مـن الـمـعلوم لدينا ان مسلمي العالم يعتقدون من خلال ما استلهموه من القران والاحاديث الاسلامية الـمعتبرة ان نبي الاسلام هو خاتم الانبيا , وان الدين الاسلامي هو الدين الخالد , ومع التسليم بهذا الاعـتـقاد يبرز هذا السؤال وهو : كيف يمكن الحفاظ على بقا الاحكام والمقررات الثابتة والخالدة مـع حـدوث التغييرات المستمرة للحياة الاجتماعية للجنس البشري , وكيف يتم حصول المتطلبات المتغيرة مع وجود قوانين ثابتة . ان الـقوانين القرآنية عالجت هذه المشكلة وذلك من خلال تصنيف القرآن لهذه القوانين الى صنفين : الصنف الاول منها هي القوانين الكلية التي اصلهاثابت ومصداقها وموضوعها الخارجي في تغير وتبدل مـع مـرور الـزمـان ,والـصـنف الثاني منها هي القوانين الخاصة والجزئية بالاصطلاح وهي غير قابلة للتغيير. وتـوضـيـح ذلـك : يـؤخذ من خلال ما خاطب به القرآن المؤمنين بقوله :(ياايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود) ((272)) . هـذه هـي احدى الاصول الكلية السائدة في على مر القرون الازمنة , وان كان موضوعها ومصداقها فـي حـالـة تـغير وتبدل , فمثلا ظهرت مع مرور الزمن سلسلة من الارتباطات الحقوقية الجديدة والاتـفـاقيات المستحدثة بين اوساطالناس لم يسبق لها وجود في عصر نزول القرآن , فعلى سبيل المثال لم يكن يبدو للعيان شي اسمه ((التامين )) , او انواع الشركات المختلفة في ذلك الزمن ,والتي تحققت في عصرنا هذا حسب حصول المتطلبات اليومية , بيد ان القانون الكلي الانف الذكر قد شمل كـل هذه الامور , فاي شكل من اشكال الاتفاقية والمعاملة الجديدة والعقود والمواثيق الدولية , التي تـظـهـر عـلـى مـسـرح الـوجودحسب المتطلبات الى نهاية العالم وتكون منسجمة مع الاتفاقيات الاسـلامـيـة يقع ضمن هذا الشمول , ونجد قسطا وافرا من هذه القوانين في الاسلام بصورة عامة والقرآن بصورة خاصة . نطالع في سورة الحج آية 78 قوله عز من قائل : (وما جعل عليكم في الدين من حرج ). بـنـا عـلـى ذلـك اذا تـعذ ر ادا احدى التكاليف الاسلامية في ظروف خاصة فانها تخرج من دائرة الـوجـوب والالـزام تـلقائيا , فيتبدل الوضؤ في ظروف قاسية الى التيمم , والصلاة من وقوف الى الـصـلاة مـن جلوس , والصلاة من جلوس الى الصلاة من الاضطجاع , ويتبدل صوم الادا الى صوم القضا , ويرتفع الحج في مثل هذه الظروف . وردت اشـارات الـى ((قـاعـدة لاضـرر)) فـي مـوارد خاصة من آيات قرآنية متعددة تدل على مـحـظورية الامور التي تلحق الضرر والاذى بشكل او بخر ,ولذلك تحدد وتضيق دائرة الاحكام والمقررات التي بينت على شكل حكم عام حينما تصل الى موارد الضرر والحرج . يقول القرآن في مورد النسا المطلقات : (ولا تضار وهن ) ((طلاق ـ 6)) ويقول في موضع آخر : (ولا تمسكوهن ضرارا) ((ة ـ 231)) ويقول في مورد الوصية :(من بعد وصى ة يوصى بها او دين غير مضار) ((سا ـ 12)) . ويقول في مورد الشهود وكتاب السندات : (ولا يضار كاتب ولا شهيد) ((ة ـ 282)) . ان هـذه الـقاعدة المطروحة بشكل اكثر تفصيلا في الروايات الاسلامية تعتبرمن القواعد المهمة الـتـي تـقـوم بـتـطبيق الاحكام الاسلامية (من خلال التغيرات الطارئة على الموضوعات ) , على الاحـتـياجات والضروريات الواقعية لكل زمان , وقد تم شرح ذلك في كتب ((القواعد الفقهية )) , وعـلى اي حال فان من الشواهد الاخرى لهذا المدعى هي : ((قاعدة العدل والانصاف )) , وقاعدة : ((عدم تكليف مالا يطاق )) , وقاعدة : ((المقابلة بالمثل )) , في المسائل المتعلقة بالجنايات والقصاص والاضـرار الـمـالـية , وكلها لها جذور قرآنية , خلاصة الكلام :انطلاقا من ((خاتمية نبوة نبي الاسـلام (ص ) وفـقـا للاية 40 من سورة الاحزاب ))واستمرارية القرآن الكريم , فان القوانين الـقـرآنية طرحت من الدقة بمكان بحيث لم تسنح لظروف الزمان وتحولات الظروف والمتطلبات البشرية ان يعف عليهاالتراب ويغطيها غبار الزمن الغابر. وفـي الـوقت التي كانت تسد الاحتياجات القانونية لعصر النبي (ص ) الذي هو عصر نزول القرآن كانت ناظرة ايضا الى الازمنة والقرون الاتية , ومن الامثلة الرائعة والجلية هو مانلاحظه في الاية الـمـتـضمنة لمفهوم (اعداد القوى ) وتعبئتهاحفاظا على بيضة الاسلام والمسلمين : (واعد وا لهم مااستطعتم من قو ة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو اللّه وعدو كم ) ((ال ـ 60)) . فـمـن جهة يضع بصماته على المستلزمات الضرورية لذلك العصر ويتحدث عن الخيول المجربة , ولـكن من جهة اخرى ينوه على اصل عام يتوافق مع ذلك العصر , ومع كل عصر حتى قيام الساعة , وهـذا الاصـل هـو تـهـيئة شتى انواع القوى والقدرات التي تشمل كافة الوسائل القديمة والحالية والمستقبلية . واروع مـاقـاله في هذه الاية هو هذا المعنى : ان الغاية من كل هذه الامور هوالقا الرعب في قلوب الاعدا ليقف ذلك حاجزا دون وقوع الاعتدا والحرب ,لا ان يؤدي ذلك الى مزيد من اراقة الدما.