمال صنعه وحسن تدبيره. فالزرع بحكمة إلهية يخرج بالحد الذي يحتاج إليه الإنسان في أوقات معلومة، فما يخرج في موسم الربيع لا يخرج في الخريف وما يخرج في موسم الصيف لا يدرك في الشتاء زد على ذلك الأشجار المتنوعة الثمار، فإنها متغايرة بألوانها وطعمها ورائحتها وفائدتها الصحية مع أنها تسقى بماء واحد، وتخرج من أرض واحدة، فلو نظر الإنسان إلى كل ذلك بعين بصيرة لآمن بربّه وما زاغ قلبه وما خرج عن جادة الإيمان. المهم أن يعمل بعقله السليم ويفكر ملياً. قال الإمام الصادق (عليه السلام):

تفكير ساعة خير من عبادة سنة).

/ 169