القرآن واسلوب تحديده لهوية الانسان
نـقرا في الاية (3) و (4) من سورة القيامة قوله عز من قائل : (ايحسب الانسان الن نجمع عظامه بلى قادرين على ان نسوي بنانه ).
جا في الروايات , ان احد مشركي العرب ويدعى (عدي بن ربيعة ) وكان رجلامعاندا ومتعصبا جدا , اتـى الى النبي (ص ) وساله عن يوم القيامة وكيفية وزمان تحققه , وقال : انني لا اصدقك ولا اومن بـك وان رايت ذلك اليوم بام عيني , كيف يمكن التصديق بان اللّه تعالى يجمع هذه العظام النخرة , هذا ممالا يقبل التصديق فنزلت الاية ((226)) .
(بـنـان ) في اللغة بمعنى الاصابع , وقد ورد احيانا (بمعنى رؤوس الاصابع ) ,وهو ماخوذ من مادة (بن ) بمعنى الاقامة .
وبـنـا عـلـى كـون الاصـابـع , اداة لاصـلاح احـوال اقـامـة الانسان في العالم , اطلق عليه هذا الاسم ((227)) .
ان للاصابع دورا مهما جدا في حياة الانسان , وتعد من عجائب الخلقة , وان غفلنا عن اسرارها لانها تـحـت تصرفنا دائما , ولو قطعت اصابع يد احد ما , فانه سوف لا يستطيع ان ينجز عملا دقيقا باي شـكـل مـن الاشـكـال , وستستحيل عليه الكتابة , وتصفح اوراق الكتاب , وتناول الطعام بسهولة , والاتصال بالهاتف , وفتح الابواب بالمفاتيح وانواع الصناعات الدقيقة وتستحيل عليه بقية الصناعات الاخـرى كانواع الاعمال المتعلقة بالسيارات , وحتى اخذ الاشيا الثقيلة باليد ايضا بل ويمكن لنقص احـد الاصـابـع ان يوجه ضربة عنيفة لكثير من الاعمال اليومية التي يقوم بها الانسان ولهذا السبب تنجز الحيوانات ذوات الاربع كثيرا من اعمالها بفمهااو راسها.
ويـمـكـن الـقـول بـعـبارة اخرى : ان وجود الاصابع لدى الانسان يعتبر من العوامل المهمة للتقدم الـحـضـاري لـه , والـتعبير بـ ((البنان )) الماخوذ من مادة الاقامة والدوام ,اشارة لطيفة الى هذه الحقيقة نفسها , وذلك لصعوبة وجوده في العالم بدونها.
تـقـول الايـة الانفة الذكر ان بامكاننا ان نعيد العظام الصغيرة الدقيقة في يوم القيامة ايضا فضلا عن العظام الكبيرة .
واحـتـمـل جماعة من المفسرين ايضا ان المقصود من تسوية البنان هو وصالها مع بعضها واخراجها بصورة حافر حيوان من ذوات الاربع وليس لهذا التفسير تناسب مع آيات السورة .
من الامور التي يمكن استفادتها من هذه الاية هو هذا الاكتشاف المهم , فقداصبح من الثابت ان معرفة هوية احد ما يتم بوسيلة رؤوس اصابعه وهي اوثق وادق من كل امضا ولايستطيع احد تزويره , في حـيـن ان الـتـزويـر قـادر على التسرب الى اعقد الامضاات , ولهذا السبب اصبحت مسالة ((اخذ الـبـصمات )) من الحقائق العلمية في عصرنا الحاضر واستحدثت لاجلها دائرة خاصة في المراكز الامـنـيـة , مـن خـلالـهـا يكشف النقاب عن كثير من المجرمين , فيكفي ان يضع احد السراق يده على مقبض الباب , او زجاج الغرفة , او على القفل والصندوق والكرسي عند دخوله لاحد الغرف او الـمـنازل ومن ثم يبقى اثرها على تلك الاشيا , او يتم العثور على سلاح في قضية قتل عليه بصمات احـد الاشخاص , يكفي لاخذ نماذج فورية لهاويطابقونها على بصمات الاشخاص المشكوك بهم في تـلـك الـحادثة , ـ اضافة لمالديهم من معلومات عن المجرمين والسراق ـ ومن ثم يلقون القبض على الجاني .
اذا تقول الاية بنا على هذا التفسير : اننا لسنا قادرين على ان نجمع العظام الكبيرة والصغيرة فحسب , بـل ان في مقدورنا ايضا ان نعيد الاصابع وبصماتهابجميع مزاياها , التي هي من ادق ما في البدن من خصوصيات الى حالتهاالاولى .
وبـعـبـارة اخـرى ان مفهوم تسوية البنان (ومعناها التنظيم والترتيب ) , شامل لجميع الخصوصيات والجزئيات , من جملتها بصمات الاصابع .
ومـن الـجـدير بالذكر هو ما نجده من توافق بين هذا المعنى وبين مسالة القيامة ,المحكمة الكبرى للعدل الالهي , التي يجب التحقيق فيها مع المجرمين والمذنبين ,ذلك ان هذه المسالة يستفاد منها ايضا في محاكم الدنيا , قبل اي مكان آخر.