2. ان الـخـصـائص الاخلاقية هي احدى افضل الطرق في معرفة الدعاة الصادقين من الكاذبين , فهذه الـخـصـائص يـمـكن اعتمادها كقرائن وادلة واضحة لنفي او اثبات احقية الداعي وكلما شوهدت مـظـاهـر الطهارة والتقوى , والعظمة والتسامح والرافة والمحبة , والزهد والتقشف , والشجاعة والـشـهـامـة والـماضي الاجتماعي الحسن في المد عي , فمن الصعوبة بمكان ان لانعتبره صادقا , وبـالـعـكـس فـاذا كـان محبا للدنيا ,ومنكبا على المادة , ومتعلقا بالمال , والمقام , والجاه , والقدرة الـمـصـحـوبة بالتهوروالكذب , والحقد وحب الانتقام , وما شابه ذلك من رذائل خلقية , فلا يمكن اعتبارمدعي النبوة هذا بانه صادق مطلقا. ولـحـسـن الحظ فان سوابق النبي الاكرم (ص ) قبل نبوته هي سوابق ساطعة ومضيئة حيث قضى اربعين عاما بين ظهرانيهم والتاريخ الذي كتبته ايادي الاصدقاوالاعدا يعطى صورة ناطقة ومعبرة عن ذلك . ففي كل التواريخ اعتبرت نزاهة النبي (ص ) وامانته بانها مسالة متفق عليها من قبل الجميع , وان لقب ( الامين ) سمعوه يطلق عليه . والـمـلـفـت للنظر هو ان الناس ـ بالرغم من مخالفتهم له ـ بعد بداية دعوته للاسلام بقوا يودعون امـانـاتـهـم عنده , ولذا امر (ص ) عليا (ع ) اثنا الهجرة الى المدينة المنورة ـ اي بعد مرور ثلاثة عشر عاما من البعثة ـ بان يبقى في مكة ليؤدي عنه الامانات الى اهلها , ثم يهاجر الى المدينة . ان حسن خلق النبي (ص ) وحسن تجاوزه وسخائه وكرمه , وخلاصة الصفات التي تليق بقائد الهي عـظيم يمكن مشاهدتها به (ص ) بوضوح خلال الوقائع المختلفة في حياته , وخاصة اثنا فتح مكة , ومـعركة احد , وكذلك في تعامله مع اسرى الحرب , والرقيق , وطبقات المجتمع المحرومة , الى الحد الذي اعتبروا فيه هذه المسالة بانها نقطة ضعف عنده , وان دينه هو دين العبيد والمحرومين , وابـتـعـد عنه الاغنيا والاثريا , وعرضوا عليه طرد الحفاة والمستضعفين وابعادهم مقابل تاييدهم وتقربهم منه (ص ) , وقد جا هذا المعنى باشارة واضحة في الاية 28 من سورة الكهف :. ( واصبر نفسك مع ال ذين يدعون رب هم بالغداوة والعشي يريدون وجهه ولاتعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا # ولاتطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا وات بع هويه وكان امره فرطا ). وهـو الـذي صـفح عن ( ابو سفيان ) الد اعدائه والمؤجج الخطير لنيران الحروب ضد الاسلام , وجـعـل مـن بيته اثنا فتح مكة ملجا ومامنا لاهل مكة , واعلن العفوالعام عن المكى ين الذين ارتكبوا جـرائم كـثيرة ضده وضد اتباعه , وهذا الخلق الحسن والتجاوز الحسنين والكرم صار السبب في جعلهم يلتفون حوله . وفـي ( معركة احد ) ايضا عندما فر ـ جماعة من حديثي الدخول في الاسلام ـ من ارض المعركة وتـركوه وحيدا بين الاعدا متحملا ضربات شديدة منهم عاد واعلن العفو العام , وصفح عن الجميع الى درجة استوجبت نزول الاية المباركة : ( فبمارحمـة مـن اللّه لنت لهم ولـو كنت فض ا غليظ القلب لانفضـوا مـن حولك #فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر ) آل عمران ـ 159. فـقـد بـيـنـت هذه الاية لين قلب وباطن النبي (ص ) وصفا باطنه وكذلك اللهجته الرقيقة والمليئة بالعاطفة التي لم تامره بالعفو عن اخطائهم وحسب وانما امرته ايضابطلب المغفرة لهم من اللّه تعالى , وان يحترم شخصياتهم ويشاورهم . لـقد كان (ص ) شفيقا بالمؤمنين وغير المؤمنين بالقدر الذي يجعله يتالم بشدة من عدم ايمان البعض , والى حد يوشك فيه على الهلاك اسفا عليهم . ونـقـرا فـي الايـة ـ 6 من سورة الكهف ما يتض من معنى التسلية للنبي (ص ) بقوله :( فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث ر اسفا ). وشـبـيـه هـذا الـمـعنى جا في الاية ـ 3من سورة الشعرا : (لعلك باخع نفسك الا يكونوا مؤمنين ) ((304)) . وحقااذا لم يتصف القائد بهذه الصفات فلا يستطيع ان يجس د المعنى الحقيقي والواقعي للقيادة , وقد جا في الاية ـ 128 من التوبة : ( لقد جاكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنت م # حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ). ومن المسلم به ان البحث حول الملكات الخلقية للرسول الاكرم (ص )وخصائصه الاخلاقية اوسع واشـمـل مـن ان يـضمها حديث قصير , وان غايتنا فقط هي الاشارة العابرة لهذه المسالة باعتبارها احدى القرائن .