1. الاعجاز القرآني في الفصاحة والبلاغة
يـقـول علما المعاني في تعريف البلاغة والفصاحة : ان الفصاحة تستعمل تارة لوصف الكلمة , وتارة اخـرى لوصف الكلام وهي : عبارة عن خلو الكلام من الحروف والكلمات الثقيلة غير المحببة ذات الايـقـاع الـردي غـيـر الـمتجانس من العبارات الركيكة والضعيفة والمنفرة والوحشية والمعقدة والمبهمة . وامـا الـبـلاغة فهي عبارة عن تناسب الكلام مع مقتضى الحال والانسجام التام مع الغاية المتوخاة من الكلام . وبـعبارة اخرى : الفصاحة ناظرة الى كيفية الالفاظ والبلاغة ناظرة الى كيفية المعنى والمحتوى , او بـعـبارة ثانية : الفصاحة تقتصر على الجوانب الشكلية والظاهرية للكلام والبلاغة تقتصر على الجوانب المعنوية والجوهرية . ومـمـا لاشك فيه ان هذين الامرين ينطويان على جانب ذوقي واستحساني فضلاعن الجانب العلمي والـقـانـوني , ولكن هذا الجانب الفني والذوقي نفسه يتفتح ويكتمل ويتسق في ظل التعليم والتربية والاعـتماد على القواعد التي تستقى غالبا من كلمات الفصحا والبلغا نظير الحس الشعري او القابلية على الخط اللذين يتكاملان بالتعليم والممارسة والاستعانة بالمعلم . وعـلـى كـل حال يعتقد بعضهم ان اعجاز القرآن والدعوة الى التحدي التي وردت في آيات مختلفة مستندة الى هذا المعنى نفسه , ويمكن الاستدلال على ذلك بالامور التالية :. 1 ـ اشـتـهر العرب في عصرهم وزمانهم بالتفنن في مجال الفصاحة والبلاغة فحسب , بحيث بلغت اشـعـار الـجـاهلية اوج فصاحتها , وكان احد اهم برامجهم هوقراة اجمل قصائد تلك السنة خلال التجمع الاقتصادي الذي يعقد في (سوق عكاظ) بالقرب من الطائف في كل عام . وعـنـدما يقع اختيارهم على افضل هذه القصائد يعلقونها على جدار الكعبة بصفتها اثرا ادبيا قى ما , ومع مرور السنين علقت سبع قصائد اشتهرت فيما بعد بـ(المعلقات السبع ). وعـلـى هـذا الاسـاس اذا اراد القرآن ان يدعوهم الى التحدي والمعارضة فيلزم ان يكون في هذا المجال . 2 ـ ولـعـل الاتـهام الذي كان يوجهه المشركون العرب الى القرآن بكونه سحراوالى النبي بكونه ساحرا يعود الى الجاذبية القرآنية الهائلة , التي تشتمل على روعة الكلام والفصاحة . 3 ـ نقرا في الحديث الوارد عن الامام علي بن موسى الرضا (ع ) في صدد توافق معجزات الانبيا مع الـعـلـوم والـفـنون المتطورة في اعصارهم : ان اللّه تعالى لما بعث موسى (ع ) كان الغالب على اهل عـصره السحر فاتاهم من عند اللّه تعالى بما لم يكن في وسعهم مثله وما ابطل به سحرهم واثبت به الـحـجة عليهم وان اللّه تعالى بعث عيسى (ع ) في وقت قد ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس الى الطب فاتاهم من عنداللّه بما لم يكن عندهم مثله وبما احيى لهم الموتى وابر الاكمه والابرص باذن اللّه ,واثـبت به الحجة عليهم وان اللّه تبارك وتعالى بعث محمدا (ص ) في وقت كان الغالب على اهل عصره الخطب والكلام (واظنه قال : الشعر) فاتاهم من اللّه عزوجل ومواعظه واحكامه ما ابطل به قولهم , واثبت به الحجة عليهم ((154)) . ان جميع هذه القرائن تدل على ان الاعجاز القرآني كان ولايزال ناظرا الى جانب الفصاحة والبلاغة الا ان واقع الامر هو ان الاعجاز في الفصاحة والبلاغة كان مورداهتمام عميق الا ا نه لم ينحصر به . خصوصا ان الجوانب الاخرى من الاعجاز القرآني واضحة جلية . وللحصول على اطلاع كاف بصدد اعجاز القرآن فلابد من الالتفات الى النقاطالتالية :. 1 ـ تـقـدمـت الاشارة الى ان عرب الجاهلية كانوا على جانب كبير من الفصاحة والبلاغة بحيث ان الـقصائد المتبقية من ذلك العصر ومن جملتها (المعلقات السبع )مازالت تعرف بالقصائد المنتخبة لدى العرب . الا انـنا نعلم بانهم جمعوا قصائدهم كلها بعد نزول القرآن وخضعوا امام الفصاحة القرآنية المنقطعة الـنـظير , وبالرغم من امتلاكهم كل الدواعي والحوافز الذاتية لمعارضة القرآن ومنازلته الا انهم اخفقوا في ابدا شي ما. ولـقـد اطـلـعنا على نماذج حية واضحة من تاثير القرآن في هذا المجال في البحث السابق لجاذبية القرآن . 2 ـ يـقـف ثلة من الذين تعرضت مصالحهم اللامشروعة للخطر بوجه رجال الحق دائما وعلى طول التاريخ , ليوجهوا اليهم التهم والافتراات , وبالرغم من كونها كاذبة الا انها تحكي عن بعض الحقائق الموجودة في تلك البيئة . فـعـلـى سـبـيـل المثال , من ضمن الافتراات التي وجهت الى نبي الاسلام (ص )هي مسالة السحر والساحرية , التي كانت تستخدم ضمن نطاق واسع . ويـقـول الـقـرآن في الايات (24) و (25) من سورة المدثر على لسان الوليد كبيرالمشركين : (فـقـال ان هذا الا سحر يؤثر# ان هذا الا قول البشر) ((155)) فالسبب الرئيس ورا هذه النسبة الـمـفـتعلة للنبي (ص ) هو النفوذ العجيب والخارق للايات القرآنية التي استحوذت على القلوب من خلال فصاحتها وبلاغتها العجيبة , بحيث لا يمكن ان يعتبروا هذا النفوذ امرا عاديا ولذلك لم يجدوا لـفظة مناسبة ينسبونها له سوى لفظة (السحر) , التي تعني في اللغة كل عمل خارق للعادة ومجهول الـمـنـشـا , فـاولئك وان ارادوا بهذه النسبة ان يسدلوا الستار على هذه الحقيقة الناصعة وينكروا الاعجازالالهي , الا انهم اعترفوا بحديثهم هذا بدون وعي منهم بعظمة القرآن وجاذبيته السحرية . 3 ـ ان من يتتبع آثار المؤلفين والادبا يجد انهم عادة ينقسمون الى فئتين مختلفتين : فئة تعلق اهتماما كبيرا على الجانب الفني للالفاظ , وتجعل المعاني في بعض الاحيان ضحية للالفاظ وبعكس ذلك فئة لا تولي اهتماما كبيرا للالفاظ وانماتستخدم كامل قدرتها ونبوغها في النظر الى عمق المعاني ولهذا الـسـبـب قـس م كـت اب تـاريـخـنا الادبي الاثار القديمة للشعرا الكبار , الى اسلوبين مختلفين , الاسلوب العراقي والاسلوب الهندي . الـشـعرا الكبار الذين نظموا قصائدهم على النحو الاول , استخدموا قابلياتهم الفنية في مجال التفنن بـروعة الالفاظ وحسنها في حين ان اتباع النحو الثاني وجهوااهتمامهم في الغالب الى دقائق المعاني والملابسات المحيطة بها. ومـمـا لايـقبل الانكار ان الذين ابدوا اهتمامهم بكلا الامرين وخلفوا وراهم آثاراطيبة , هم نزر يسير الا ان الحديث عن مدى نجاحهم في هذا المضمار ذوشجون . والـدلـيل على هذا الكلام واضح , لان الالفاظ الجميلة العذبة لا تتحكم في واقع المعاني المطلوبة , ولا تـعـكس حقائقها الدقيقة فيها , ولهذا غالبا مايقف الشاعروالمتكلم على مفترق طريقين : جمالية اللفظ وجمالية المعنى , ومن ثم يضطر الى اختيار احدهما , ولذلك في كثير من النثر والنظم تذهب المعاني ضحية للسجع والقافية . غـيـر ان الـذين اطلعوا على آداب العرب وتعرفوا على حقائق القرآن يفهمون جيدا ان هذا الكتاب الالـهـي الـكـبير حافظ على الامتياز المهم الى حد الاعجاز فالفاظه في منتهى العذوبة والحلاوة , والـجـمـل الـمحبوكة في غاية الدقة والجمال والكلمات فيه ذات ايقاع ووزن عذب , والمعاني قد اعطي حقها بكل خصائصها ودقتها , وهذه هي احدى ابعاد اعجاز القرآن في الفصاحة والبلاغة . ان الـقـرآن لا يـتكلف بادا المعاني ويبين مراده بوضوح وفي الوقت نفسه يضفي على المعاني الفاظا عذبة وفي منتهى الجمال . 4 ـ اشـتهر الشعرا والفصحا بهذه الصفة : وهي انهم غالبا مايبالغون الى حدالكذب في احاديثهم من اجـل التوصل الى حلاوة البيان وطراوته , وعلى سبيل المثال يجعلون الطبقات السبع للارض ستا , والطبقات السبع للسما ثمانيا لتصاعدغبار حوافر خيل العسكر , في الصحرا او وضع تسعة مقاعد مـن الـفـلك تحت قدميه ليصل الى طول ركاب (قزل ارسلان ) او يجعلون من القلب بحرا , ومن الدم ومن دمع العين نهر (جيحون ) حتى قالوا :.لاتراوغ في الشعر وفي فنه لان اكذبه هو احسنه لان اكذبه هو احسنه لان اكذبه هو احسنه