وتـعـاظـمـت في هذه الاثنا قدرة الاسلام وتوسع نفوذه فانتشر اول شعاع لشمسه خارج الجزيرة الـعـربية , وقام الرسول بارسال سفرا محملين برسائل الى كسرى (ملك ايران ) , وقيصر (حاكم الروم ) ((35)) . والـنـجاشي ( حاكم الحبشة ) , والمقوقس ( حاكم مصر ) ((36)) والى عدة اخرى من الرؤسا والـحكام ادا لتكليفه الالهي ولدعوتهم الى الاسلام فكان جواب بعضهم مثبتا , وسكت بعضهم الاخر مـاعـدا خـسـرو بـرويـز شاه ايران وهذا دليل على اما : ان التبليغ الاسلامي الصحيح قد وصلهم فـاطلعوا على حقائق الاسلام او احسوا بقدرته ووصلتهم اخباره فكان صلاحهم في عدم المواجهة العسكرية مع المسلمين ((37)) . ولم يبق من مراكز المؤامرات الا خيبر مركز اليهود ((38)) الذي يجب القضاعليه . لذلك فقد صم م الرسول (ص ) في السنة السابعة للهجرة على اخضاعه مع قبيلة يهودية اخرى كانت تقطن ارض فدك . بعد ذلك تجاوز الاسلام كل الموانع والعقبات التي كانت امامه وارتفعت رايته عالية بالنصر المبين . وفي هذه المرحلة وصل الاسلام في الجزيرة العربية الى اوج العظمة والازدهارواستغل الرسول (ص ) فرصة الاستفادة من صلح الحديبية للذهاب الى زيارة بيت اللّه لادا فريضة حج العمرة . وبـعـد ان رجـع الرسول (ص ) من خيبر في شهر ذي الحجة اعلن للمسلمين الذين ذهبوا معه العام الـماضي للعمرة ان يتهيؤا الى السفر في العام الحالي ((39)) فلما سمع اهل مكة بهذا الخبر تركوا بـيـوتهم وفروا لاجئين الى الجبال ( وفقا للصلح الذي اتفقواعليه ) , ودخل المسلمون مكة رافعين رؤوسهم . عند ذلك اعلن الرسول (ص ) بقوله : ((رحم اللّه امرا اراهم اليوم من نفسه قوة ))وبهذا الاسلوب اسـتـطـاع الـمـسـلمون ان يحققوا آمالهم في زيارة بيت اللّه سبحانه وهم يعرضون عظمة وقدرة الاسلام امام اهل مكة ((40)) . وعـنـد حـلول السنة الثامنة من الهجرة وسع الرسول (ص ) دائرة نفوذ الاسلام ,فارسل سرية ( غـالـب بن عبد اللّه الليثي ) الى ( بني الملوح ) , و( علا بن حضرمي ) , الى (البحرين ) , وحسب احد الاقوال ارسل سرية ( شجاع بن وهب )الى ( بني عامر ) , وسرية ( عمرو بن كعب الغفاري ) , الى ( ذات الاطلاع ) , في احدنواحي الشام . وفي هذه السنة بعث الرسول (ص ) ( عمرو بن العاص ) الى ( بلي وعذرة )ليدعوهم الى الاسلام , فوقعت غزوة ( ذات السلاسل ) ((41)) . وفي السنة نفسها ارسل ( عمرو بن العاص ) نحو ( جيفر وعياز ) ابنا جلندي في عمان ليدعوهم الى الايمان , وياخذ ( الجزية ) من المجوس . كما ارسل جيشا بقيادة ( ابي عبيدة الجراح ) فحدثت غزوة ( الخبط ) التي وافقت السنة الهجرية نـفـسـهـا وارسـل ايضا سرايا ( ابي قتادة ) للوقوف بوجه من جهزجيشا لمحاربة الرسول (ص ) وحدثت ايضا غزوة ( مؤتة ) ((42)) في ارض مؤتة وهي احدى القرى في الشام . وكـان عـدد الـمـسلمين المشتركين في هذه الغزوة ثلاثة آلاف مقاتل , وقداستشهد فيها عدد من قـادتـهم فكان ذلك سببا لشعور المسلمين بالضعف الذي يعدنصرا للاعدا , غير ان سرعان ما تهيات اسـبـاب فتح مكة حيث ان قبيلة ( خزاعة )كانت حليفة للرسول (ص ) وقبيلة ( بني بكر ) حليفة لـقريش فبغت قبيلة ( بني بكر )على ( خزاعة ) وساندتها قريش مما اتاح للرسول (ص ) التدخل لـنـصـرة ( خـزاعـة )فـامـر (ص ) بتجهيز جيش لغزو مكة وتمكن بعشرة آلاف من المسلمين وبخطة عسكرية حكيمة من السيطرة على مكة وفتحها بدون قتال . وبلغ المسلمون آمالهم في الدخول الى بيت اللّه الامن مطهرا من دنس الجاهلية والاوثان . وعـندما راى ( ابو سفيان ) كثرة المسلمين وقدرتهم انبهر بعظمة الاسلام فصرح الى ( العباس ) بقوله : (( لقد اصبح ملك ابن اخيك عظيما )) فاجابه العباس : (( ويحك انهاالنبوة )) ((43)) . وصـل الـرسول (ص ) الى الكعبة ووقف في بابها بعمامته السودا مناديا بالشعارالمعروف لنبذ آداب واعراف الجاهلية بقوله (ص ) : ((لا اله الا اللّه وحده صدق وعده ونصر عبده , وهزم الاحزاب وحـده )) , ثـم اضاف (ص ) : ((الا كل دم في ـ الجاهلية ـ اوماثرة او مال يدعى فهو تحت قدمي هـاتـين الا سدانة البيت وسقاية الحاج )) , ثم قال : ((يامعشر قريش ما ترون اني فاعل بكم )) ؟ قالوا : ((خيرا اخ كريم وابن اخ كريم )) , قال :((اذهبوا فانتم الطلقا)) ((44)) . ثـم ارسـل الـرسـول (ص ) مـجـموعة من الجيش لاطفا الفتنة التي حدثت بين القبائل في اطراف مـكة ((45)) وللوقوف بوجه هوازن التي كانت مصر ة على قتال المسلمين واصطدم المسلمون في ( حـنـين ) وردوا بغيهم الى نحورهم ((46)) وبعدهاحاصروا الطائف واجبروهم على التسليم ((47)) . عـنـدما حلت السنة التاسعة للهجرة تنفس المسلمون الصعدا بتدمير كل مراكزالمؤامرات التي كان يـحـوكـها المشركون واليهود والنصارى , وبرزت قوة جديدة الى الوجود , فاسلمت بعض القبائل المحيطة على يديها وخضع لها بعضها الاخر. وفـي خـضـم هـذه الحوادث جا خبر مفاده ان ( هرقل ) امبراطور الروم وعددا من العرب الذين اعـتـنـقـوا النصرانية يريدون الهجوم على بلاد الاسلام , فاعلن الرسول (ص ) ان يعد المسلمون انفسهم للحرب مع الروم . ونـقـل اربـاب التاريخ ان الرسول اعلن عن مكان الحرب ولم يتكتم عليه خلافالعادته في الحروب السابقة ربما لبعد الطريق وامثال ذلك ولكن يبدو ان هدفه كان بث الرعب في قلوب الاعدا وقد جهز جـيـش بـصعوبة بالغة وبمعدات قليلة وسمي بـ ( جيش العسرة ) واتجهوا الى ( تبوك ) ((48)) وعـنـد وصـولـهـم الـيـها ومرورهم بـ ( ميناايله ) فوافق حاكمها على اعطا الجزية وتعاهد مع الـمـسلمين على الصلح ((49)) ثم ارسل خالد بن الوليد الى حاكم ( دومة الجندل ) فقبل الجزية ايضا ((50)) . وظـل رسـول اللّه (ص ) فـي تـبوك خمسة عشر يوما تقريبا ولكن جيش الروم تخلف عن المجي فرجع الرسول (ص ) الى مكة ((51)) . وفـي هذه السنة جات مجموعة من ثقيف واعلنت اسلامها بين يدي الرسول (ص ) ((52)) , وامر الامـام عليا (ع ) بتطهير قبيلة ( طي ) من دنس الاوثان فحاربهم وانتصر عليهم واس ر بنت حاتم الطائي وعلى اثر ذلك دخل الاسلام ( عدي بن حاتم و) ((53)) . ان فتح مكة ودخول بني ثقيف الاسلام والفراغ من تبوك كانت مؤشرات على عظمة الاسلام وصدق هـذا الـديـن فـتـوافـد كثير من القبائل على الرسول (ص ) واطلعواتدريجيا على معارف الاسلام وعظمته فاعتنق بعضهم الاسلام وبعض عقد صلحاوترك الحرب مع الرسول فسمي ذلك العام ( بعام الوفود ) ((54)) , فجا وفد ( بني اسد ) الى الرسول (ص ) قائلين : (( اتيناك قبل ان ترسل الينا رسولا )) ووفد ( بلى ) ,ووفد ( زاريين ) , ووفد ( بني تميم ) ((55)) . وصـلـت رسـائل كـثـيـرة مـن ملوك وسلاطين ( حمير ) تدل على قبول قدرة وحكومة الاسلام ((56)) . وكـذلـك جـا وفـد ( بهرا ) ووفد ( بني البكا ) ووفد ( بني فزارة ) , ووفد ( ثعلبة بن منقذ ) , ووفد ( سعد بن بكر ) ((57)) . ونزلت سورة البراة وقراها الامام علي (ع ) معلنا البراة من الشرك وعبادة الاوثان ومنع المشركين من الدخول الى مكة للحج . (( فـاقـام الـنـاس الحج وحجت العرب الكف ار على عادتهم في الجاهلية وعلي [(ع )]يؤذن ببراة فنادى يوم الاضحى : لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول اللّه عهد فاجله الى مدته )) ((58)) . وحل العام العاشر للهجرة وصوت الاسلام يدوي في كل مكان , فجانصارى ( نجران ) الى المباهلة ,ثـم قـبـلوا الصلح بدونها : (( وصالحوه على الفي حل ة ثمن كـل حل ة اربعون درهمـا وعلـى ان يضى فوا رسـل رسـول اللّه [(ص )] وجعـل لهـم ذمة اللّه تعالـى وعهـده الا يفتنوا عـن دينهم ولا يعشـروا وشـرط عليهـم ان لا ياكلواالربا ولا يتعاملوا به )) ((59)) . وانحدرت الوفود تلو الوفود الى المدينة لتعلن وفاها للاسلام والرسول (ص ) ,فجا وفد ( سلامان ) , ووفد ( غبشان ) , ووفد ( عامر ) , ووفد ( ازد ) , ووفد( مراد ) , ووفد ( زبيد ) , مع ( عـمرو بن معدي كرب ) , ووفد ( عبد قيس ) , ووفد( بني حنيف ) , ووفد ( كندة ) , ووفد ( محارب ) , ووفد ( رهاويين ) , ووفد( عبس ) , ووفد ( صدف ) , ووفد ( خولان ) , ووفد ( بني عامر ) , ووفد ( طي ) ((60)) . وتـتـجـلى قوة الاسلام في حجة الوداع فبنا على ماذكر في بعض الروايات بان مجموع المسلمين الذين ذهبوا لزيارة بيت اللّه الحرام وحضروا ( حجة الوداع ) كان اكثر من مائة الف شخص ويعد هـذا الاجـتـماع من اكبر الاجتماعات الدينية في ذلك العصر , كما تعكس ذلك ايضا خطب الرسول الاكـرم (ص ) فـي سـفـره سوا كانت في مكة , ام في عرفات , ام في منى ام في غدير خم , لتعيين الـخـلـيـفـة والوصي من بعده وقد جا في التاريخ مايلي : (( فارآهم مناسكهم وعلمهم سنن حجهم وخـطـب خـطتبه التي بى ن فيها للناس ما بى ن وكان الذي يبلغ عنه بعرفة ( ربيعة بن امية بن خلف )لكثرة الناس , فقال بعد حمد اللّه : (( اى ها الناس اسمعوا قولي فلعلي لا القاكم بعدعامي هذا بهذا الـموقف ابدا اى ها الناس ان دماكم واموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا وكل ربا موضوع لكم رؤوس اموالكم وان ربا عباس بن عبد المطلب موضـوع كل ه وكـل دم كـان فـي الجاهلية موضـوع اى ها الن اس ان الشيطـان قـديئس ان يعبـد بارضكـم هـذه ابدا ولكنه يطاع فيمـا سوى ذلك وقـد رضي بماتحقـرون من اعمالكم )) ((61)) . جا في تاريخ حجة الوداع : انه اثنا ذهاب الرسول الاكرم (ص ) الى الحج كان قد اجتمع خلق كثير فـي الـمدينة على الرغم من انتشار احد الامراض الذي منع حج كثير منهم : (( ومع ذلك كانت معه جـمـوع لا يـعلمها الا اللّه , وقد قيل انه خرج معه تسعون الفا , ويقال : مائة الف واربعة عشر الفا وقـيل : مائة الف وعشرون الفا , وقيل : مائة الف واربعة وعشرون الفا , ويقال اكثر من ذلك وهذه عـدة من خرج معه واما الذين حجوا معه فاكثر من ذلك كالمقيمين بمكة والذي اتوا من اليمن مع علي [(ع )] وابي موسى )) ((62)) . ويمكن تقدير عدد المسلمين الذين لم يستطيعوا الحج لتبين مقدار ما وصلت اليه شوكة الاسلام . واخـيـرا جـهـز الـرسول الاكرم (ص ) قبل وفاته جيشا بقيادة ( اسامة ) لحرب ديارالشامات ( بصرى ) فتخلف بعضهم عن امر رسول اللّه (ص ).