الركن الثالث الجهاز القضائي في الحكومة الاسلامية
تمهيد:.
ان الـقـضا والتحكيم لحل الاختلافات ورفع المشاجرات موجود بين الناس من قديم الايام حتى في المجتمعات البدائية كان هناك نوع من التحكيم لحل الاختلاف من قبل رئيس القبيلة او بعض اقربائه
او يـتم تعيين شخص لهذا الغرض , وفي الحقيقة انه من العسير ان يذكر تاريخ بداية القضا سوى ان
تقول ان عمره يتزامن مع عمرالمجتمعات البشرية .
والـدليل على ذلك واض , لانه كما اننا نعلم بان حياة الانسان هي حياة اجتماعية ,وبدون شك ان هذا
الـنـوع مـن الـمعيشة بالرغم من الايجابيات يعتبر ميدان خصب لنشؤ الاختلاف والتضاد, وبعبارة
اخـرى , ان هـذه الـحـياة الاجتماعية بالرغم من انهاتعتبر منبعا لمنافع كثيرة وبركات للمجتمعات
الـبـشـرية وتؤدي الى التطور المادي والمعنوي , الا انها تحتوي ايضا على نقاط سلبية ومشكلات
عـديـدة , وتـتـلخص في الصراعات التي تظهر دائما لدفع التجاوز وارجاع الحق الى اهله , فلولا
وجـود الجهازالقضائي الصحيح لحلها, تبدلت المجتمعات البشرية الى ميدان للصراع الدائم والدامي
يحرق الاخضر واليابس .
ومـن الـجـديـر بـالـذكر الى ان هذا الصراع والاختلاف والذي يكون تارة بين اثنين اواكثر من
الاشـخاص , وتارة اخرى بين قبيلتين او دولتين ليس من الضروري ان يكون نابعا من روح العدوان
والانانية واتباع الهوى بل لو فرضنا وجود مجتمع يكون مصداقا تاما للمدينة الفاضلة , وكان جميع من
فـيـها على اعلى مستويات الايمان والاخلاق والتقوى والثقافة الانسانية , فمع ذلك يمكن لاختلاف
الاذواق وعـدم الاطـلاع عـلـى جـزئيـات الـحـقوق الاجتماعية والقوانين الموضوعة ان تكون
سببالظهور الخلافات في تشخيص الحقوق الحقة للافراد.
عـلـى هـذا الاسـاس يـكون وجود القوة القضائية على كل الاحوال جزا لا يتجزاعن المجتمعات
الانسانية وبدونها لا يمكن العيش في مختلف السطوح والمستويات الثقافية والفكرية .
ومـن الـبديهي ان القوة القضائية تتوسع وتتعمق بموازاة توسع المجتمعات البشرية , لانه مضافا الى
زيـادة الـتـعداد الكمي وكثرة الصراعات بسبب كثرة الروابطنلاحظ زيادة في كيفية الصراعات
وتنوعها, فلو لم تتوسع القوة القضائية بموازاة توسع المجتمع لكان الجانب الاجتماعي مهددا بالخطر
بسبب الاختلافات العميقة والخطرة .
وخـلاصـة الـكلام : ان من الضروري وجود جهاز قضائي مقتدر مع ضمانات كافية لاجرا الاحكام
وتـعـمـيـم العدالة الاجتماعية ومنع الظلم والفساد, ووضع نهاية للصراعات والمنازعات والتنفيذ
الـصـحيح للقوانين , وكذلك الرقابة الدقيقة على الاجهزة التنفيذية , وتعريف المسؤولين في مختلف
الـمـراتـب بوظائفهم , وبذلك اعطى الدين الاسلامي اهمية بلغة لهذه المسالة ووضع لها المقررات
الكثيرة والمتنوعة , لانه دين الحياة الحقيقية للبشرية بمضمون قوله تعالى :.
(يا ايها الذين آمنوا استجيبوا للّه وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم )((179)) .
نكتفي بهذه الاشارة ونرجع الى القرآن الكريم حيث اشار الى هذا الموضوع في عدة آيات , منها:.
1 ـ يقول القرآن الكريم مخاطبا النبي الاكرم (ص ):.
(انا انزلنا اليك الكتاب بالح لتحكم بين الناس بما اراك اللّه ولا تكن للخائنين خصيما)((180)) .
2 ـ ويقول في موضوع آخر مخاطبا الرسول الاكرم (ص ) بالنسبة الى التحكيم لغير المسلمين :.
(وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان اللّه يحب المقسطين )((181)) .
3 ـ ويقول في مكان آخر مخاطبا جميع المؤمنين :.
(ان اللّه يـامـركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ان اللّه نعما
يعظكم به ان اللّه كان سميعا بصيرا)((182)) .
4 ـ ومـن جهة اخرى يوصي المؤمنين بالخضوع والتسليم لحكم النبي (ص )وعدم اظهار التبرم لا
في الظاهر ولا في الباطن , والقبول بالحق والعدل بالروح والبدن مهما كان الحق مرا, ويقول :.
(فـلا وربـك لا يـؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا من انفسهم حرجا مماقضيت
ويسلموا تسليما)((183)) .
5 ـ ويقول ايضا:.
(انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى اللّه ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعناواولئك هم
المفلحون )((184)) .
6 ـ ويـؤكـد الـقـرآن الكريم حتى على على مسالة الشهادة في المحاكم والتي هي احدى المقدمات
المهمة في القضا بالحق والعدالة , ويخاطب جميع المؤمنين قائلا:.
(يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين للّه شهدا بالقسط ولا يجر منكم شنن قوم على ان لا تعدلوا اعدلوا
هو اقرب للتقوى واتقوا اللّه ان اللّه خبير بما تعملون )((185)) .
فـعلى هذا الاساس لا يمكن لاي شي ان يخل بالحق والعدل في المجتمع الاسلامي فالشهادة ينبغي ان
تكون عادلة سوا في حق الصديق و العدو, والقضايجب ان يدور حول محور العدالة ويكون الاقرب
والابعد بالنسبة اليه على حد سوا.