تفاوت كيفية القضا في الاسلام عن المدارس المادية :
تـوجـد اليوم في العالم مجالس قضائية كثيرة وهي جذابة بظاهرها ولكن متى ماقايسنا محتوى تلك الـمجالس القضائية الى المجالس القضائية الاسلامية , نجد بان تلك المجالس المادية خاوية وسخيفة
وخاصة نجد هذه التفاوتات ادناه واضحة فيها:.
1 ـ يـنبغي على القاضي الاسلامي ان يكون صاحب نظر وراي , ولا يجمد على مواد القانون فقط, بل
لابـد ان يـكون عارفا بجذورها ومبانيها, مجتهدا فيها, وبعبارة اخرى الاجتهاد في القضا شرط من
شروطه , بينما لا نجد مثل هذا الاشتراط في دنيااليوم ومجالسها القضائية حتى يكتفي بمعرفة مواد
الـقـانـون فـقط والجمود على تلك المواد, وهذا فرق واضح بين هذه المجالس والمجالس القضائية
الاسلامية .
وبـتـعـبـير اوضح , ان الاطلاع على الاحكام التي جات في تحرير الوسيلة (مثلا)قد يكون عند
طـريـق الـتقليد وقد يكون عن طريق الاجتهاد, وان كانت وظيفة القاضي على اي حال تطبيق هذه
الاحكام في موارد الدعوى وتشخيص صاحب الحق عن غيره , ولكن هناك فرق واضح بين ما اذا كان
مطلعا على احكام تحرير الوسيلة عن طريق التقليد, وبينما اذا كانت ذلك بالاجتهاد وتتبع جذور تلك
الاحكام ومبانيها من الكتاب والسنة والاجماع والعقل , فالاسلام يوحي بالطريق الثاني .
2 ـ فـي الـنـظـم الـقضائية الحديثة , يكتفى بلياقة القاضي في حدود القضاوالحكومة فقط, اما في
الاسـلام فـان هذا المقدار غير كاف , بل لابد ان يكون القاضي نزيها في كل المجالات , اذ ان العدالة
تعني الورع عن كل انواع الذنب سوا كان في دائرة المسائل القضائية , ام في دائرة غير القضا.
ومـن الـواضـح ان هـناك فرق كبير بين من يكون ورعا في كل المجالات عن الذنب وبين بين يكون
ورعا في مجال معين ودائرة ضيقة , فاحتمال انحراف الثاني اكثر من احتمال انحراف الاول .
3 ـ اذا قـضـى قاضي المجالس القضائية الحديثة بالحق دون ان يكون مطلعا, فانه لا يكون مسئولا,
بـينما وكما اشرنا انفا فان مثل هذا القاضي مسئول امام اللّه في نظرالاسلام , فالوصول الى الحق لا
يكفي وحده لعدم تحمل المسئولية , بل لابد ان يكون عن تحقيق واطلاع .
4 ـ يـعتبر الارتشا في نظام القضا الاسلامي ليس فقط من الذنوب الكبيرة , بل طبقا لبعض الروايات
فـانـه فـي حـد الـكـفـر والـشـرك , قـال الامـام الـصادق (ع ): (اما الرشافي الحكم فهو الكفر
باللّه ))((204)) .
فالاسلام يمنع القاضي حتى من قبول الهدية (بطبيعة الحال الهدايا التي تقدم له باعتبار مقام القضا, سوا
قـبـل الحكومة والقضا ام بعده ) وقصة الاشعث بن قيس معروفة , حيث جا ليلا بهدية الى دار الامام
علي (ع ) وهي طبق من الحلوى اللذيذة , فقال له الامام علي (ع ) ما هذا؟.
فقال : هدية جئت بها اليك ((هبلتك الهبول اعن دين اللّه اتيتني لتخدعني ))؟ اي تريد ان تعطيني الرشوة باسم الهدية((205)) .
والـملفت للنظر هو ان الاسلام يلعن الراشي والمرتشي والواسطة بينهما, وقد وردفي حديث عن
النبي الاكرم (ص ): لعن اللّه ((الراشي )) و ((المرتشي )) و ((الرائش الذي بينهما))((206)) .
وقـد وردت آيات من القرآن الكريم تشير الى مسالة الرشوة وتذم عليها, منها قوله تعالى في سورة
البقرة الاية 188:.
(ولا تـاكـلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتاكلوا فريقا من اموال الناس بالاثم وانتم
تعلمون ).
وللفخر الرازي هنا تعبير جميل وهو ان ((الادلا)) ماخوذ من ((الدلو)) وهو الاناالذي يستخرج
الما من البئر بواسطته , ((والرشا)) بمعنى ((الحبل )) فكما ان الانسان يستخرج الما الموجود في
الدلو بالحبل , فكذلك الراشي ياكل اموال الناس بواسطة الرشوة التي يعطيها للقاضي .
نعم , فالتعبير ب((ولا تدلوا بها الى الحاكم )) تشبيه واشارة لطيفة لهذا الموضوع .
ويـستفاد ايضا من الاية (44) في سورة (المائدة ) بان علما اليهود حرفوا الاحكام الالهية لمنافعهم
الخاصة , وهذه المسالة وقعت مورد ذم القرآن الكريم حين يقول تعالى :.
(ولا تشتروا بياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما انزل اللّه فاولئك هم الكافرون ).
فـمـن هذه الايات يمكن الاستنتاج بان القضا والحكومة للّه بالدرجة الاولى , ومن ثم نقلت منه الى من
يرى فيه المصلحة , وبتعبير آخر:.
ان غـيـر اللّه يـاخـذ مـشروعية احكامه وقضائه من اللّه تعالى , وهذا ما يقتضيه التوحيد الافعالي
وحاكمية اللّه ايضا.