1. ان القضية التي يتفق عليها كل المؤرخين الكبار هي : ان العرب قبل بدالرسول (ص ) بدعوته كانوا فـي اوضـاع سـيـئة لـلـغـايـة مـن ناحية سيطرة المعتقدات الخرافية , والانحطاط الاخلاقي , والاخـتـلافـات , والحروب الداخلية المستعرة ,والظروف الاقتصادية السيئة , ولا تتحرك فيه نـسـمـة لـلـعـلـم والمعرفة , ولا يوجد حتى اثر من الحضارة الشكلية للبشر ولهذا السبب كانوا يعتبرونهم قوما نصف متوحشين ,ويطلقون على عصرهم اسم ( العصر الجاهلي ). ولـلـقـرآن الكريم تعابير صريحة وواضحة عن ذلك العصر يمكنها رسم ملامح الاوضاع في ذلك الـزمـان بـشـكل جيد ( حتى لو لم يصد ق احد بان القرآن الكريم وحي الهي , ولكن لايمكنه انكار حـقـيـقـة ان ذكر تلك الصفات لذلك العصر في القرآن هي دليل على واقعيته وحقيقته , والا يكون منكرا لكل الجوانب ). فـيقول في مكان : ( لقد من اللّه على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم آياته ويزك يهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) (آل عمران ـ 146 ). وعـبـارة ( ضلال مبين ) في هذه الاية وفي اواخر الاية الثانية من سورة الجمعة ايضا , هو اشارة مـعـبـرة عـن الاوضاع في العصر الجاهلي الذي كانت الضلالة المبينة تسود اركانه , واي ضلالة اوضـح وابـيـن من عبادتهم لاصنام من الحجر والخشب ينحتونها بايديهم , والاسوا من ذلك هو تلك الاوثان التي يعملونها من التمرويعبدونها , ثم ياكلونها ايام القحط والجفاف . او يـقـبـرون بـناتهم بايديهم وهن احيا , وهم يفخرون ويتباهون بعملهم هذابدعوى انهم لايدعون عرضهم وناموسهم يقع بايدي الاجانب . وجـا فـي الايتين 58 و 59 من سورة النحل : ( واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسود ا وهو كظيم # يتوارى من القوم من سؤ مابش ر به ايمسكه على هون ام يدس ه في التراب # الا سا مايحكمون ). واي ضلال اوضح من سيطرة انواع الخرافات والاوهام عليهم , او اعتبارهم الملائكة بنات اللّه : ( وجـعـلـوا الـمـلائكـة ال ذين هم عباد الرحمن اناثا ) الزخرف ـ19 , وفي مكان آخر يقول : ( ويجعلون للّه البنات سبحانه ) النحل ـ 57 وآيات اخرى نظيرها. اي ضلال اوضح وابين من ان تسيطر عليهم الحروب وسفك الدما في كل ايام السنة ـ باستثنا الاشهر الحرم ـ , وتوارث الاحقاد القبلية من الابا للابنا واستمرارهالسنوات وسنوات , كما يشير القرآن الى ذلك بقوله : ( واذكروا نعمة اللّه عـليكم اذكنتـم اعـدا فـالف بين قـلوبـكم فـاصبحتـم بنعمته اخـوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها ) آل عمران ـ 103. اي ضلالة اوضح من ان تكون حتى مراسم صلاتهم ودعائهم مضحكة ومقززة ,فحينما تطوف النسا حـول بـيـت اللّه الـحـرام وهـن عاريات تماما ويحتسبن ذلك عبادة , وحينا آخر يقيمون صلاتهم مصحوبة بالتصفيق والصفير : ( وما كان صلاتهم عند البيت الا مكا وتصدية ) الانفال ـ 35. لـقـد كـانت شتى انواع الخرافات والاوهام تخيم على مجتمعهم , وكانت كل قبيلة تسعى الى ابراز نفسها على انها ارفع من القبيلة الاخرى وربما يؤدي الى ظهورالاحقاد والضغائن والحسد , واحيانا سـفـك الدما فيما بين القبائل الى الحد الذي يدعهم ـ من اجل اثبات كثرة قبائلهم ـ الى التوجه صوب القبور لعد قبور موتاهم والتفاخر بالعظام النخرة لاجدادهم وهي تحت التراب . يـقـول القرآن الكريم : (الهكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) التكاثر ـ1 ـ 2 , وما الى ذلك من اوهام ومفاسد وكوارث اخرى من هذا القبيل . ان الانحطاط في تلك البيئة والفقر المعنوي والمادي جعل تلك المنطقة في قائمة اكثر مناطق العالم تخلفا. ينقل احد المؤرخين الغربيين عن بعض المؤرخين المعروفين حول بيئة الحجازفي العصر الجاهلى قـائلا : عندما دخل ( ديمتريوس ) القائد اليوناني الكبير( البترا ) ـ احدى مدن الحجاز القديمة ـ وهو في طريقه لاحتلال المنطقة العربية قال له العرب الساكنون هناك : ( اى ها الملك ديمتريوس الـتـي يـتـمتع بهااهالي المدن والقصبات , لقد اخترنا السكن في هذه الصحرا القاحلة لاننا لا نريد ان نـكـون عبيدا لاحد , ولهذا تقب ل من ا هذه التحف والهدايا التي نقدمها لك واخرج جيوشك من هنا وعد ). وانـتهز ( ديمتريوس ) رسالة الصلح هذه وقبل الهدايا وغض النظر عن هكذاحرب تخلف مشاكل كثيرة ((301)) . و ( الحجاز ) على مدى التاريخ لم تخضع لسيطرة الفاتحين القدامى وحافظعلى استقلاله , والسبب كـمـا يـقـول الـمحل لون : هو عدم استحقاق مثل هذه المنطقة ـالجردا التي تفتقر لكل شي ـ هذه الـجهود والمشاكل , وايضا افتقار منطقة الحجازلحضارات البلدان القديمة مثل ايران وروما والتي تتواجد في الكثير من نقاط شبه الجزيرة العربية . وبـعد ان تعرفنا على حال الجزيرة العربية لاب د لنا من النظر الى حال المرالبسيط الذي عاش في محيطها مهما كانت قوة ارادته وقوة تفكيره ( لاسيما اذا لم يكن قد تلقى اي نوع من التعليم ). هل ان الذي تربى في محيط موبؤ بالجهل والفساد يمكنه ان يكون مؤسسة للعلم والمعرفة والفضائل الاخلاقية ؟. وهل سمعتم البتة بان علما عظما وفلاسفة نوابغ نهضوا من بين اقوام متوحشة او نصف متوحشة ؟. اذا نـبتت ورود جميلة وحشائش طرية في ارض خصبة ومهياة فلا عجب في ذلك بل العجب عندما تنبت وردة جميلة في ارض سبخة . وعـلـى ايـة حـال يمكن ان تكون هذه المسالة بمفردها غير كافية في اثبات احقية الرسول الاكرم (ص ) , ولكنها بدون شك تعتبر واحدة من القرائن التي متى الحقناهابالقرائن الاخرى شكلت برهانا قويا ومبينا. نختم هذا الحديث بقول امير المؤمنين علي (ع ) ـ الذي ادرك العصرين , عصرالاسلام والجاهلية ـ وهـو يـرسـم لـنـا العصر الجاهلي : ( ارسله على حين فترة من الرسل ,وطول هجعة من الامم , واعتزام في الفتن , وانتشار من الامور , وتلظ من الحروب ,والدنيا كاسفة النور , ظاهرة الغرور , عـلـى حـيـن اصـفرار من ورقها , واساس من ثمرها ,واغورار من مائها , قد درست منار الهدى وظـهـرت اعـلام الـردى , فهي متجهمة لاهلها ,عابسة في وجه طالبها , ثمرها الفتنة , وطعامها الجيفة , وشعارها الخوف ودثارهاالسيف ) ((302)) . وفـي مـكـان آخر نقرا له (ع ) : ( ان اللّه بعث محمدا صلى اللّه عليه وآله وسلم نذيراللعالمين , وامـيـنـا على التنزيل , وانتم معشر العرب على شر دين وفي شر دار , منيخون بين حجارة خشن وحـيـات صـم تشربون الكدر , وتاكلون الجشب , وتسفكون دماكم ,وتقطعون ارحامكم , الاصنام فيكم منصوبة , والاثام بكم معصوبة ) ((303)) . وخـلاصـة الـقول هي : ان البحث في القرآن الكريم والروايات الاسلامية ومجموع التواريخ التي كتبت في الشرق والغرب حول العصر الجاهلي , تدلل على انها متفقة جميعا على ان البيئة التي ظهر فـيـها نبي الاسلام (ص ) هي من احط البيئات واكثرهاتاخرا , بيئة لا تنسجم ابدا مع ظهور هكذا دين وتعاليم متطورة في كافة الاصعدة .