1. ان عـقـائد اي قوم او شعب تشكل ركنا اساسا في ثقافتهم وانحطاط تلك العقائديدل على الانحطاط الثقافي والحضاري لهم . وعلى هذا الاساس , فعرب الجاهلية كانوا في ارذل درجات الانحطاط الثقافي والضياع حيث كانوا يـعـبـدون الاصـنـام الـتـي يصنعونها بايديهم ثم يرونها تتحكم في مصائرهم بل حاكمة على السما والارض احـيـانا وقد خاطب القرآن الكريم الرسول الاكرم (ص ) بصدد ذلك وبقوله تعالى : ( قل اتعبدون من دون اللّه ما لايملك لكم ضرا ولانفعا واللّه هو السميع العليم ) ((65)) . وبـالاضافة الى الاصنام الصغيرة فقد كانت لديهم ثلاثة اصنام كبيرة ذات شهرة خاصة في مجتمعهم تمثل بنات الرب وهي وسيلة للتقرب اليه , احدها ( مناة ) وكان ما بين المدينة ومكة المكرمة بالقرب من حافة البحر الاحمر , ولهذا الصنم احترام خاص عند كل العرب انذاك , فيقدمون اليه القرابين , واكثر القبائل احتراما وتقديساله قبيلة ( الاوس ) و ( الخزرج ). والـثـانـي في الطائف يعرف باسم ( اللا ت ) , وقد شيد في مكانه اليوم مسجدوكانت ( ثقيف ) من اكثر القبائل احتراما له . والثالث من الاصنام الكبيرة هو ( العزى ) وقد وضع في الطريق المؤدي الى العراق قريبا من منطقة ( ذات العرق ) ولقريش علاقة خاصة بهذا الصنم ,. وكـانـت اصـنـام اخرى للقبائل والعشائر بل وللعوائل ايضا اذ لا معنى لحياة عرب الجاهلية بدونها فمثلا لو ارادوا السفر الى مكان ما استاذنوا الصنم في ذلك ولهم في اسفارهم اصنام يصحبونها معهم . وقـد اشـار القرآن الكريم في سورة النجم الى ذلك بقوله تعالى : ( افرايتم اللا ت والعز ى # ومناة الثالثة الاخرى # الكم الذكر وله الانثى ) ((66)) . ومـن الـجـديـر بـالذكر في الحياة الجاهلية انهم كانوا يكرهون البنات ويئدونهن احيانا بالرغم من اعـتـقـادهم بان الملائكة بنات اللّه وهذه الاصنام تماثيل تلك الملائكة لذلك واجههم القرآن الكريم بمنطقهم وهو كيف تقولون : ان للّه بنات في الوقت الذي تكرهونهن فيه ؟. وقـد اسـتنكر القرآن وذم تلك الافكار الخرافية المنحطة بقوله تعالى : ( وجعلواالملائكة ال ذين هم عباد الرحمـن اناثا اشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسالون ) ((67)) . وقد جا الرسول الاكرم (ص ) يحارب هذه العقائد الضالة الناشئة من الظن والاهوا كما في ذيل الاية مـن سـورة الـنـجـم بـعد ان اشار الى الاصنام الثلاثة الكبيرة المعروفة قائلا : ( ان هي الا اسما سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل اللّه بها من سلطان ان يتبعون الا الظن وما تهوى الانفس ) ((68)) . صحيح ان المشركين قد تشبثوا بدليل واه ليبر روا به عبادتهم للاصنام فمن جملة قولهم : (ان ذات اللّه اعـلـى من ان يصل اليها العقل والفكر الانساني وهو منزه عن ان نعبده بصورة مباشرة ) , وعلى هذا الاساس فالذين وك ل اليهم امر خلقه وتدبيره هم الواسطة اليه وهؤلا هم الملائكة والجن وكل الـموجودات المقدسة فهؤلاارباب نعبدهم وهم الذين يقربوننا الى اللّه ( مانعبدهم الا ليقربونا الى اللّه زلفى ) ((69)) . وعـلـى هـذا فـان ايـدينا لا تصل الى هذه المقدسات فنضع لها تمثالا ثم نعبدها اصنامهم وفي تصورهم ان هناك وحدة واتحادا بين هذه الاصنام والوجودات المقدسة فهم يخاطبونها بالالهة والارباب . وهـم بـهـذه الـخرافات الواهية ابتعدوا عن اللّه سبحانه وتعالى وهو اقرب الى الانسان من نفسه , وبدلا من ان يتوجهوا الى اللّه الذي هو منبع الفيض والقدرة البصير الموجود في كل مكان لجؤوا الى مـخلوقات ممكنة لاحول ولاقوة ولاشعورلها بل انها مخلوقة بايدي عب ادها ومع ذلك فقد اجلسوا تـلـك الـمـخـلـوقـات المنحطة على عرش الربوية والالوهية ناسين بحر وعظمة الذات الالهية اللامتناهية ولاهثين ورا سراب .