القياس بالنفس - باب الحوائج الإمام موسی الکاظم (علیه السلام) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

باب الحوائج الإمام موسی الکاظم (علیه السلام) - نسخه متنی

حسین إبراهیم الحاج حسن

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

القياس بالنفس

كل إنسان يقيس الآخرين على شاكلته، فإن كان سلوكه فاسداً فيقيس الآخرين على أساس مقاصده الفاسدة ونياته الملوثة وغير النزيهة. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عالم العلماء، وسيد البلغاء، وسيد الأدباء: (الرجل السوء لا يظن بأحد خيراً؛ لأنه لا يراه إلا بطبع نفسه)304.

وهذا ما نلاحظه في مجتمعنا اليوم وما يمكن أن يحصل في كل يوم لأن الحقائق العلمية موضوعية ومستمرة في كل العصور. يقول علماء النفس: (حينما تمتلئ الدنيا بعواطفنا وميولنا وأفكارنا، فمن المقطوع به أننا ننظر إلى كل شيء منها بنظرتنا الشخصية، وكأن أحاسيسنا تظل على رؤوس الكائنات. ونلاحظ ذلك في الطبيعة:

فالعواصف تصيب باليأس والقنوط، والنسيم الغض الطري يكسبنا الرضا والسكون. وهكذا نحن البشر نرى الطبيعة الجغرافية والبشرية من خلال نوافذ عواطفنا وأحاسيسنا.

فحسب أحاسيسنا من الممكن أن نرى الهر حيواناً محبوباً لطيفاً أو حيواناً مؤذياً معادياً. كما يمكن أن نرى الأسد حيواناً مأنوساً أو نراه حيواناً مفترساً ضاراً مرهوباً. ذلك أن العواطف والأحاسيس تغير الدنيا التي نعيش فيها بصورة كلية. ومن هنا كان التفاؤل والتشاؤم من الموضوع نفسه عند بعض الناس.

وإذا ما سألنا بعض القضاة والحقوقيين يقولون: قلما يتفق أن يشهد الشهود لحادثة بسيطة ساذجة شاهدوها من قريب، بشهادة واحدة تماماً، فقد تختلف العبارات والصورة من شخص لآخر.

كما نلاحظ ذلك في الأمور التي لا تثير فينا العاطفة نشاهد جيداً كيف تختلف أفكارنا ونظراتنا، فكيف بالأحرى بالحوادث العاطفية.

ولا ريب أن ذلك يعود إلى العقل الذي منه الإتزان والصحة والرأي السليم. قال الإمام الكاظم (عليه السلام) في وصيته لهشام: (يا هشام إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره، ولا يغلب الحرام صبره. يا هشام من سلط ثلاثاً على ثلاث فكأنما أعان على هدم عقله: من أظلم نور تفكره بطور أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه.

هذا النمط من الناس ينقصهم ضعف في النفس وعدم الثقة بأنفهسم. والسبب في ذلك يعود إلى عدم الاتكال على الله، رب العالمين الذي تستمد منه وحده فهو صاحب القدرة الإلهية الأزلية.

إن المؤمن مع تمتعه بثقته بنفسه، ومع إفادته من كل الإمكانيات التي تحت تصرفه بصورة دقيقة وتامة، لا يحضر روحه بين العلل والعوامل المادية، ولا تتوقف إنسانيته على المادة، بل يرى طريق التعالي والتسامي إلى القمة مفتوحاً عليه، كما يرى عمله أبعد من حدود المادة، فهو يربط بين نشاطاته وفعالياته وأهداف الحياة العالية إن من يطمئن قلبه بالإيمان يكون اعتماده وثقته بالله تعالى الذي بيده سبحانه تدبير كل الأمور وحده لا شريك له. قال تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)305.

إن اللجوء إلى غير الله لا ينتج عنه سوى الذلة والحقارة، وأنى لمخلوق عاجز لا ملجأ له إلا الله بل هو فقير في كل شيء إليه ولا يملك من أمره شيئاً، فكيف له أن يمتلك أمر غيره؟

وهل بعد هذا أفضل وألطف من أن يعيش الإنسان في كنف لطف الله وحمايته؟ فهو مالك كل شيء وبيده تدبير جميع الأمور.

إن الخضوع إمام الله في السراء والضراء، والاعتقاد الحازم والراسخ بسيادة القدرة المطلقة الإلهية فوق جميع القدرات والعوامل المادية يترك في نفس المؤمن آثاراً عجيبة من الطمأنينة بحيث لا يفتقد قيمته أمام أي حادث، ولا يضطرب ولا يقلق لأي شيء كبيراً كان أم صغيراً. إن الاتكال على الله عزّ وجلّ لن يؤدي إلى الضعف والوهن، بل هو ثقة واعتماد يوثق قوة الإرادة، ويقطع جذور أي وسوسة أو تردد من القلوب. وهل يزكو عمل الإنسان وهو شاغل قلبه عن أمر ربه؟

قال الإمام الكاظم (عليه السلام) مخاطباً هشام:

(يا هشام كيف يزكو عند الله عملك وأنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك، وأطعت هواك على غلبة عقلك، وقال لقمان (عليه السلام): (إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيها عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها الإيمان، وشراعها التوكل...).

إن الكفاح الدائم والمستمر للمؤمنين الإلهيين ضد عوامل التخريب والانحراف في المجتمع، والأفكار المنحطة فيه، كانوا يستعينون بالمدد اللامرئي لتنفيذ برامجهم الإصلاحية وإرشاد العباد إلى نهج الرشاد، وحيث كانت لأرواحهم ارتباط غير منقطع بقدرة الله الأزلية، فإنهم كانوا يتابعون أهدافهم حتى المرحلة النهائية بكل صراحة وموضوعية.

لكن الثقة بالنفس بدون الاتكال على الله لا يمكن أن تنفذ روح الإنسان في الأحوال الحرجة والمنهكة لقوى القلق والاضطراب، لأن الشدائد والعوامل المعاكسة في الحياة تهزم روح الخالي من الاعتماد على الله، والذي لا تتجاوز بصيرته عن حدود الماديات؛ وهو بهذه الحالة لا يتمكن من أن يخطو أية خطوة في مدارج الكمال حتى لو كانت سهلة واضحة وربما يعيقه ألم بسيط عن تحقيق هدف كبير، إن كيفية روحية المسلمين الأوائل في صدر الإسلام وبصورة خاصة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) تثبت لنا صحة ما نرمي إليه، إذ كانوا أفضل وأكمل نموذج للاعتماد على الله والتوكل عليه.

فالذين تربّوا في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) الإسلامية الأولى النشطة المعطاء، لم تسيطر عليهم حالة عدم الثقة أبداً، وذلك بسب إرادتهم القوية وإيمانهم الأصيل، وهذه الإرادة الثابتة المطمئنة هي التي فتحت لهم طريق النجاح والتقدم والانتصار على الباطل لقد سلكوا طريق الحق وقالوا كلمة الحق ونشروا رسالة الحق ولم تأخذهم في الله لومة لائم حتى أحدثوا ذلك المجتمع الإسلامي الوحيد الذي لم نر نظيراً له في التاريخ.

قال الإمام الكاظم (عليه السلام) بعد أن أمر أصحابه بقول الحق وإظهاره، والتجنب عن الباطل: (إتق الله، وقل الحق وإن كان فيه هلاكك فإن فيه نجاتك، أي فلان اتق الله ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك فإن فيه هلاكك).

على كل أحد أن يقيّم موقعه في الحياة، ويعرف أن ما اختاره من طريق هل هو إلى خير وسعادة أم إلى شقاء وتعاسة؟ وبالتعرف على الحاجات النفسية يستطيع أن يكافح ضد العوامل التي توجب اضطراب التوازن الروحي، وأن لا يدع تلك العوامل تجتمع وتتكاتف على ضرر الإنسان، فيقول الخير من أي موقع كان. قال الإمام الكاظم (عليه السلام) للفضل بن يونس:

(أبلغ خيراً وقل خيراً، ولا تكن إمّعة)306.

المسؤولية الفردية:

إن المسؤولية الفردية في الإسلام تشكل أساس التعاليم الإنسانية والتوصل إلى السعادة المعنوية في النظام الإسلامي يتوقف على عمل الشخص نفسه والتكاليف التي وضعها على عاتق الإنسان في جميع الشؤون الدينية والدنيوية يجب أن تؤدي بالعمل المباشر، وعلى هذا الأساس يترتب مبدأ الثواب والعقاب. والقرآن الكريم ينبه إلى:

(وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَ مَا سَعَى)307 و(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)308.

وقال تعالى أيضاً: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)309.

وفي هذه الدنيا يستوفي الإنسان نتائج أعماله. جاء عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قال: (من عمل سوءاً يُجْزَ بِهِ في الدنيا)310.

وقال (صلّى الله عليه وآله): (من يرزع خيراً يحصد رغبة، ومن يزرع شراً يحصد ندامة)311.

وكتب الفيلسوف الأمريكي (امرسون) يقول: (إن العالم بمثابة جدول ضرب أو معادلة رياضية كيفما يعادلونها تعتدل وتتوازن ويكون جوابها واحداً دائماً، إننا أي طريقة نختارها لحل مسألة رياضية فإن إعداد النتائج ستكون واحدة لا محالة والطبيعة بسكوتها تفشي كل سر بطريقة متقنة، وتجازي كل جريمة، وتثبت على كل فضيلة. وكل عمل يستكمل نفسه من طريقين:

الأول: التفاعل في الطبيعة الواقعية لنفس الفعل والعمل.

والثاني: الطريقة العلنية الظاهرة. والكيفية العلنية هي التي تسمى الجزاء والعقاب. العقاب الذاتي يرى بالعين المجردة في الشيء نفسه، والعقاب الكيفي يرى ببصيرة الفهم.

هذه العقوبة الخاصة من الممكن أن تبدو بعد أعوام عديدة من وقوع الحادثة، ولكنها تستتبعها وتلازمها حتماً. إن الجريمة والجزاء أغصان شجرة واحدة، والجزاء ثمرة تنضح وتظهر فجأة من باطن زهرة اللذة التي سترتها وغطتها)312.

لذلك وجدنا الإمام الكاظم (عليه السلام) يوصي عموم أصحابه بتنظيم أوقاتهم، والعمل على تهذيب نفوسهم وتحمل مسؤولياتهم فقال (عليه السلام):

اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات:

ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرّفونكم عيوبكم، ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات، ولا تحدثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر، فإنه من حدّث نفسه بالفقر بخل ومن حدثها بطول العمر حرص.

اجعلوا لأنفسكم حظاً من الدنيا باعطائها ما تشتهي من الحلال وما لا يثلم المروءة، وما لا سرف فيه، واستعينوا بذلك على أمور الدين، فإنّه روي: (ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه)313.

وقال (عليه السلام) في استغلال الوقت لصالح الفرد وحثه على تحمل المسؤولية في هذه الحياة الدنيا: (من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه أشرهما فهو ملعون، ومن لم يعرف الزيادة على نفسه فهو في النقصان، ومن كان إلى النقصان أكثر فالموت خير له من الحياة)314.

/ 169