6. الوعد بالنصر قد جاكم من قبل ثم تحقق هذا الوعد بعد ذلك في الاية السادسة وهي ـ الاية 85 من سـورة القصص ـ وعد اللّه تعالى نبيه بالعودة الى الحرم الالهي الامن , وقد جا هذا الوعد في احلك ايام حياة النبي الاكرم , اي في الوقت الذي اراد ان يكسر طوق حصار الاعدا الحاقدين ويخرج من ضيق خناقهم ويهاجر من مكة الى المدينة . وقد قام بهذا العمل واتجه صوب المدينة ولما وصل الى منطقة الجحفة التي لاتبعد عن مكة الا قليلا تـذكـر مـوطـنـه الحرم الالهي الامن , وبدت على ملامح وجهه آثار هذا الشوق الممتزج بالحزن والاسـى , وفـي هذا الاثنا نزلت الاية الانفة الذكر ,وابلغ على هذا النحو : (ان الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد). ان الـتـنـبـؤ بـعـودة النبي الى مكة بصورة صريحة وقاطعة غير وارد في تلك الظروف الحرجة والعصيبة عادة خصوصا مع اقرانها بنزول القرآن وبان اللّه المنزل للقرآن سيقوم بهذا العمل قطعا , لـكـنـنـا نـعلم ان هذا الوعد الالهي تحقق في النهاية ,وعاد النبي مع جيشه القوي المقتدر الى مكة مـنتصرابعد عدة سنين , واخضع الحرم الالهي الامن تحت راية الاسلام بدون اي قتل وقتال , وهذه هـي احـدى الـنـبـؤات الاعجازية للقرآن التي اخبر فيها عن المستقبل بصورة صريحة وقاطعة , وبـدون اي قـيـد او شـرط , هـذا فـي الـوقـت الـذي لم تظهر فيها القرائن والعلائم على تحقق النصراطلاقا. يـقـول المرحوم الطبرسي في مجمع البيان : في الاية دلالة على صحة النبوة لانه اخبر به من غير شرط ولا استثنا وجا المخبر مطابقا للخبر ((278)) . ويـقـول الفخر الرازي في تفسيره ايضا : قال اهل التحقيق : وهذا احد مايدل على نبوته (ص ) لانه اخبر عن الغيب ووقع كما اخبر ((279)) . واحـتمل البعض في هذا المقام ان المراد من ((المعاد)) هو معاد يوم القيامة ,وهذا الاحتمال ضعيف كـما نقل المحققون القول عن المفسرين , لان المعادلايختص بنبي الاسلام حتى يوجه الخطاب اليه فقط , بالاضافة الى ان كلمة ((لرادك ))لاتتناسب نوعا ما مع معاد يوم القيامة , لان العودة الى مكان ما هي فرع الخروج منه . كـما ان الاستناد الى نزول القرآن في جملة : ((ان الذي فرض عليك القرآن )) التي وردت قبله , وكذلك جملة : ((قل ربي اعلم من جا بالهدى ومن هو في ظلال مبين )) التي وردت بعده , كلاهما قرينة على ان الحديث يدور حول حقانية نبي الاسلام والقرآن , لا حول مسالة المعاد في يوم القيامة , فضلا عن ان هذا التفسير لايلتئم مع شان نزول الاية ايضا. بـالاضـافة الى لفظة ((المعاد)) على مانقله المرحوم الطبرسي عن القتيبي هو بلدالانسان ووطنه (معاد الرجل بلده ) , لانه اينما يذهب يعد من حيث ذهب . وتـجـدر الاشـارة الـى ان كـلمة ((المعاد)) وردت مرة واحدة في القرآن الكريم وذلك في هذا الموضع الذي هو بمعنى مسقط الراس والموطن .