التربية والتعليم في الاسلام :
2.وردت فـي القرآن الكريم ايات كثيرة في ((التعليم )) و ((التعلم )) و ((نشر العلم )), وذكركل
تلك الايات لا يسعه هذا المختصر ولذا سنشير هنا الى بعض تلك الايات فقط:.
1 ـ (اللّه الذى خلق سبع سماوت ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا ان اللّه على كل شى
قدير وان اللّه قد احاط بكل شى علما)((285)) .
2 ـ (كـما ارسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم
مالم تكونوا تعلمون )((286)) .
3 ـ (ربـنـا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك انت
العزيز الحكيم )((287)) .
4 ـ (وما ارسلنا من قبلك الا رجالا نوحى اليهم فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون )((288)) .
5 ـ (ومـا كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذر
قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون )((289)) .
6 ـ (يـؤتـى الـحـكـمـة مـن يـشـا ومـن يـؤت الـحـكـمة فقد اوتى خيرا كثيرا وما يذكر الا
اولواالالباب )((290)) .
7 ـ (ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب اولئك يلعنهم اللّه
ويلعنهم اللا عنون )((291)) .
فـبـنظرة اجمالية الى هذه الايات السبع التي انتخبناها من بين عشرات الايات القرآنية حول التعليم
والتربية , يتضح لنا اهتمام الاسلام البالغ بهذا الامر المهم .
ففي الاية الاولى , يعتبر العالم كله بمثابة جامعة خلقت جميع الموجودات فيه لتعليم الانسان وزيادة
اطـلاعه , والهدف هو ان يتفكر الانسان في اسرار هذه الكائنات , فيتعرف على علم وقدرة الخالق ,
وبتعبير آخر, الهدف من عالم الخلقة كله هو العلم والمعرفة حيث يقول عزوجل :.
(اللّه الذى خلق سبع سماوت ومن الارض مثلهن كل شى قدير )((292)) .
وهـذا فـي الحقيقة مطلب ظريف وهو ان خلق السماوات وخلق الارضين وتدبيرهما الدائمي , يكون
وسيلة لتحريك حس الاطلاع عند الانسان للتفكر والتامل في اسرار العالم , وبالنتيجة التيقن من علم
اللّه وقـدرته , فكل تلك الامور اذن مقدمة لتربية النفس الانسانية والقرب الى اللّه , وللاطلاع على
ان احكام الشريعة كاحكام الخلقة , مبتنية على حسابات دقيقة , فالخلقة اذن من اجل العلم .
وتشير الاية الثانية الى الهدف من بعثة نبي الاسلام (ص ), وتعتبره ان الهدف هوالتعليم والتربية في
ظل تلاوة آيات اللّه , حيث تقول :.
(كـما ارسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم مالم
تكونوا تعلمون ).
فـهـنـا لـم يحصر الهدف من البعثة في تعليم الكتاب والحكمة , بل تعليم الامور التي لم يكن بالامكان
التعرف عليها الا بنزول الوحي , ولذا يقول : (ويعلمكم مالم تكونواتعلمون ).
وبـهـذا يـكـون الـهدف من الخلقة تطوير المعرفة , والهدف من البعثة كذلك هوتوسعة ونشر العلم
والحكمة وتهذيب وتربية النفوس .
والـمـسـتـفـاد من الاية الثالثة هو ان هذا الهدف الكبير اي التربية وتعليم والحكمة ,ورد في دعا
ابراهيم الخليل (ع ) لهذه الامة , حتى انه يطلب ذلك من اللّه عزوجل ويقول :.
(ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك انت العزيز
الحكيم ).
وهذا يدل على ان هذين الهدفين (التربية والتعليم ) كانا من الاهداف المعروفة في الامم السابقة ايضا
.
والملفت للنظر هو انه ورد في هذه الاية وبعض الايات الاخرى الواردة في هذاالمضمار, الحديث
عـن تـعليم الكتاب وتزكية النفس اضافة الى تعليم الحكمة , وفيمايرتبط معنى ((الحكمة )) وردت
تفسيرات كثيرة ومختلفة .
الاول : ان الـمراد منها هو العلوم الدينية والتعرف على احكام الدين , والثاني : ان المراد منها هو سنة
النبي الاكرم (ص ), لانها ذكرت الى جنب كتاب اللّه , وقال البعض الاخر ان المراد من الحكمة هو
الـعـلامات والفوارق التي تميز الحق من الباطل , وقيل ايضا ان الحكمة بمعنى الايات المتشابهة التي
لابد ان يعلمها الرسول بنفسه للاخرين((293)) .
لكن وبالتامل في اصل لفظ ((الحكمة )) في اللغة , والتي جات بمعنى المنع من الجهل والخطا, ووضع
كـل شـي فـي موضعه , يبدو ان المراد من الحكمة هنا الاطلاع على اسرار وعلل ونتائج الاحكام ,
واسرار خلقة الكون والانسان , ومصيره ونهايته .
وفـي الايـة الـرابعة اشارة الى قاعدة كلية هي اساس مسالة التربية والتعليم , حيث يقول عزوجل :
(فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ).
وهـذه الايـة وان وردت فـي صفات الانبيا السابقين (ع ) وانهم كانوا من جنس البشر, وانه لا فرق
بـينهم وبين سائر البشر في الظاهر, ولكننا نعلم ان مورد الاية لايحدد مفهومها الوسيع , بل الحكم
باق على عموميته .
وهـذا في الواقع اصل اساسي يذعن بصحته كل عقلا العالم , وهو ان غير اهل العلم يتعلمون من اهل
الـعـلم , اذ ان العلوم والمعارف الحقيقة محصول التفكروالتامل والتجارب التي اكتسبها القدما, والتي
يـضـعـونها تحت اختيار الاجيال القادمة , وهؤلا يضيفون عليها ويسلمونها للاجيال اللاحقة , وهكذا
يـتكامل العلم والمعرفة البشرية يوما فيوما, كذلك ولهذا الدليل تعتبر مسالة التربية والتعليم الاساس
الاول لكل تطور ورقي اجتماعي في البعد المعنوي والمادي .
ونـقـلـت عـبـارة عن الغزالي توضح هذا المطلب اكثر, وهي انه سئل عن كيفية حصوله على هذه
الاحاطة العلمية باصول وفروع الاسلام , فاجاب بتلاوة هذه الاية :(فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا
تعلمون )((294)) .
وقـد فـسـرت الـروايـات الـعـديـدة الـوادة عـن ائمـة اهـل الـبـيت (ع ), الذكر بمعنى الائمة
الـمـعـصـومـين (ع )((295)) ولكن وكما تعلم ان هذه التفاسير ليست بمعنى الحصر,بل في بيان
المصداق الاتم والاكمل لها, وشبيه هذا المعنى نلاحظه في تفسير كثيرمن آيات القرآن .
والاية الخامسة تقسم المسلمين الى مجموعتين : ((المعلمين والمتعلمين )) وفي الواقع لابد ان يكون
المسلم فردا من افراد احدى المجموعتين , فاما ان يكون معلمااو متعلما حيث يقول عزوجل :.
(ومـا كـان الـمؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا
قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون ).
وقـد اسـتـنـد كـثـير من العلما على طول التاريخ على هذه الاية الشريفة لاثبات لزوم تعلم العلوم
الاسـلامية لابلاغها الى الاخرين بعنوان الواجب الكفائي , مضافا الى انهم يوجبون التعلم للعمل على
الجميع وجوبا عينيا.
وفـى عـالـم الـيوم , يعتبر طلب العلم في كثير من الدول الزاميا, فيجب على كل طفل ان يتعلم والا
اسـتـدعي وليه من قبل الجهات المسؤولة , ولكن التعليم ليس الزاميا في اي مكان من العالم , بل الناس
مخيرون بين انتخاب التعليم وعدمه .
وامـا فـي الاسلام , فانه كما يعتبر تحصيل العلم واجبا, فكذلك تعليم الاخرين فان فيه جنبة الالزام
والـوجوب , واحد الادلة على ذلك هو نفس آية النفر هذه , فانهامن جهة توجب تحصيل العلم بجملة
(فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة )((296)) .
ومـن جـهة اخرى فانها توجب التعليم , بجملة (ولينذروا قومهم اذا رجعوااليهم )ولا شك في ان كل
ذلك ومقدمة للقيام بالتكاليف الالهية , والذي تخلص في جملة : (لعلهم يحذرون ).
ولـهـذا, فـان بعض علما الاسلام , كان احيانا يطوي المسافات البعيدة لايام عديدة وينتقل من بلد الى
آخـر لـتـعـلـم حـديـث واحد ((الـمدينة )) الى ((مصر)) ليسمع حديثا واحدا من احدالعلما الذي كان يروي ذلك الحديث , ولذا
قـيـل بـان احدا لا يصل الى مرحلة الكمال الا بالسفر (والالتقا بعلما البلاد المختلفة والاستفادة من
علومهم وتجاربهم ), وان احدا لا يصل الى مقصوده الا بالهجرة((297)) .
ونـقرا فى قصة الخضر وموسى (ع ) والتي وردت الاشارة اليها في سورة الكهف كيف ان هذا النبي
الـكـبـير (موسى ), كان قد طوى طريقا طويلا وشاقا حتى وصل الى هذا العبد الصالح (الخضر)
وتعلم شيئا من علومه .
وفـي الايـة الـسـادسـة نواجه تعبيرا مهما آخر حول تعلم العلم والمعرفة , يقول عزوجل : (يؤتى
الحكمة من يشا ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا وما يذكر الا اولوا الالباب ).
بـداهـة ان المنظور من تعبير (من يشا) ليس هو ان يعطي اللّه الحكمة والعلم لهذاوذاك بلا مبرر
وبـدون مـقدمة , بل وكما تعلم فان ((مشيئة )) اللّه وارادته منسجمة دائمامع ((حكمته )), اي انه
يـؤتـي الـحـكمة من كان لائقا بها, وهذه اللياقة انما يحصل عليهاالانسان عن طريق الجد والسعي
وتـحمل عنا ومشقة تحصيل العلم , او بواسطة جهاد النفس والتقوى التي تعتبر منبع النظرة الصائبة
والفرقان الالهي .
والـلـطيف في هذا الامر هو ان الاية الكريمة تعبر عن العلم والحكمة بعبارة (خيراكثيرا) وهو
تعبير جامع يشمل كل الحسن والخير, خير الدنيا والاخرة , والخيرالمادي والمعنوي , والخير في
كل الجهات .
وللمفسر الكبير, المرحوم العلامة الطباطبائي (ره ) نكتة في هذا المقام يقول : ان جملة (ومن يؤت
الـحكمة ) جات بصيغة المبني للمجهول , في حين ان الجملة التي قبلها جات بصيغة المعلوم حيث قال
تـعـالى (يؤتى الحكمة من يشا) وماذاك الا ليبين بان الحكمة والمعرفة ذاتا منبع خير كثير, لا من
جهة الانتساب الى اللّه المتعال فقط, بل ان ذات وحقيقة العلم خير كثير))((298)) .
والاية الاخيرة , اشارة الى بعد آخر في هذه المسالة , حيث ورد فيها ذم شديدلاولئك الذين يكتمون
العلم والمعرفة , حيث يقول تعالى :.
(ان الـذيـن يـكـتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب اولئك يلعنهم اللّه
ويلعنهم اللا عنون ).
والـتـعبير بلعن اللّه ولعن اللاعنين من اشد التعبيرات التي استعملت في القرآن المجيد في ذنب من
الذنوب , وهذا دليل على قبح كتمان العلم والهدى الى ابعدالحدود, بالخصوص تلك العلوم والمعارف
التي تكون اساسا لهداية الناس .
وفـي الايـة الـتي تلي هذه الاية مباشرة من سورة البقرة , ذكر تعالى الطريق الوحيدللتوبة من هذا
الـذنب الكبير وهو تبيين المسائل المكتومة بعد الندم والعودة الى اللّه ,وهذا بنفسه دليل واضح على
ان جـبران ((كتمان العلم )) لا يتحقق الا بتبيينه حيث يقول تعالى : (الا الذين تابوا واصلحوا وبينوا
فاولئك اتوب عليهم وانا التواب الرحيم ).
وهـذه الاية وان نزلت في اهل الكتاب الذين كتموا علامات نبي الاسلام (ص )المذكورة في كتبهم ,
الا ان مفهومها اوسع من ذلك , فتشمل كتمان كل علم من العلوم يكون سببا في هداية الناس , والروايات
الـواردة عـن الـمـعـصومين (ع )تشهد بهذا الامر وان المراد من العلم مفهومه المطلق , يقول النبي
الاكرم (ص ):((من سئل عن علم يعلمه فكتمه , الجم يوم القيامة بلجام من نار))((299)) .
وفـي حديث آخر عنه (ص ) نلاحظ تعبيرا اوضح من الاول حيث يقول (ص ):((من كتم علما نافعا
عنده , الجمه اللّه يوم القيامة بلجام من نار))((300)) .
ومن الواضح ان هذا التعبير يشمل كل العلوم المفيدة للانسان في مجال من المجالات .
وقـد نقل هذا المعنى بصراحة في حديث اخر عنه (ص ) ايضا حيث يقول (ص ):((من علم شيئا فلا
يكتمه ))((301)) .