علاقة المسلمين بغير المسلمين الاقليات الدينية والحكومة الاسلامية
تمهيد:.
مـن الـمـسائل التي تثار ضد الحكومة الاسلامية ويطبل ويزمر لها هي مسالة كيفية تعامل الحكومة الاسـلامـية مع الاقليات الدينية غير المسلمة ولكن ليس هذا من اجل تعقيد في المسالة , بل من اجل
امرين هما:.
الاول : عـدم اطلاع الكثير من الناس على قوانين وتعاليم الاسلام في هذه القضية ,والابتلا بمخالب
التعصبات الجافة .
الـثـانـي : هو الاعلام العدواني المضلل وسعي الاعدا لابعاد اتباعهم عن الشريعة الاسلامية , لانهم
يـعـلـمـون جيدا ان جاذبية التعاليم الاسلامية قوية الى درجة انها تؤثرعلى اتباع الاديان الاخرى
بـمـجـرد تـفهمها, ولذا يقول هؤلا لاتباعهم : ان الاسلام يتعامل بخشونة مع اتباع الاديان الاخرى ,
فابتعدوا عن المسلمين فـي حـين ان الاسلام يتعامل تعاملا اخويا مع اتباع المذاهب الاخرى , ويدعوهم دائما للعيش بسلام
جنبا الى جنب , وتفصيل الكلام في ذلك سيتضح في الابحاث القادمة .
وبـهـذه الاشارة , نرجع الى القرآن الكريم ونتعمق في دراسة الايات القرآنية ثم الروايات الواردة
في هذا المجال :.
1 ـ (لا ينهاكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا
الـيهم ان اللّه يحب المقسطين ـ انما ينهاكم اللّه عن الذين قاتلوكم فى الدين واخرجوكم من دياركم
وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فاولئك هم الظالمون )((421)) .
2 ـ (قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الاخر و لا يحرمون ما حرم اللّه و رسوله ولا يدينون
دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )((422)) .
3 ـ (ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتى هى احسن الا الذين ظلموا منهم و قولوا آمنابالذى انزل الينا
و انزل اليكم و اليكم والهنا و الهكم واحد و نحن له مسلمون ) ((423)) .
4 ـ (قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سوا بيننا و بينكم ان لا نعبد الا اللّه و لا نشرك به شيئا و لا
يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون اللّه فان تولوا فقولوا اشهدوا بانامسلمون )((424)) .
5 ـ (لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود و الذين اشركوا و لتجدن اقربهم مودة للذين آمنوا
الذين قالوا انا نصارى ذلك بان منهم قسيسين و رهبانا و انهم لايستكبرون )((425)) .
تفسير واستنتاج :.
الاية الاولى التي وردت بعد آيات تحذر المسلمين من عقد الصداقة مع اعدااللّه , وتذكرهم ببغض هـؤلا لـلنبي (ص ) والمسلمين , وايذائهم باليد واللسان للمسلمين الابريا, تقول : (لا ينهاكم اللّه عن
الـذيـن لـم يـقـاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان اللّه يحب
المقسطين ).
ثـم تـضـيـف للتاكيد الاقوى في مورد الذين يحاربون المسلمين وتقول : (انما ينهاكم اللّه عن الذين
قـاتلوكم فى الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فاولئك
هم الظالمون ).
وبـالـنظر في شان نزول هاتين الايتين والايات السابقة لهما في سورة ((الممتحنة )),وبملاحظة
القرآئن الموجودة في نفس الايات , يتضح تماما بان الايات ناظرة الى المشركين وعبدة الاوثان , فهي
تقسمهم الى مجموعتين : مجموعة قاتلت المؤمنين وآذتهم ولم تنثني عن كل مخالفة وممارسة عدائية
ضدهم , ومجموعة ثانية كانت مستعدة للعيش معهم بسلام .
ففي هذه الايات نجد منع الارتباط والتعامل مع المجموعة الاولى مع المجموعة الثانية , وعدت الذين
يـرتـبـطـون بالمجموعة الاولى من الظالمين , اما المتعاملين مع المجموعة الثانية فاعتبرتهم الاية
الشريفة من انصار العدالة .
واذا كان الحكم الالهي في مورد المشركين وعبدة الاوثان على هذا النحو, فهوفي مورد الكفار من
اهل الكتاب اولى .
واعـتـبـر بـعض المفسرين ان الامر الوارد في هذه الاية قد ينسخ , وان ناسخة هوالاية (5) من
سورة التوبة وهي قوله تعالى : (فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجد تموهم ).
ولكن وبقرينة ان هذه الاية بشهادة سائر آيات سورة التوبة , نازلة في شان المشركين الذين ينقضون
الـعـهـد, والـذين اعلنوا العدا للمسلمين , يتضح لنا تماما بان الاية لم تنسخ , بل ان آيات سورة التوبة
مرتبطة بالمجموعة الاولى .
وروى بـعض المفسرين في مورد هذه الاية ان زوجة ابي بكر المطلقة قد جات لابنتها ((اسما))
ببعض الهدايا من مكة , ولما كانت لا تزال مشركة , امتنعت اسما من قبول تلك الهدايا منها, حتى انها لم
تسمح لامها بالدخول عليها, فنزلت الاية اعلاه ,وامرها الرسول الاكرم (ص ) ان تستقبل امها وتقبل
هديتها وان تحترمها((426)) .
وعلى اي حال , يستفاد من هذه الايات , اصل عام كلي في كيفية تعامل المسلمين مع غير المسلمين , بلا
تـحديد ذلك بزمان او مكان خاص , وهذا الاصل هو ان المسلمين مكلفين بسلوك طريق السلم مع كل
فـرد او مـجـمـوعـة او مجتمع اودولة لا تتخذ موقفا معاديا لهم , او تحارب الاسلام والمسلمين
وتنصر اعداهم ,سوا كان هؤلا مشركين او كانوا من اهل الكتاب .
وحـتى لو كانت مجموعة او دولة تقف في صف اعدا الاسلام ثم تراجعت عن ذلك وغيرت سياستها,
فـان عـلى المسلمين ان يقبلوهم وان لا يعادوهم , فالمعيار هوالموقف الراهن لاولئك تجاه الاسلام
والمسلمين .