تستكشف عدة تنبؤات مهمة في الاية التاسعة والعاشرة من مدار البحث :. 1 ـ ((ان اهـل الـكتاب لن يتمكنوا ان يلحقوا بكم ضررا ذا بال ويهددوا وجودالاسلام والمسلمين بالخطر لان اضرارهم طفيفة وغير مؤثرة )) (لن يضروكم الا اذى ). ان كـلـمة ((اذى )) وان شملت على حد قول ((الراغب )) في ((المفردات )) كل مايلحق الضرر بـروح الانـسـان وجـسـمـه ومـتعلقاته لكنه نظرا الى انها وردت بصيغة الاستثنا من جملة ((لن يـضـروكم )) , ومجيئها بصيغة النكرة ايضا , دل ذلك على ان المقصود منهاهي الاضرار الجزئية سوا كانت مبادرة بشكل كلام جارح , او بشكل حركات استفزازية سطحية . ولا تتاتى هذه النبؤة المستقبلية الصريحة الا من طريق الوحي نظرا الى القوة العسكرية الهائلة التي كـان يتمتع بها اهل الكتاب وبالاخص اليهود , والى حالة الضعف التي يعانى منها المسلمون من الناحية الظاهرية . 2 ـ ثـم يـقـول تـعـالى : ان هؤلا سيكون نصيبهم الفشل والاندحار والفرار متى ماقاتلوكم واثبتوا وجودهم في ميدان النزال : (وان يقاتلوكم يولوكم الادبار ثم لاينصرون ). ان هـذا الـتنبؤ عن ان مصير اليهود وسائر اهل الكتاب هو الفشل والتراجع في كل حرب تقع بينهم وبين اصحاب النبي (ص ) لم يكن الشي اليسير ويتاتى من الطرق العادية ايضا. 3 ـ ان هـؤلا الـيـهـود لـن يصمدوا بحال من الاحوال , واينما وجدوا كتب عليهم الذل والهوان الا بـالارتـبـاط باللّه (واعادة النظر في سلوكهم الخاطي ) , او الارتباطبالناس والتبعية لهذا وذاك : (ضربت عليهم الذلة اين ما ثقفوا الا بحبل من اللّه وحبل من الن اس ). وتـحـقـقـت هذه الوعود والبشائر السماوية الثلاثة في عصر النبي كما ذكره التاريخ الاسلامي , وبالاخص ان اليهود في الحجاز اعم من ((بني قريظة )) , و ((بني النضير)) ,و((بني قينقاع )) , و ((يـهـود خيبر)) , و((بني المصطلق )) , وقد خسروا الجولة في نهاية الامر , وتواروا عن مـسـرح الحياة بعدما قاموا به من انتهاكات كثيرة , وتحركات مثيرة ضد الاسلام , هذا وان لم يرد الـتـصريح بذكر اليهود في الايات السابقة لكن يستفادمن القرائن الموجودة في هذه الاية والايات المشابهة لها (كالاية 61 من سورة البقرة التي ذكر فيها اسم اليهود صريحا). ان هذين الايتين ناظرتان الى اليهود , وبالاخص ما جا في الاية الاخيرة من ان هؤلا انما يستطيعون ان يمسحوا عن جبينهم وصحة الذل في صورتين , الاولى : في صورة ((الرجوع الى اللّه , وترك العصيان , والذنب , والفساد في الارض )) , (الا بحبل من اللّه ) , والثانية : في صورة ((اتباع الناس والاتكال على الاخرين )) , (وحبل من الناس ). وهذه الاية تشير الى نفس الظاهرة المشهورة في حياة اليهود الى يومنا هذا , لان تاريخهم يفصح اما عـن حالة الضياع والتشرد والذل , واما عن حالة التبعية والانقيادللقوى الاخرى , وتسخير الذات فـي خـدمة مقاصدهم السيئة , (وتشاهد الحالة الاولى في العصر الاخير في عهد النازيين والحالة الاخرى في يومنا هذا). وبالرغم مما ذكره المفسرون من احتمالات متعددة لتفسير ((حبل من اللّه وحبل من الناس )) الا ان ماتقدم ذكره آنفا هو الانسب ظاهرا , ويمكن الاخذ ببعض تفاسيرهؤلا بعنوان مصداق لهذا المفهوم الكلي الذي ذكرناه .