انشقاق القمر بمنظار الايات
3. يـقـولون ان ايات في القرآن الكريم تدل على ان نبي الاسلام (ص ) لم يمتلك معجزة سوى القرآن : واسـتـدل هـؤلا عـلـى اثبات فكرتهم بالاية 59 من سورة الاسراالتي تقول : (وما منعنا ان نرسل بالايات الا ان كذب بها الاولون ) , وكذلك تشبثوابالاية 90 الى 93 من سورة الاسرا وذلك استنادا الى ان جماعة طلبوا من النبي طلبات مختلفة فتارة قالوا : لا نؤمن الا ان تفجر لنا نبعا من هذه البقعة من الارض (الجردا القاحلة ) , وتارة اخرى قالوا : لا نؤمن لك الا ان يكون في حوزتك بستان كبير من اشجار النخل والعنب وتجري من خلاله الانهار , او تنزل على رؤوسنا ـ كماتدعي ـ الاحجار الـسـمـاويـة , او تحضر لنا اللّه وملائكته , او تمتلك بيتا من الذهب ,مليئا بالرسوم والنقوش , او تصعد الى السما , ولا نكتف بذلك الا ان تاتينا بكتاب من قبل اللّه تعالى , فما كان جواب النبي الاكرم عـلى مطالبهم الا ان قال : (سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا) , وعلى ضؤ جوابه (ص ) ادعى اولئك المرتابون بانه لم يقدم على اي معجزة .
الجواب :.
ان الالـتـفـات الـى الكلمة التي وردت في اقوال جمع من المفسرين الكبار توضح الجواب على هذا الاشكال وهي : ان المعجزات على نوعين :.الـنـوع الاول : هي المعجزات الضرورية لاثبات صدق دعوى النبي , وترغيب الناس الى الايمان , وتـخـويـف الـمنكرين , وهي المعاجز المنطقية لناشدي الحق والباحثين عن الحقيقة , بحيث يعبر القرآن في ذيل الاية الاولى منها بقوله : (ومانرسل بالايات الا تخويفا) , (سورة الاسرا : 59).
الـنـوع الـثاني من المعجزات : هي المعجزات التي تسمى بـ((الاقتراحية )) , اي المعجزات التي يطالب بها المتعل لون لا لاجل سلوك سبيل الحق واليقين بصدق دعوى النبوة ومن ثم الايمان واعتناق الاسلام , وانما بقصد تعجيز الطرف الاخر فان وجدوا به قدرة على ذلك اتهموه بالسحر.
والانـبـيـا كانوا يتجهون صوب القسم الاول ولا يستسلمون اطلاقا لمقترحات المتعللين والمعاجز الاقتراحية .
يـشير لحن الايات 90 ـ 93 من سورة الاسرا بشكل واضح الى ان هذه المطاليب العجيبة والغريبة والـمـتـهـافـتة لمشركي العرب لم يكن منشؤها هو البحث عن الحقيقة , بل الغاية منها هي اختلاق الاعـذار والـتـشكيك في نبوة نبي الاسلام وارسا دعائم الشرك والصنمية , ولذا لم يتمعنوا النظر حـتـى فـي مـفـهوم كلامهم ,فمن ضمن مطالبهم مثلا انهم يطلبون معجزة من المعاجز التي تبيدهم ((كـنـزول الاحـجـار الـسـمـاوية على روؤسهم )) , وتارة يطلبون معجزة كمعجزة (الصعود الـى الـسـما) , ثم ينفون ذلك مباشرة ويقولون : نحن لا نؤمن بذلك حتى تبعث لنا كتابا من قبل اللّه , وتـارة يطلبون الامور المستحيلة كقولهم : ان تاتينا باللّه والملائكة , والحال ان اللّه ليس له مكان , وليس بجسم ولا جسماني .
ثم اذا كان الهدف هو التوصل الى معرفة حقانية النبي فلم يطلبون ست معاجزمختلفة ؟ اليس المورد الواحد منها كافيا ؟.
من هنا لم يتسن لاي نبي ان يستسلم لهذا النوع من الاراجيف والاباطيل , فضلاعن ان الاعجاز ليس من شان النبي واختياره , وانما هو من شان اللّه تعالى واختياره .
ان الـنـبي بامكانه ان يطلب المعجزة من اللّه واللّه تعالى يضع بين يديه اي مورديراه صالحا , ولهذا نـقـرا في ذيل الايات 90 ـ 93 من سورة الاسرا هذا المعنى : (قل سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا) وكذا في سورة الرعد آية 38 : (وما كان لرسول ان ياتي باية الا باذن اللّه ).
وامـا قـوله : نحن لن نستسلم لمطاليبكم لان الاولين كذبوا ذلك فهذا يدعو الى هذا التساؤل وهو : كيف يجوز ان يكون تكذيب الاولين سببا لحرمان الاجيال المتعاقبة من مشاهدة المعجزات ؟ فالاجابة عـليه تكمن في كون هذه العبارة متداولة وذلك بان يقال للشخص العنيد الذي لا نريد ان نستسلم له : ان اقتراحك لم يكن وجيها وقد سبق لغيرك ان اقترحه , ولم يرضخ للحق .
بـعـبـارة اخـرى ان الـمـعـاجز التي تقترحونها لا تستند الى اساس البحث عن الحقيقة , وانما هي ((اقتراحية )) وتعللية , ولو نفذت طلباتكم لما آمنتم ايضا , فقدسبق لافراد مثلكم في الامم الغابرة ان طلبوا اظهار معاجز ثم كذبوها بعدما شاهدوها.
مـلخص الكلام هو ان من الصحيح القول : بان القرآن لوحده معجزة خالدة , ولولم يكن هناك معجزة اخـرى سـوى هذه المعجزة للنبي لاستطاعت ان تكون شاهداعلى صدقه , ولكن هذا لايدل على ان الـنبي لم يمتلك معجزات جسمانية ومادية غير هذه المعاجز الروحية والمعنوية , بل ذهبت الايات والـروايـات والـتـواريخ الاسلامية وسيرة النبي الى القول : بانه كان يمتلك ذلك , ولا شك في ان انـضـمـام الـمعجزات المحسوسة والمادية الى تلك المعجزة المعنوية الكبيرة يظهر حقانية الدعوة النبوية بصورة اجلى واوضح .