صفات المستشارين :
مـما لا شك فيه ان الطرف الذي يشاوره الانسان , وخاصة في الامور المهمة والمسائل الاجتماعية الـحـسـاسـة , لا يمكن ان يكون اي شخص كان , بل يجب ان يمتلك صفات خاصة تجعله فردا صالحا
للمشورة , ولهذا السبب نجد الروايات الاسلامية وصفت مجموعة من الناس بانهم ((افراد جديرون
بالمشاورة ) ومجموعة اخرى بانهم ((غير جديرون )).
ويقول الامام الصادق (ع ) في حديث مروي عنه :.
(ان الـمـشورة لا تكون الا بحدودها الاربعة فاولها ان يكون الذي تشاوره عاقلا,والثاني ان يكون
حـرا مـتـديـنـا, والـثـالـث ان يـكون صديقا مؤاخيا, والرابع ان تطلعه على سرك فيكون علمه به
كعلمك )((92)) .
ونطالع في حديث آخر عن الامام علي (ع ) انه قال :.
(خير ما شاورت ذووا النهى والعلم واولوا التجارب والحزم )((93)) .
وورد فـي الـنـقـطـة الـمـقـابـلة لهذا المعنى , نهي شديد عن المشورة مع الافراد((البخلا)) و
((الجبنا)) و ((الحريصون )) و ((الحمقى )), اذ قال النبي الاكرم (ص ) للامام علي (ع ):.
(يا علي لا تشاور جبانا فانه يضيق عليك المخرج , ولا تشاور البخيل فانه يقصر بك عن غايتك , ولا
تشاور حريصا فانه يزين لك شرها)((94)) .
كما ورد النهي في الروايات ايضا عن مشاورة الافراد الحمقى والجهلاوالكذابون .
ويستفاد مما تقدم ان المستشارين ـ وخاصة في الامور المهمة ـ يجب ان يكونوامن الاذكيا, والعقلا,
والـمـحسنين , وذوي التجربة , والصادقين , والامنا, والشجعان والاسخيا, وان فقدان او زوال كل
واحدة من هذه الصفات يوجب وهن وتخلخل اركان واسس المشاورة .
وعـلـى سـبـيـل الـمثال عندما يكون المستشار فردا احمقا وجاهلا, فانه سيقلب الحقائق للانسان ,
وبـالـشـكل الذي ورد ذكره في الاحاديث , فاذا اراد ان يحسن اليك فسوف ينقلب الى شر جـبانا فانه سيحول دون الاقدام المناسب والحزم في الامور, فتذهب تلك الفرصة السانحة , ولو كان
كـذابـا ـ وكما تعبر الروايات عنه ـ يقرب اليك البعيد, ويبعد عنك القريب ويشبه في ذلك السراب
الـذي يخدع العطاشى في الصحرا ولو كان بخيلا يحول دون اعمال الخير ويخوفك دائما من الفقر
وعـسـرالحال , ولو كان قليل التجارب او عديمها, فانه سيؤدي الى العبث وافشال البرامج والمناهج
الـبـنـاة , ولـو كـان حـريـصـا فـانـه سـيدعوك الى ممارسة الظلم والعدوان لكي يطفي بذلك نار
الحرص ((95)) .
ومـن خـلال ما تقدم ذكره من الملاحظات يجب ان نتوخى الحذر الشديد في اختيار من نستشيرهم ,
وخـاصـة فـي الـمـسائل الاجتماعية المهمة التي تاخذ بنظرالاعتبار حقوق الاخرين , وان تؤخذ
المعايير الانفة الذكر بنظر الاعتبار بشكل دقيق .
وهـنـاك مـلاحـظة اخرى جديرة بالذكر ايضا, اذ ان المشاورة في الاسلام تؤدي الى ايجاد الحق
بـمـعـنـى ان الشخص المستشار اما ان لا يقبل المشاورة , او يقبلها ولكن بشرط ان يراعي حق ادا
الامـانة في ذلك , وان يجعل بين يدي من استشارة ما يرى فيه الخير والصلاح , وبغير ذلك فانه يعد
((خائنا)) ونقرا في حديث ورد عن رسول اللّه (ص ):.
(من استشارة اخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلب اللّه لبه )((96)) .
وورد في حديث آخر عن الامام امير المؤمنين (ع ): (خيانة المستسلم والمستشير من افظع الامور
واعظم الشرور وموجب عذاب السعير)((97)) .
ان الـحـديـث عـن الـمشاورة وفروعها وما يتعلق بها واسع جدا, وما جا اعلاه يعدغيضا من فيض
وعصارة من هذه الابحاث التي تساعد على فتح الطريق امام الابحاث اللاحقة .
ونختتم بحثنا هذا بمقطع جميل آخر من الشعر الذى يتناول صفات المستشارين :.
لا تستشر غير ندب حازم فطن ـــــ قد استوى منه اسرار واعلان .
فللتدابير فرسان اذا ركظوا ـــــ فيها ابروا كما للحرب فرسان((98)) .