1. الاعجاز القرآني في الفصاحة والبلاغة - نفحات القرآن جلد 8

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نفحات القرآن - جلد 8

ناصر مکارم شیرازی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

1. الاعجاز القرآني في الفصاحة والبلاغة

يـقـول علما المعاني في تعريف البلاغة والفصاحة : ان الفصاحة تستعمل تارة لوصف الكلمة , وتارة اخـرى لوصف الكلام وهي : عبارة عن خلو الكلام من الحروف والكلمات الثقيلة غير المحببة ذات الايـقـاع الـردي غـيـر الـمتجانس من العبارات الركيكة والضعيفة والمنفرة والوحشية والمعقدة والمبهمة .

وامـا الـبـلاغة فهي عبارة عن تناسب الكلام مع مقتضى الحال والانسجام التام مع الغاية المتوخاة من الكلام .

وبـعبارة اخرى : الفصاحة ناظرة الى كيفية الالفاظ والبلاغة ناظرة الى كيفية المعنى والمحتوى , او بـعـبارة ثانية : الفصاحة تقتصر على الجوانب الشكلية والظاهرية للكلام والبلاغة تقتصر على الجوانب المعنوية والجوهرية .

ومـمـا لاشك فيه ان هذين الامرين ينطويان على جانب ذوقي واستحساني فضلاعن الجانب العلمي والـقـانـوني , ولكن هذا الجانب الفني والذوقي نفسه يتفتح ويكتمل ويتسق في ظل التعليم والتربية والاعـتماد على القواعد التي تستقى غالبا من كلمات الفصحا والبلغا نظير الحس الشعري او القابلية على الخط اللذين يتكاملان بالتعليم والممارسة والاستعانة بالمعلم .

وعـلـى كـل حال يعتقد بعضهم ان اعجاز القرآن والدعوة الى التحدي التي وردت في آيات مختلفة مستندة الى هذا المعنى نفسه , ويمكن الاستدلال على ذلك بالامور التالية :.

1 ـ اشـتـهر العرب في عصرهم وزمانهم بالتفنن في مجال الفصاحة والبلاغة فحسب , بحيث بلغت اشـعـار الـجـاهلية اوج فصاحتها , وكان احد اهم برامجهم هوقراة اجمل قصائد تلك السنة خلال التجمع الاقتصادي الذي يعقد في (سوق عكاظ) بالقرب من الطائف في كل عام .

وعـنـدما يقع اختيارهم على افضل هذه القصائد يعلقونها على جدار الكعبة بصفتها اثرا ادبيا قى ما , ومع مرور السنين علقت سبع قصائد اشتهرت فيما بعد بـ(المعلقات السبع ).

وعـلـى هـذا الاسـاس اذا اراد القرآن ان يدعوهم الى التحدي والمعارضة فيلزم ان يكون في هذا المجال .

2 ـ ولـعـل الاتـهام الذي كان يوجهه المشركون العرب الى القرآن بكونه سحراوالى النبي بكونه ساحرا يعود الى الجاذبية القرآنية الهائلة , التي تشتمل على روعة الكلام والفصاحة .

3 ـ نقرا في الحديث الوارد عن الامام علي بن موسى الرضا (ع ) في صدد توافق معجزات الانبيا مع الـعـلـوم والـفـنون المتطورة في اعصارهم : ان اللّه تعالى لما بعث موسى (ع ) كان الغالب على اهل عـصره السحر فاتاهم من عند اللّه تعالى بما لم يكن في وسعهم مثله وما ابطل به سحرهم واثبت به الـحـجة عليهم وان اللّه تعالى بعث عيسى (ع ) في وقت قد ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس الى الطب فاتاهم من عنداللّه بما لم يكن عندهم مثله وبما احيى لهم الموتى وابر الاكمه والابرص باذن اللّه ,واثـبت به الحجة عليهم وان اللّه تبارك وتعالى بعث محمدا (ص ) في وقت كان الغالب على اهل عصره الخطب والكلام (واظنه قال : الشعر) فاتاهم من اللّه عزوجل ومواعظه واحكامه ما ابطل به قولهم , واثبت به الحجة عليهم ((154)) .

ان جميع هذه القرائن تدل على ان الاعجاز القرآني كان ولايزال ناظرا الى جانب الفصاحة والبلاغة الا ان واقع الامر هو ان الاعجاز في الفصاحة والبلاغة كان مورداهتمام عميق الا ا نه لم ينحصر به .

خصوصا ان الجوانب الاخرى من الاعجاز القرآني واضحة جلية .

وللحصول على اطلاع كاف بصدد اعجاز القرآن فلابد من الالتفات الى النقاطالتالية :.

1 ـ تـقـدمـت الاشارة الى ان عرب الجاهلية كانوا على جانب كبير من الفصاحة والبلاغة بحيث ان الـقصائد المتبقية من ذلك العصر ومن جملتها (المعلقات السبع )مازالت تعرف بالقصائد المنتخبة لدى العرب .

الا انـنا نعلم بانهم جمعوا قصائدهم كلها بعد نزول القرآن وخضعوا امام الفصاحة القرآنية المنقطعة الـنـظير , وبالرغم من امتلاكهم كل الدواعي والحوافز الذاتية لمعارضة القرآن ومنازلته الا انهم اخفقوا في ابدا شي ما.

ولـقـد اطـلـعنا على نماذج حية واضحة من تاثير القرآن في هذا المجال في البحث السابق لجاذبية القرآن .

2 ـ يـقـف ثلة من الذين تعرضت مصالحهم اللامشروعة للخطر بوجه رجال الحق دائما وعلى طول التاريخ , ليوجهوا اليهم التهم والافتراات , وبالرغم من كونها كاذبة الا انها تحكي عن بعض الحقائق الموجودة في تلك البيئة .

فـعـلـى سـبـيـل المثال , من ضمن الافتراات التي وجهت الى نبي الاسلام (ص )هي مسالة السحر والساحرية , التي كانت تستخدم ضمن نطاق واسع .

ويـقـول الـقـرآن في الايات (24) و (25) من سورة المدثر على لسان الوليد كبيرالمشركين : (فـقـال ان هذا الا سحر يؤثر# ان هذا الا قول البشر) ((155)) فالسبب الرئيس ورا هذه النسبة الـمـفـتعلة للنبي (ص ) هو النفوذ العجيب والخارق للايات القرآنية التي استحوذت على القلوب من خلال فصاحتها وبلاغتها العجيبة , بحيث لا يمكن ان يعتبروا هذا النفوذ امرا عاديا ولذلك لم يجدوا لـفظة مناسبة ينسبونها له سوى لفظة (السحر) , التي تعني في اللغة كل عمل خارق للعادة ومجهول الـمـنـشـا , فـاولئك وان ارادوا بهذه النسبة ان يسدلوا الستار على هذه الحقيقة الناصعة وينكروا الاعجازالالهي , الا انهم اعترفوا بحديثهم هذا بدون وعي منهم بعظمة القرآن وجاذبيته السحرية .

3 ـ ان من يتتبع آثار المؤلفين والادبا يجد انهم عادة ينقسمون الى فئتين مختلفتين : فئة تعلق اهتماما كبيرا على الجانب الفني للالفاظ , وتجعل المعاني في بعض الاحيان ضحية للالفاظ وبعكس ذلك فئة لا تولي اهتماما كبيرا للالفاظ وانماتستخدم كامل قدرتها ونبوغها في النظر الى عمق المعاني ولهذا الـسـبـب قـس م كـت اب تـاريـخـنا الادبي الاثار القديمة للشعرا الكبار , الى اسلوبين مختلفين , الاسلوب العراقي والاسلوب الهندي .

الـشـعرا الكبار الذين نظموا قصائدهم على النحو الاول , استخدموا قابلياتهم الفنية في مجال التفنن بـروعة الالفاظ وحسنها في حين ان اتباع النحو الثاني وجهوااهتمامهم في الغالب الى دقائق المعاني والملابسات المحيطة بها.

ومـمـا لايـقبل الانكار ان الذين ابدوا اهتمامهم بكلا الامرين وخلفوا وراهم آثاراطيبة , هم نزر يسير الا ان الحديث عن مدى نجاحهم في هذا المضمار ذوشجون .

والـدلـيل على هذا الكلام واضح , لان الالفاظ الجميلة العذبة لا تتحكم في واقع المعاني المطلوبة , ولا تـعـكس حقائقها الدقيقة فيها , ولهذا غالبا مايقف الشاعروالمتكلم على مفترق طريقين : جمالية اللفظ وجمالية المعنى , ومن ثم يضطر الى اختيار احدهما , ولذلك في كثير من النثر والنظم تذهب المعاني ضحية للسجع والقافية .

غـيـر ان الـذين اطلعوا على آداب العرب وتعرفوا على حقائق القرآن يفهمون جيدا ان هذا الكتاب الالـهـي الـكـبير حافظ على الامتياز المهم الى حد الاعجاز فالفاظه في منتهى العذوبة والحلاوة , والـجـمـل الـمحبوكة في غاية الدقة والجمال والكلمات فيه ذات ايقاع ووزن عذب , والمعاني قد اعطي حقها بكل خصائصها ودقتها , وهذه هي احدى ابعاد اعجاز القرآن في الفصاحة والبلاغة .

ان الـقـرآن لا يـتكلف بادا المعاني ويبين مراده بوضوح وفي الوقت نفسه يضفي على المعاني الفاظا عذبة وفي منتهى الجمال .

4 ـ اشـتهر الشعرا والفصحا بهذه الصفة : وهي انهم غالبا مايبالغون الى حدالكذب في احاديثهم من اجـل التوصل الى حلاوة البيان وطراوته , وعلى سبيل المثال يجعلون الطبقات السبع للارض ستا , والطبقات السبع للسما ثمانيا لتصاعدغبار حوافر خيل العسكر , في الصحرا او وضع تسعة مقاعد مـن الـفـلك تحت قدميه ليصل الى طول ركاب (قزل ارسلان ) او يجعلون من القلب بحرا , ومن الدم ومن دمع العين نهر (جيحون ) حتى قالوا :.

  • لاتراوغ في الشعر وفي فنه لان اكذبه هو احسنه

  • لان اكذبه هو احسنه لان اكذبه هو احسنه

وعـلى هذا الاساس فان اعذب الشعر اكذبه ويشير التعبير القرآني في صددالشعرا الى انهم غالبا مايستغرقون في تخيلاتهم وتشبيهاتهم الشعرية : (الم تر انهم في كل واد يهيمون ) ((156)) .

غـيـر اننا حينما نراجع القرآن لا نجد في جميع الموارد هذه المبالغة الكاذبة ,وبالرغم من وجود كل الدقة والجمال في الالفاظ والمعاني نجدها كلها تشترك في تبيين الحقائق .

ولهذا السبب نشاهد ان القرآن يبرئ ساحة نبي الاسلام (ص ) من تهمة الشاعرية , وساحته ايضا من تهمة الشعر ((157)) .

نـعـم على الرغم من خلو القرآن من عن التخيلات الشاعرية والمبالغات والاستغراقات البعيدة عن الـحـقيقة الشعرية , والتشبيهات والاستعارات الوهمية , ولاينطوي الا على بيان الحقائق بصورة واقـعـيـة وقـطـعية , بالرغم من ذلك كله نجده في الوقت ذاته في منتهى العذوبة والجاذبية بحيث استقطب الى نفسه البعيدين عن الاسلام بل حتى المخالفين للنبي (ص ) وذكرنا امثلة لذلك في البحث السابق عن جاذبية القرآن .

ومن الجدير بالذكر ما ينقله التاريخ من ان كثيرا من الشعرا العرب عندمااصطدموا بفصاحة القرآن , ارتـضـوا الاسـلام طـوع انفسهم , ومن جملة الشعرا الذين اسلموا تحت تاثير جاذبية القرآن هو (لـبـيـد) الـذي كان له في زمن الجاهلية احدى المعلقات السبع (وهي سبع قصائد شعرية معروفة ومتميزة انتخبت وعلقت على جدار الكعبة ).

وكذلك اسلم حسان بن ثابت تحت تاثير جاذبية القرآن وهو احد الشعرا.

الاثريا ايضا.

ومـن الـشـعـرا الـذين دخلوا الى الاسلام طواعية واستفادوا كثيرا من جاذبية القرآن هم كل من (الخنسا)شاعرة العرب النقادة , و(الاعشى ) الذي كان من نوادر الشعرا.

5 ـ من الظواهر الاخرى للفصاحة والبلاغة القرآنية هو الايقاع الخاص الموجودفي القرآن نفسه .

ان احاديث الادبا عادة اما ان تكون شعرا او نثرا , اما القرآن فليس شعرا ولانثرا عاديا ومعروفا , وانما هو نثر ذو ايقاع خاصة به , نثر حينما يتلوه قر ا القرآن يقع غالبا في قالب موزون كامل .

واذا كـان لا يـمكن استعمال كلمة (الموسيقى ) فيما يخص القرآن لانه يمتزج في عرفنا بالمفاهيم الـسـلـبية الا ان بعض الكتاب العرب المعروفين نظير (مصطفى الرافعي ) يقول في كتابه (اعجاز الـقـرآن ) : ((الاسـلوب القرآني يسبب ويوجد الحاناتلفت اسماع كل مستمع اليها , وهي نوع من الـموسيقى الخاصة التي لم تكن في الكلام الموزون في ذلك الزمان وهذا الترتيب والنظم كان يلطف طباع العرب ويعرفهم اسلوبا جديدا في الكلام لم يكن موجودا سابقا)).

ويـقـول (بـولاتـيـتلر) احد العلما الغربيين في هذا المضمار : ((من الخطا ان نفكربان الفصاحة الانـسانية تستطيع ان تؤثر بمثل ما يؤثر القرآن لانه دائما يسير باطراد الى الرفعة بدون ان يرى فـيـه اي ضـعـف وفتور , وكل يوم يفتح لنا قمما جديدة , نعم انه معجزة يتضال امامها اناس الارض وملائكة السما)) ((158)) .

ويـضيف الى ذلك عالم آخر اسمه (كنت هنري دي كستري ) قوله : ((اذا لم تكن في القرآن غير عـظـمة المعاني وجمال المباني لكان كافيا لان يتسلط على كل العقول ويجذب جميع القلوب اليه )) ((159)) .

6 ـ ومن الامور المهمة ايضا : ان اي حديث يبعث الملل والسام مع التكرارعادة , الا القرآن فانه في مـنـتهى الروعة بحيث لو قرئ مئات المرات لاحتفظبجاذبيته ورونقه , الامر الذي يدركه عشاق القرآن وغيرهم بوضوح .

وهـذا مـا نقراه جليا في الحديث المشهور عن الامام علي بن موسى الرضا (ع )بان رجلا سال الامام الـصـادق (ع ) ((مـا بـال القرآن لا يزداد على النشروالدرس الا غضاضة , فقال : لان اللّه تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد وعند كل قوم غض الى يـوم الـقـيامة )) ويقول علي (ع )في جملة مختصرة وبليغة ايضا : (( لا تخلقه كثرة الرد وولوج السمع )).

7 ـ ومـن دقـائق الفصاحة والبلاغة في القرآن هو تجنب كثرة الالفاظ ومراعاة الاختصار , مع ما يـؤديه من وضوح المعنى وبيان تمامية المقصود , وهو ما يسمى اصطلاحا بترك (( الايجاز المخل )) و (( الاطناب الممل )).

وقـد تـمت مراعاة ذلك في آيات القرآن على احسن وجه , فنجد احيانا آية واحدة من القرآن تبين مـعالم قصة طويلة بحيث ان كل جملة منها تتكلم عن مجال واسع من هذه القصة , ونقف على هذا في امـثلة كثيرة من القرآن , ومنها الاية المشهورة التي تقول : (وقيل يا ارض ابلعي ماك ويا سما اقلعي وغيض الماوقضي الامر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ) ((160)) .

نـعـم هـذه هي الاية نفسها التي جثى لها الاديب العربي المعروف ( ابن المقفع )على ركبتيه عندما قصد القيام بمعارضة احد ارباع القرآن حسب الاتفاق الذي عقده مع زملائه , وحينما وصل الى هذه الاية اعرض عن ذلك واقر في نفسه بالضعف والعجز الكامل .

ذلـك لانـها تروي قصة طوفان نوح (ع ) باختصار بارع بكل تفاصيلها ونتائجها ,وبعبارات قصيرة وغـنـية بالمعاني , وحسب قول احد المحققين انها تشتمل على ( 23 ) نكتة من النكات الادبية , من قـبـيل : ( الاستعارة , الطباق , مجاز الحذف ,الاشارة , الموازنة , الجناس , التسهيم او الارسال , التقسيم , التمثيل ,الارداف و ) ((161)) .

8 ـ احدى خصائص القرآن من الناحية الادبية , هي الصراحة القاطعة بما يقل نظيرها , اضافة الى اللطافة والدقة في العبارات .

ومـن الـمـعلوم ان كل انسان يستمتع بالنبرة الصريحة لاحد الفصحا , ذلك لانه يبين الحقائق بصدق وامانة وبدون اي تسوية او تشويش , وليس هناك لذه تفوق لذة درك الحقائق .

ان الـتـشدق والتحدث باشكال متعددة , يدل بوضوح ( الا في المواردالاستثنائية ) على عدم ايمان الـمتكلم باقواله , او على مخاوفه واحتراسه من حكم المستمعين له , وفي كلتا الحالتين يحكي ذلك عن ضعف وعجز المتكلم .

وتقترن الصراحة والصدق القاطع بالخشونة في اغلب الاحيان والمهم في الامران على المتكلم في الـوقـت الـذي يـكون صريحا فيه ان يهتم بلطافة البيان ايضا ,ونشاهد ذلك في آيات القرآن بشكل واضح .

ومـن اهم الجبهات القتالية للاسلام هي جبهة التوحيد والشرك , وقد استفادالقرآن من اعلى مراتب الصراحة والقاطعية في هذا المجال فتارة يقول : ( ان ال ذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لايستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ) ((162)) .

وتارة اخرى يقول ردا على عبدة الاوثان الذين احتموا بذريعة اتباع عقائد آبائهم واشرافهم هروبا مـن الـمـنـطـق الصاعق للقرآن : ( بل نتبع ما الفينا عليه آبانا اولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) ((163)) .

وفـي مـوضع آخر يصعد من حدة قاطعيته في مقابل التوسل باداب وتقاليدالاجداد بقوله على لسان ابراهيم (ع ): ( لقد كنتم انتم وآباؤكم في ضلال مبين ) ((164)) .

ويـقـول في صدد الايمان بنبي الاسلام (ص ) : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يح كموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهرم حرجا مما قضيت ويسلمواتسليما ) ((165)) .

وعلى هذا الاساس يعتبر الشرط الاساسي للايمان الصادق التسليم ظاهراوباطنا وسرا وعلانية , اضـافـة الـى ايـجاد التوافق بين الرغبات الذاتية والاوامر النبوية الشريفة , وبالرغم من كل هذه الصراحة والقاطعية نشهد اللطافة والدقة في العبارات بصورة كاملة ايضا.

ونـلاحـظ هـذه الـقـاطعية ايضا بشكل واضح في المباحث الاخرى , المرتبطة بالمبدا او المعاد , والقوانين الاجتماعية , او المسائل المتعلقة بالحرب والصلح , اوالبحوث الاخلاقية , والتي يتطلب شرح كل واحدة منها كتابا مستقلا.

9 ـ الـمـتانة والنزاهة في البيان : الاشخاص الاميون لا يعبؤون بعباراتهم عادة وغالبا ما يستعينون بـالـجـمل البعيدة عن الادب والذوق من اجل التوصل الى ادامقاصدهم من الكلمات , وبالرغم من ان الـقـرآن ظهر في اوساط هذه الفئة من الناس ,الا انه لم يتاثر بتلك البيئة على الاطلاق , وحرص عـلـى مراعاة منتهى المتانة والعفة في تعبيراته وهو مما اضفى على فصاحة القرآن وبلاغته طابعا خاصا.

وحـينما يتصدى الخطبا والكت اب الكبار لحوادث العشق او مسائل اخرى مشابهة , فهم يضطرون لان يطلقواالعنان لالسنتهم واقلامهم كيفما شاؤا فيطرحون الوانا كثيرة ومختلفة من التعابيرالمهيجة والمؤذية لرسم معالم الصورة الواقعية للابطال الحقيقيين في القصة , واما ان يسدلوا ستار الغموض والابهام على جانب من هذه الوقائع ـ مراعاة للعفة والذوق العام ـ ويتحدثوا مع رقبائهم بشكل مغلق .

والـجـمع بين هذين الامرين : اي رسم معالم الواقع بصورة كاملة , وعدم تلوث القلم واللسان بكل ما يخدش العفة والاداب , يعتبر امرا في منتهى الصعوبة لا يؤديه الا قليل .

فـكـيـف يـكـمن ان نتصور شخصا اميا ظهر في مجتمع متخلف متوحش يحددالمعالم الدقيقة كاملة للاوضاع القائمة , ثم لا نجد في تعابيره ادنى معنى يخدش العفة والاداب , وعلى سبيل المثال حينما يـبـدا الـقـرآن فـي وصف الوقائع الحساسة لقصة يوسف الواقعية وما اشتملت عليه من معاني الحب والـغـرام الـذي اشتعل في قلب تلك المراة الجميلة المتهورة نجده يستفيد من جميع اصول الاخلاق والعفاف من دون اي تمويه وتعتيم على الحقائق , او اجمال الحوادث في جو من الابهام والغموض انه لا يـدع اي شـاردة وواردة فـي الحديث الا وذكرها ولكنه لا يتطرق الى ادنى انحراف عن اصول العفة في البيان , فعلى سبيل المثال يقول في صدد شرح قصة اختلا زليخا بعشيقها : ( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت هيت لك قال معاذ اللّه انه ربي احسن مثواي انه لا يفلح الظالمون ) ((166)) .

ومن الجدير بالذكر استعمال القرآن لكلمة (( راود )) التي تستفاد في مورد الالحاح في الطلب من انسان ما بشي من الهدؤ والمرونة , وهي تنسجم تماما مع اداالمعنى المقصود هذا من جهة , من جهة ثانية , لا يذكر اسم زليخا ولا زوجها عزيزمصر بل يقول : ( ال تي هو في بيتها ) من اجل ان يبين مـرؤة يـوسـف وعدم خيانته لمولاه , كما يبين في الوقت ذاته تقواه , ومقاومته لمن يعيش في كنفه وتحت امرته .

ومـن جـهة ثالثة تشير جملة ( غلقت الابواب ) التي تفيد معنى المبالغة بحكم مصدر باب التفعيل الى مدى صعوبة الموقف وتلاطم الاحداث التي مرت بها هذه الواقعة .

ومـن جهة رابعة توضح جملة ( قالت هيت لك ) ذلك الحديث الاخير لزليخاالذي قالته لبلوغ وصال يوسف , الا اننا نلاحظ هنا مدى رزانته وقوة سبكه المصحوبة بنزاهة البيان وسمو المعنى .

ومـن جـهة خامسة يشير كلام يوسف ( معاذ اللّه انه ربي احسن مثواي ) رادا على زليخا الى تنديد صـارخ بها , بمعنى انني لا اقوم بخيانة صاحب البيت الذي انعم علي وقاسمته هموم العيش , بالرغم من الايام القليلة لتي قضيتها في هذا البيت فمابالك انت وقد قضيت هنا عمرا طويلا.

وتـوضـح الايـات اللاحقة التي يطول شرحها هذه القصة بشكل رائع , ومن ثم ترسم معالم المقاومة الخيرة , لعواصف الهوى والتهور وتسليم الامور الذاتية بيد اللّه تعالى في هذه المشاهد بشكل ممتع وجميل .

في آية اخرى عندما يصف احاسيس نسا مصر , حينما دعتهن زليخا الى ضيافتها لتبرئة نفسها , يقول في جملة مختصرة : ( فلما راينه اكبرنه وقطعن ايديهن وقلن حاشا للّه ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم ).

ويـدل تـعـبـيـر ( ملك كريم ) على مدى عف ته ونقائه الفائقين فضلا عن دلالته على مدى جماله الـمـنـقطع النظير , وهذا مثل تعبيرنا عن عفة احد الاشخاص عادة بانه ملك من الملائكة , وكذلك تـوجد على اثر هذه الحوادث جمل تحتوي على قدركبير من الفصاحة والجمال , تدلل على عظمة ومقام يوسف بصورة كاملة ذلك المثل الاعلى في العفة والطهارة ((167)) .

10 ـ امثلة القرآن : يستخدم القرآن امثلة كثيرة من اجل تبيان الحقائق وهي باجمعها تجليات واضحة لـلفصاحة والبلاغة في هذا الكتاب الالهي العظيم , ممايبعث على اعتزاز الانسان واعجابه الكبير , هي الادوات الدقيقة التي استخدمت في هذه الامثلة والامور الصغيرة الجذابة الممتعة التي نلاحظها في كل واحد منها :.

ومـمـا لا يـقـبـل انكاره اساسا هو دور المثال في توضيح وتفسير البحوث , ولهذاالسبب لا يمكن الاستغنا عن ذكره في اي مبحث مهم , لتوضيح الحقائق وتقريبهامن الذهن .

فالمثال الجيد والمنسجم مع المعنى المقصود يمكن ان يؤدي دور احد الكتب احيانا , فيوضح المطالب الـمـعـقـدة ويجعلها قابلة للفهم , ولهذا يعتبر التمثيل من احدالفنون التي يعتمد عليها الفصحا والبلغا والادبا والشعرا في العالم , يقول الزمخشري في الكشاف في صدد ( المثل ).

المثل في اصل الكلام معناه مثل يعني نظير ولضرب الامثال عندهم والتحدث بالامثال والنظائر لدى الـعـلـما شان رفيع ذلك لانها ترفع الحجاب عن المعاني الخفية وتوضح النكات المبهمة بحيث يصبح الامر المتخيل حقائق ويقع الشي المتوهم مستيقنا في محله وتتجلى صورة الغائب على غرار صورة الـشـاهـد ولـهـذه الـجـهـة اورداللّه تـعـالـى امثالا كثيرة في كتابه القرآن المبين وسائر كتبه الاخرى ((168)) .

ولـلامثلة فوائد عديدة , منها انها تجعل المسائل العقلية حسية وتقرب الطرق البعيدة , وتوصل فهم الـمسائل الى جميع الناس وبصورة شاملة , وتصع د درجة الاطمئنان بالامور المطروحة , ومن ثم الـمـثـال المناسب يعتبر ردا صاعقا على منطق المعاندين وقد جمع بعض المحققين امثال القرآن في كتاب درس وحلل فيه اكثر من مائة مثال قرآني .

ان امـثـلة القرآن معجزة حقا , ويكفي من اجل الوصول الى هذه الحقيقة , ان نجعل قسما منها موردا للبحث .

/ 120