قصة النبي داود(ع ) وزوجة اوريا
5. من المقاطع التاريخية الاخرى للقران الكريم , هي مسالة ((قضا داود))النبي (ع ) التي دارت بين اخوين متخاصمين .
ويفصل القرآن القول في هذه القصة في سورة (ص ) ضمن الايات 21 الى26 بالنحو التالي :.
(وهـل اتاك نبؤ الخصم اذ تسوروا المحراب # اذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لاتخف خصمان بـغـى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولاتشطط واهدنا الى سوا الصراط # ان هذا اخي له تسع وتـسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب # قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نـعاجه وان كثيرا من الخلطا ليبغي بعضهم على بعض الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظـن داود انما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا واناب # ياداود ان ا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بـيـن الـن اس بالحق ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه ان الذين يضلون عن سبيل اللّه لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ).
في هذا المقطع التاريخى من حياة داود (ع ) , لانقع على اي مفهوم سلبي سوى انه تسرع شيئا ما في اصـدار الـحـكم فحينما طرح احد هذين الاخوين ادعاه , اعرب عن قوله ومن دون ان يستمع الى ادعـاات الاخ الـثـانـي : ان اخاك قد ظلمك وانه لاينبغي ان ينازعك في صدد نعجة واحدة مع ماكل مايمتلكه من المال والثروة , وان كان هذا لايمثل الحكم النهائي لداود (ع ) , الا ان نفس هذا المقدار مـن الـتـسرع في اصدار الحكم لايصلح لمقام القضا العادل بصورة عامة , وقضا النبي داود بصورة خاصة , ولعل هذا هو السبب في توبته واستغفاره وسجود.
ولاجـل هـذه الـدقـة في مسالة القضا والتماس المغفرة والمسامحة من هذه الزلة اعطاه اللّه المقام المحمود.
والشاهد على هذا التوجيه للايات السابقة هي الاية التي وردت مباشرة بعد هذه الايات وذلك عندما يـقـول : (يـاداود ان ا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه ).
هـذه الايـة تدل بوضوح ان المخالفة , او بعبارة اصح ترك الاولى الذي صدرمن النبي داود (ع ) لم يكن يتضمن في حقيقته بعض الامور التي هي من قبيل الغرام والتعلق بزوجة احد قواد جيشه الذي يـدعـى بـاسـم (اوريا) وامثال ذلك من المفاهيم التي نسجتها ذهنية اهل الاساطير استنادا الى ماجا في التوراة .
والان نعود الى التوراة الفعلي المحرف لننظر الى مايقوله في هذاالمجال :.
نطالع في الكتاب الثاني لاشموئيل هذه الحادثة :.
ووقـع عـند الغروب عندما نهض من فراشه وطاف حول سطح بيت الملك ,وراى من السطح امراة تـغـسـل نـفسها وكانت هذه المراة غاية في حسن الوجه والرشاقة , واخذ داود يستفسر عن هذه المراة , وقال شخص اليست ((بث شبع )) ((245)) (وهذا اسمها) هي بنت ((اليعام )) ((246)) زوجة ((اورياه حت ي )) ((247)) ؟.وارسـل داود الـيـجيان فامسكها وجي بها اليه , فاضطجع معها وبعد التطهيرمن النجاسة ذهبت الى بـيـتها وحملت المراة , وارسلت الى داود من يخبره انهاحاملة وارسل داود الى ((يوآب )) (قائد جـيـش داود) ان ابعث الي ((اورياه حت ي )) وبعث يواب اورياه اليه وقدم عليه , فساله داود عن سلامة يوآب وسلامة القوم وعن استقرار اوضاع الحرب .
وقـال داود لاوريـاه انـزل الـى بيتك واغسل رجليك , وخرج اورياه من قصرالملك وخرجت من ورائه مـقدار من الطعام من الملك , الا ان اورياه نام مع سائرعبيد سيده في رحبة القصر ولم ينزل في بيته فحينما خبروا داود ان اورياه لم ينزل في بيته , فقال داوه لاورياه الم تاتي من السفر فلم لم تـنـزل فـي بـيـتـك ؟واعـرب اوريـاه لـداود بـالـقول ان الصندوق واسرائيل ويهوداه يسكنون تـحت المظلات ويجلس سيدي يوآب وعبيده في خيمة وسط الصحرا , فهل يجوزلي ان اذهب الى الـبـيت لاقضي وطري من الطعام والشراب والنوم مع زوجتي ,اقسم بحياتك ان لا اقوم بهذا العمل قط.
وتـحـقق الامر بالفعل بان كتب في الصباح رسالة الى ((يوآب )) وبعثها بيداورياه , وكتب الرسالة بهذا المضمون القوا باورياه في اتون حرب ضارية ثم انسجوا من ورائه , حتى يصاب ويموت ((اي يـقتل )) وتحقق الامر بالفعل بعدماالقى يوآب نظرته على المدينة , ووضع اورياه في الموضع الذي علم بوجودالرجال الشجعان فيه وخرج رجال المدينة , وقاتلوا ضد يوآب , وسقط البعض من القوم عبيد داود ومات ((اورياه حت ي )) ايضا وعلمت زوجة اورياه ان زوجها قد مات واقامت العزا في حق زوجها وبعد انتها العزا ارسل على اثرها داود (ع ) واتى بها الى بيته واصبحت زوجته ((248)). خـلاصـة الـقـصة ان داود عندما كان في ((اورشليم )) فصعد في يوم من الايام الى سطح القصر , فـوقعت عينيه على البيت المجاور له , فشاهد امراة عارية في فوقع حبها في قلبه وجلبت بعنف الى قصره واضطجع معها فحملت منه وكان زوج هذه المراة من الضباط المرموقين لجيش داود وكان رجلامجبولا على الصفا ونقا الطبع بـحـيـث انـه عـنـدما عاد من ميدان القتال لم تطاوعه نفسه ان يذهب الى بيته ويضطجع مع زوجته ويـسـتـمـتع بالاطعمة الممتازة مواساة منه لاترابه المقاتلين الذين لازالوا في ميدان القتال يعيشون في الخيمة , بالرغم من ذلك اصدر داود قرارا مجحفا جدا , فكتب رسالة الى قائدعسكره (يوآب ) واعـطاها بيد (اورياه ) نفسه ليوصلها بدوره الى قائد العسكر ,وقد كتب في هذه الرسالة انه لابد مـن تـحديد مسؤوليته في احدى المواضع الخطرة لساحة القتال , ثم تخلية اطرافه كي يقضى عليه بـسـيـف الاعـدا , ونـفـذهـذا الـقرار الاجرامي المشؤوم , وقتل على اثره اورياه الطاهر القلب والنقي والشجاع واستاثر بزوجته موردا لرضا وقبول الحق تعالى )) والان نعود الى تتمة الحكاية , فقد ورد في الفصل الاتي من التوراة مايلي :.
(وبعث اللّه تعالى ((ناثان )) ((249)) الى داود فجا اليه , وقال له : كان في احدى المدن شخصان احـدهما غني والاخر فقير , كان الغني يمتلك غنما وبقرا كثيراجدا , ولم يكن الفقير يمتلك سوى انثى واحدة من الغنم , اشتراها ورباهاوتعاهدها مع اولاده بالرعاية تاكل من طعامه وتشرب من اناه وتنام في احضانه وكانت كاحد بناته .
وقـدم مـسافر الى هذا الغني وال على نفسه ان ياخذ من اغنامه وابقاره حتى يعده للمسافر الذي قدم عليه واخذ نعجة ذلك الرجل الفقير وذبحها على شرف الرجل المسافر الذي قدم عليه .
وثـارت ثائرة داود وقال لـ(ناثان ) اقسم باللّه الحي القيوم , ان الرجل الذي فعل ذلك يستحق القتل وبسبب فعله هذا وعدم اعتنائه يجب ان يؤخذمنه حـيـنـئذ قـال نـاثان لداود : ان ذلك الرجل هو انت , يقول اللّه تعالى رب اسرائيل : انا الذي جعلتك سـلـطـانـا عـلى اسرائيل وانقذتك من ربقة ((شاوول )) ((250)) لماذا استهنت بامر اللّه تعالى , وارتكبت عملا قبيحا لديه فضربت , (اورياه حت ي ) بالسيف , وفعلت مع زوجته فعلا قبيحا , انك قـتـلـتـه بسيف ((بني عمون )) ((251)) , والان لن يفارق بيتك السيف ابدا , والسبب في ذلك هو تحقيرك لي , اخذت امراة (اورياه حتى )) لتكون زوجتك , واللّه تعالى يقول ساشعل فتيل البلا عليك من قصرك وساخذ زوجاتك من امام عينيك واعطيهالصاحبك لانك قمت بهذا العمل سرااما انا فسانفذ العقاب في وضح النهار بمراى ومسمع بني اسرائيل .
وقـال داود لـ((ناثان )) : اني خالفت امر اللّه تعالى بارتكابي الذنب , وقال ((ناثان )) لداود ايضا : ان اللّه قد عفى عن ذنبك ولن تموت .
وقـدم داود الـتعازي الى زوجته ((بث شبع )) وقاربها , نام معها فانجبت ولداسماه (سليمان ) وقد احبه اللّه تعالى ((252)) .
تظهر في هذا المقطع من القصة بعض الملاحظات التي ينبغي التدقيق فيها :.
ا ـ لم يات الى داود من يطالب باجرا العدالة وانما جا اليه احد انبيا بني اسرائيل في ذلك العصر وقد كـان مـسـتـشارا لداود وذكر له على سبيل المثال احدالقصص للموعظة والنصيحة , ولم يتطرق الـحـديـث فـي هـذه الـقصة الى الاخوين , وانما اتجه البحث الى الرجل الغني والفقير والذي كان احـدهـمـايـملك قطيعا كبيرا من الابقار والاغنام والاخر لا يملك سوى نعجة واحدة , كماانه لم يـتـطـرق الحديث في هذا الموضع ايضا الى مسالة استدعا الشخص الاول من الثاني , بل غاية مافي الامر انه حينما قدم ضيف الى الرجل الغني ذبح النعجة التي ترعرعت على يد الرجل الثاني واعدها طعاما للضيف .
ب ـ ذهـب داود الى الاعتقاد بان مثل هذا الظالم يستحق القتل (ولماذايتوجه القتل من اجل اغتصاب نعجة واحدة ؟ ج ـ حكم داود باعطا اربع نعجات عوضا عن نعجة واحدة (فلماذا اربع مقابل واحدة د ـ اعترف داود بذنبه وعمله القبيح في صدد خيانته بزوجة ((اورياه )).
هـ وعفى اللّه تعالى عن داود (بهذه البساطة ؟ و ـ وقدر اللّه تعالى لداود جزا دنيويا واحدا وهو ان تقع نساه في ايدي اصحابه فيمارسون بهن هذا العمل في وضح النهار وبمراى من بني اسرائيل ز ـ وبالنتيجة اصبحت احد هذه النسا امالـ(سليمان ) وولد منها سليمان وكان اللّه تعالى يحبه ايضا؟ اذا اعتقدنا بنبوة داود من قبل اللّه تعالى , كما يقر بذلك جميع المسلمين ويؤيدها مقاطع من عبارات الـتـوراة , فليست هناك ادنى حاجة للبحث والمناقشة في منافاة هذه الاعمال لمقام النبوة ولا يقتصر هذا الامر على عدم انسجامه مع مقام النبوة بل يعتبر من احد الاعمال الاجرامية الكبرى .
والـذي يعد حدوثه من قبل شخص عادي امرا شاذا وغريبا من نوعه ويستحق العقاب , فكيف يمكن الـتصديق بان اللّه تعالى يعفو ويتسامح بهذه البساطة عن انسان قاتل عرض احد ضباطه للقتل عمدا , واقترف الزنابالمحصنة , ثم استولى على زوجته بعد ذلك ؟ واذا اعتبرناه ملكا من ملوك بني اسرائيل فقط ـ كما وردت احواله في كتاب الملوك والسلاطين من الـتـوراة ـ لايـقـبل منه ذلك ايضا على الاطلاق لانه ـ اولا ـلم يكن ملكا عاديا فالتوراة افصح عن عظمة داود ومقامه الشامخ في فصوله المختلفة , وانه هو الذي وضع الحجر الاساس للمعبد الكبير لـبني اسرائيل والذي لم يكتمل بناؤه في زمانه بسبب الحروب الكثيرة والقيت مسؤولية اكماله على ابـنـه سـليمان , ترى هل يمكن صدور هذا العمل من قائد يمتلك مقامامعنويا محمودا ويكون مسددا ومؤيدا من قبل اللّه تعالى ؟ ثانياـ من الكتب المعروفة للتوراة كتاب ((مزامير داود)) واناشيده الاعتقادية ومناجاته فهل يمكن ان تقع مناجاة ودعوات ((قاتل ارتكب الزنا بالمحصنة )) في ضمن الكتب السماوية .
الا انـنـا عندما نعود الى القرآن , نجد انه لا اثر عن اي حديث عن عشق داودواجرامه واقترافه لـلـذنـب ولا عـلى سائر فقرات هذه القصة الكاذبة , وانما وردالحديث عن حكاية لاحد المحاكم العادلة ـ وذلك بشكل جدي لا على شكل مثال ـ والذي سبق شرحه من قبل , ومما تجدر الاشارة اليه هـو خـلـو الـقـرآن مـن هـذه الـتهم , والنكتة التي ينبغي ذكرها في هذا الموضع ايضا هي ان من الـمـؤسـف وقـوع بـعض المؤرخين اوالمفسرين الاسلاميين تحت تاثير الاساطير الكاذبة للتوراة ونـقـلهم اى اها في كتبهم , ومن البديهي ان احاديث هذا النمط من الافرادلا تمتلك اي قيمة علمية وتاريخية وتفسيرية , وذلك لعدم وجود ادنى دليل على مقالاتهم في المنابع الاسلامية المعتبرة .
والجدير بالذكر هو مانقل عن الامام علي (ع ) قوله : ((لا اوتي برجل يزعم ان داود تزوج امراة اوريا الا جلدته حدا للنبوة وحدا للاسلام )) ((253)) .