والدعاء باب كبير يستحق الدراسة بعناية خاصة من جميع جوانبه: الأدبية والاجتماعية والنفسية والدينية والأخلاقية..والدعاء راحة للنفس فيه اعتزاز وكبرياء وإخلاص، لأن الداعي يدعو ربّ العالمين، وفاطر السماوات والأرض ورب العرش العظيم وهل أعظم وأرفع وأفضل وأنبل من الله عزّ وجلّ، الرحمان الرحيم، الذي يقول للشيء كن فيكون؟!ألم يخلق الإنسان بأحسن تقويم، وخلق له جميع ما في الدنيا من الطيّبات إلا يحق أن يسبّحه في كل أوان، ويدعوه عند اشتداد البلايا والأحزان؟فالدعاء يصبح ذوب أنفاس أفعمت بحب الخالق، وفيض أرواح تقطّعت في سبيل العشق الإلهي، وهو ابتهالات تأخذ بمجامع القلوب ونبضات الجوارح وإطلالة شوق إلى عالم القدسية والطهارة.والدعاء هو الذي ينمي في روح الإنسان الصلة الروحية بالله حيث يشعر الداعي بأن الله عزّ وجلّ قريب منه وقريب من آلامه، وحلال لمشاكله، وملبّي حاجاته، فيدعو ربّه ليفتح عليه أبواب رحمته، وليخفف عنه ما ثقل عليه من ذلك، ويقضي له ما صعب حله، وبعدها يأتيه الفرج، ويدخل إلى قلبه الفرح.يقول الإمام الكاظم: (... يا رحيماً بكل مسترحم، ويا رؤوفاً بكل مسكين، ويا أقرب من دعي وأسرعه إجابة، ويا مفرّجاً عن كل ملهوف، ويا خير من طلب منه الخير وأسرعه عطاءً ونجاحاً، وأحسنه عطفاً وتفضّلاً) والدعاء هو الفناء في الله جل وعلا حيث تعقبه حياة أبدية، والرحيل إليه بشوق يبعث حرارة الشعور وصدق العاطفة، ونبل الأحاسيس، وشفافية الروح إلى من إليه ترجع الأمور.والدعاء أيضاً هو نموذج لنقاء السريرة، وإخلاص القلوب، وصفاء الرؤى.يقول الإمام الكاظم:(السر عندك علانية، والغيب عندك شهادة، تعلم وهم القلوب، ورجم الغيوب، ورجع الألسن، وخائنة الأعين وما تخفي الصدور وأنت رجاؤنا عند كل شدة، وغياثنا عند كل محل، وسيّدنا في كل كريهة، وناصرنا عند كل ظلم، وقوّتنا عند كل ضعف، وبلاغنا في كل عجز؛ كم من كريهة وشدة ضعفت فيها القوة، وقلّت فيها الحيلة، أسلمنا فيها الرفيق وخذلنا فيها الشفيق، أنزلتها بك يا رب ولم نرج غيرك، ففرّجتها وخففت ثقلها، وكشفت غمرتها، وكفيتنا إيّاها عمن سواك).ولا يخفى على الأدباء أن أدعية الإمام الكاظم (عليه السلام) كأدعية جده الإمام زين العابدين (عليه السلام)93 جاءت محببة إلى النفوس بما انطوت عليه من فنون البلاغة والفصاحة، وجمال الأسلوب، وسعة العرض، وحسب التعبير، وهي خير منهل يغرف منه طلاب الأدب والبلاغة والفصاحة والبيان وصناعة الكتابة.وهذه الأدعية عند الأئمة المعصومين يمكن أن تعطى أطروحة دراسات عليا بعنوان: الفن الأدبي في الدعاء، أو أدب الدعاء عند أهل البيت (عليهم السلام) أو قيمة الدعاء وأثره في الأدب العربي.