القرآن والغلاف الجوي للارض ايضا
نقرا في الاية (125) من سورة الانعام قوله تعالى : (فمن يرد اللّه ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضى قا حرجا كان ما يصع د في الس ما كذلك يجعل اللّه الر جس على ال ذين لا يؤمنون ).
ماهي العلاقة القائمة بين الصعود الى السما وضيق الصدر ؟.
وهو سؤال لم يجد له المفسرون الاوائل جوابا دقيقا.
قال كثير منهم : ان المقصود من ذلك هو كما ان الصعود الى السما امر عسير اومحال كذلك تحصيل الايمان بالنسبة الى الكفار المعاندين والجهلا المتعصبين ((217)) .
في حين ان الاعمال الشاقة والمستحيلة كثيرة على وجه الارض فليس هناك مبرر للتشبيه , اضافة الى ان هذا التفسير بحاجة الى تقدير : وهو ان الايمان يشابه الصعود الى السما , في حين ان القرآن يقول : (يجعل صدره ضى قا حرجا كان مايصع د في ال سما ).
وقـالـوا في بعض المواضع : شبه اللّه الكافر في نفوره من الايمان وثقله عليه بمنزلة من تكلف مالا يطيقه , كما ان صعود السما لايطاق ((218)) , ولا يخفى عدم تناسب هذا التفسير مع محتوى الاية ايضا.
ام ا بـالـنـظـر الى الاكتشافات الاخيرة فان للاية المتقدمة تفسيرا آخر يناسب هذاالمعنى من كل الجهات وهو :.
لقد ثبت اليوم ان الهوا المحيط باطراف الكرة الارضية مضغوط بصورة كاملة في الاماكن المجاورة لسطح الارض ويلائم تنفس الانسان ويناسبه , لانه يحتوي على الاوكسجين الكافي , وكلما ابتعدنا عن سطح الارض اصبح الهوا اقل كثافة فيغدو التنفس شاقا جدا على ارتفاع عشرة كيلو مترات عن سـطح الارض بدون استخدام الانسان نقاب الاوكسجين , ويصاب بحالة من الضيق الحاد في التنفس ,وكـلـمـا ارتفع الى الاعلى اكثر , ازدادت حد ة الضيق في تنفسه حتى يصل الى الوقت الذي يغمى عليه لقلة الاوكسجين .
اذا توجد هناك علاقة وثيقة بين ضيق التنفس والصعود الى السما , ولم تتبلورهذه الحقيقة في ذهن اي شخص في ذلك العصر ((219)) بيد انها قد تبلورت في اذهان الجميع في يومنا هذا , فقد سبق لـنـا ان سـمعنا هذا الحديث من مضيفي الطائرة عدة مرات اثنا سفرنا بها , بان الهوا الموجود داخلها يـنـظـم بجهاز خاص , فاذا حدث خلل فيه , فحينئذ ينبغي الاستفادة من نقاب الاوكسجين , لتستغل الطائرة سرعتهاوتصل الى الطبقات السفلى للجو الاكثر ضغطا.
كما ان العلاقة بين هذا المعنى وبين تفسير الاية واضحة جلية .
وهي في الواقع تشبيه المعقول بالمحسوس , فقد شب ه الجمود الفكري والتعصب واللجاجة وقصر نـظـر الـضالين المعاندين في اعتناقهم للاسلام , بضيق التنفس الناجم عن قلة حصول الاوكسجين بالنسبة للشخص الذي يصعد الى السما.
وننهي هذا البحث بمقولة للمراغي في تفسيره هذه الاية , اذ يقول (سبحانك ربي نطق كتابك الكريم بـقضية لم يتفهم سرها البشر , ولم يفقه معرفة كنهها الا بعد ان مضى على نزولها نحو اربعة عشر قـرنـا , وتقدم فن الطيران , الان علم الطيارون بالتجربة صدق ماجا في كتابك , ودل على صحة ما ثـبت في علم الطبيعة من اختلاف الضغط الجوي في مختلف طبقات الهوا , وقد علم الان ان الطبقات العليااقل كثافة من الطبقات التي هي اسفل منها , وانه كلما صعد الانسان الى طبقة اعلى شعر بالحاجة الى الهوا وبضيق في التنفس نتيجة لقلة الهوا الذي يحتاج اليه , حتى لقد يحتاجون احيانا الى استعمال جـهـاز الـتـنـفس ليساعدهم على السير في تلك الطبقات , وهذه الايات وامثالها لم يستطع العلما ان يفسروها تفسيرا جليا لانهم لم يهتدوا لسرها , وجا الكشف الحديث وتقدم العلوم فامكن شرح مغزاها وبـيان المراد منها بحسب ما اثبته العلم , ومن هذا صح قولهم , ((الدين والعلم صنوان لاعدوان )) , وهـكـذا كـلـمـا تقدم العلم ارشد الى ايضاح قضايا خفي امرها على المتقدمين من العلما والمفسرين ) ((220)) .