فريقان ياخذهما الفزع من تشكيل الحكومة الاسلامية
مـع كـل مـا تـقـدم ـ وطـبقا للادلة اليقينية ان ـ ((الاسلام بدون حكومة )) اسلام ممسوخ , فارغ الـمـحـتـوى , وفي الواقع ((فهو اسلام بدون الاسلام )), فمع كل ذلك لازال هناك فريق يصر و
يـخالف مسالة تشكيل الحكومة الاسلامية , وعلة هذه لمخالفة ـ في الواقع ـ امران احدهما له صبغة
نفسية , والاخر له صبغة روائية .
امـا الـعـامـل الـنـفسي فهو انهم يعيشون ذكرى مرة من الحكومات , واعتقادهم بعجزكل واحد في
الـظـروف الـراهنة من تشكيل الحكومة الاسلامية وبسط العدل الالهي ,نظرا للضغوط المستمرة
الـموجهة الى الحكومة من الداخل من قبل الجناح المتشدداملا في انتهاك حدود القوانين الاسلامية
وضرب العدالة الاجتماعية , و تقديم الشعارات الفارغة على ضوابط الكتاب والسنة المعروفة .
و من جهة اخرى , فهناك الضغوط الواردة من الخارج , والمؤامرات المحبوكة للاجانب التي بقوم بها
عـملاهم من العناصر ((السرية )) و ((العلنية )) تحول دون مواصلة الحكومة الاسلامية طريقها,
تـسبب في حرفها حتما عن مسيرها الحقيقي لتضعها في خدمة اهدافهم ولهذا السبب , نرى الحكومة
الاسلامية الحقيقية غير قابلة للتطبيق عمليا.
وهم يستدلون على عمهم هذا بقضية الحكومة الدستورية حيث ان علما الدين قد توغلوا فيها بكل ما
اوتـوا من قوة , ليعكسوا للعالم تشكيلة الحكومة الاسلامية (اوما يماثلها ولو من بعض الجهات ) لكن
رغـم كـل تلك الجهود, فقد وقف مؤيدوا الخطالمنحرف الداخليين والاجانب وقفة رجل واحد في
خاتمة المطاف و استبدلوهابحكومة مستبدة ظالمة .
امـا من الناحية الروائية فهم يتمسكون بالروايات القائلة : ((كل راية ترفع قبل قيام القائم فهي راية
ضلال )) الطائفة الاولى :.
وفـيـهـا اشـارة الى انه ما لم يحن الوقت للثورة في وجه سلاطين الجور والحكومات الظالمة , فلا
تحركوا ساكنا, مثل :.
1 ـ الرواية التي ينقلها ((ابو المرهف )) عن ((الامام الباقر))(ع ) حيث يقول :.
((الـفـبـرة عـلـى مـن اثـارهـا, هـلـك الـمـحـاصـيـر, قـلت جعلت فداك وما المحاصير؟قال :
المستعجلون ))((40)) .
2 ـ ونقرا في حيث اخر عن الامام الصادق (ع ) عن آبائه الكرام في وصية النبي (ص ) لعلي (ع ) انه
قال : ((يا علي , ان ازالة الجبال الرواسي اهون من ازالة ملك لم تنقض ايامه ))((41)) .
3 ـ وجـا فـي حـديـث عن ((عيسى بن القاسم )) ان الامام الصادق (ع ) قال : ((اتقوااللّه وانظروا
لانـفـسـكم , فان احق من نظر لها انتم ثم اضاف (ع ) قائلا: ان اتاكم مناآت ليدعوكم الى الرضا منا
فـنـحـن نـشـهدكم انا لا نرضى , انه لا يطيعنا اليوم وهووحده , وكيف يطيعنا اذا ارتفعت الرايات
((42)).
؟ 4 ـ نقرا في نهج البلاغة عن امير المؤمنين (ع ):.
((الـزمـوا الارض واصـبـروا عـلى البلا ولا تحركوا بايديكم وسيوفكم في هوى السنتكم ولا
تـسـتـعجلوا بما لم يعجله اللّه لكم , فانه من مات منكم على فراشه وهوعلى معرفة حق ربه وحق
رسوله واهل بيته مات شهيدا, ووقع اجره على اللّه ,واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله , وقامت
النية مقام اصلاته لسيفه فان لكل شي مدة واجلا))((43)) .
لا شك ان هذه الطائفة من الاخبار لادلالة لها لا من قريب ولا من بعيد على النهي عن اقامة الحكومة
الاسـلامـية قبل ظهور المهدي (عج ), بل الشي الوحيد الذي تتضمنه هو تحين الفرض , وعدم البد
بهذه الامور قبل توفر الفرصة المناسبة , لانكم ستدفعون ثمنا غاليا وخسائر فادحة دون اية نتيجة
تذكر.
بـل ربـمـا يـكـون مفهوم هذا الكلام عكس ما يتوقعه هؤلا, وهو انه متى ما تهيات الظروف لتشكيل
الحكومة الاسلامية , فعليكم بها.
وهـذه الرويات ـ في الواقع ـ هي نفس ما جا في الخطبة الخامسة من نهج البلاغة , حيث يقول (ع ):
((ومـجـتـنـي الثمرة لغير وقت ايناعها كالزارع بغير ارضه ))اذلن يحصل اي منهماعلى النتيجة
المتوقعة ).
والـطـائفـة الاخـرى مـن هذه الروايات تقول : يجب ان تكون توجه الثورة الناس الى الرضا من آل
محمد(ص ), اي ان الدعوة للائمة المعصومين (ع ) واهدافهم , وعدم جواز الثورة بدونهم .
من جملتها ما نقراه عن الامام الصادق (ع ) حيث يقول :.
((ان اتاكم آت منا فانظروا على اى شي تخرجون ؟ ولا تقولوا خرج زيد, فان زيدا كان عالما وكان
صـدوقا ولم يدعكم الى نفسه وانما دعاكم الى الرضا من آل محمد, ولو ظهر لوفى بما دعاكم اليه ,
انـمـا خـرج الـى سلطان مجتمع لينقضه ,فالخارج منا اليوم الى اى شي يدعوكم ؟ الى الرضا من آل
مـحـمد؟ فنحن نشهدكم انا لسنا نرضى به وهو يعصنا اليوم وليس معه احد, وهو اذا كانت الرايات
والالوية اجدر ان لا يسمع منا))((44)) .
مـن البديهي ان هذا الحديث وامثاله لا يدل ايضا على النهى عن تشكيل الحكومة الاسلامية , بل يقول :
يـجـب ان يـكـون الـهدف من تشكيل الحكومة هو ادخال السرورعلى الائمة (ع ) وكسب رضائهم ,
باعتبارهم الخلفا الحقيقيين للنبي (ص ), ولايجب البد بهذا العمل عشوائيا بدون موافقتهم وعلى هذا, فمتى ما توفرت الظروف المناسبة في عصر ((الغيبة )) لتشكيل الحكومة الاسلامية , و
تـيـقـنـا بان الامام (عج ) راض عنها, و كان الهدف من تشكيلها هواحيا الاسلام والقرآن وارضا آل
محمد(ص ), فلا مانع منها, بل يجب السعي اليهاايضا (تامل جيدا).
الثالثة : من الروايات , تقول : كل ثورة تقوم قبل قيام القائم (ع ) فان مصيرها الفشل ,كالروايات ادناه :.
1 ـ نـقـرا في حديث عن ابي بصير عن الامام الصادق (ع ) انه قال : ((كل راية ترفع قبل قيام القائم
فصاحبها طاغوت يعبد من دون اللّه عزوجل ))((45)) .
2 ـ ونـقرا في حديث آخر عن ((الحسين بن خالد)) انه قال : قلت لابي الحسن الرضا(ع ): ان عبد
اللّه بـن بـكير كان يروي حديثا وانا احسب انه اعرضه عليك , فقال :ما ذلك الحديث ؟ قلت : قال ابن
بـكـيـر: حـدثـني عبيد بن زرارة قال : كنت عند ابي عبداللّه (ع ) ايام خروج محمد بن عبداللّه بن
الـحسن((46)) اذ دخل عليه رجل من اصحابنا فقال له : جعلت فداك ان محمد بن عبداللّه قد خرج
فما تقول في الخروج معه ؟ فقال : ((اسكنوا ما سكنت السما والارض )), فقال عبد اللّه بن بكير: فان
كـان الامـر هـكـذا و لـم يـكـن خـروج ما سكنت السما والارض فما من قائم و ما من خروج فقال
ابـوالـحـسـن (ع ): ((صـدق ابـوعـبـداللّه (ع ) ولـيـس الامر على ما تاوله ابن بكير, انما عنى
ابـوعـبـداللّه (ع ) اسـكـنوا ما سكنت السما من الندا)) (الندا الخاص الذي ياتي من السما قبل قيام
القائم (ع ), والارض من الخسف بالجيش (اي السفياني الذي يحكم قبيل ظهور المهدي (ع )((47))
.
و يستفاد من هذا الحديث ايضا انه لا ينبغي الثورة قبل قيام المهدي (ع ).
3 ـ وفـي حديث آخر عن ((سدير)) (من اصحاب الامام الصادق (ع ), ان الامام (ع )قال له : ((الزم
بـيتك وكن حلسا من احلاسه , و اسكن ماسكن الليل والنهار, فاذا بلغك ان السفياني قد خرج فارحل
الينا ولو على رجلك ))((48)) .
((السفياني )) احد الجلادين والحكام الظالمين ويظهر قبل قيام المهدي (ع ), ويرسل الجيوش الى
مـنـاطـق مختلفة , من جملتها الجيش الذي ببعثه الى المدينة المنورة فيصل الى الصحرا القربية من
المدينة , فتحدث زلزلة هناك و تنشق الارض لتبتلعه و جيشه وهـنـا لـك روايـات كثيرة اخرى بنفس هذا المضمون , وهو عدم جواز القيام ما لم تظهر علامات
ظـهـور الـمـهدي (ع ), كرواية ((عمرو بن حنظلة )) عن الامام الصادق (ع ),ورواية المعلى بن
خنيس عنه (ع ), ورواية جابر عن الامام الباقر(ع )((49)) , و.