القوة التشريعية في الاسلام
تمهيد:.
طـبـقـا لرؤية القرآن الكريم واحاديث المعصومين (ع ) وعلما الاسلام , فان مسالة تشريع القوانين
تختص باللّه تعالى , والواقع ان مسالة التقنين (سن القوانين ) تعد شانامن شؤون التوحيد في الافعال ,
فـكـما ان اللّه تبارك وتعالى هو الحاكم المطلق على جميع عالم الوجود وعالم البشرية , فانه كذلك
حاكم على نظام التشريع ايضا(فتامل ).
وهذه المسالة فضلا عن كونها وردت بشكل صريح في الايات المباركة والروايات الاسلامية , فهي
مؤيدة ايضا بدليل العقل لان المقنن الواقعي هو الذي يجب ان يمتلك الصفات التالية :.
1 ـ يجب ان يكون مطلعا على حقيقة الانسان وملما بجميع خصائصه من حيث الجسم والروح , بحيث
يـكـون خـبـيرا كاملا بالانسان , وعارفا بجميع اسراره ,وعواطفه , وميوله , وغرائزه وشهواته ,
ومـسـائلـه الـفـطـريـة , ومـطلعا ايضا على جميع القابليات والكفاات الكامنة في الفرد والمجتمع ,
والكمالات المتيسرة له بالالقوة ,وبعبارة اخرى : يجب ان لا يخفى عليه اي شي في تركيبة الانسان
وكيانه .
2 ـ يـجـب ان يـكـون عالما بثار وخواص جميع الاشيا في الوجود من حيث انسجامها وتناغمها مع
وجـود الانـسـان او عدم انسجامها, وبشكل ادق يجب ان يعلم فوائد ومفاسد جميع الاعمال الفردية
والاجتماعية وآثارها ونتائجها.
3 ـ ان يـكون خبيرا بجميع الحوادث التي يمكن وقوعها في المستقبل البعيد اوالقريب , والتي تلعب
دورا مؤثرا بنجو او آخر في مصير الانسان .
4 ـ الـمقنن او المشرع الحقيقي هو الذي يكون مصونا من كل خلل او ذنب اوخطا, وان يكون قوي
الارادة شهما في الوقت الذي يكون فيه رؤوفا رحيما, وان لايداخله الخوف من اي قوة في المجتمع
.
5 ـ يجب ان لا تكون له اية مصلحة او منفعة في المجتمع البشري , لئلا يتجه محور افكاره اثنا سنة
لـلـقـوانـيـن ـ من حيث يعلم او لا يعلم ـ نحو الجهة التي تحافظعلى مصالحه الشخصية , ويضحي
بمصلحة المجتمع لحساب مصالحه الشخصية .
فهل توفر هذه الصفات في غير ذات اللّه تعالى ؟ وهل بامكانكم العثور على من يقول : انا عالم بالانسان
وبـجميع خصائصه ؟ في حين ان اعظم العلما, يبدون عجزهم عن الاجابة على هذا السؤال , بل انهم
يقولون علنا بان الانسان يعد كائنامجهولا, حتى انهم اختاروا هذا العنوان لكتبهم ومؤلفاتهم ؟.
وهل هناك من هو خبير بالماضي والمستقبل والروابط الدقيقة فيما بينها وبين زماننا الحاضر؟.
وهل هناك من يكون عارفا بثار واسرار جميع الموجودات , ومصانا من كل نوع من انواع الانحراف
والذنب والخطا؟.
من المسلم ان هذه الصفات والخصائص لا تتحقق الا في اللّه تعالى وانبيائه الكرام .
ونـخـلص من هذه الاشارة القصيرة الى نتيجة طيبة , وهي ان المشرع الحقيقي هواللّه تعالى الذي
خـلـق الانسان واطلع على جميع اسرار خلقته , ويعلم اسرار جميع الموجودات , وخبير بحوادث
المستقبل والماضي وعلاقتها باحداث الحاضر على احسن ما يرام .
ولا طـريق لاي خطا او زلل الى ذاته الطاهرة المقدسة ولا يخشى احدا, ولا حاجة له او مصلحة
شـخـصـية لكي يشبعها عن طريق القوانين الموضوعة , بل انه تعالى يلاحظ منفعة الانسان فقط في
تشريعاته المقدسة .
وفـضـلا عـن ذلـك كله فان الوجود باسره ضمن دائرة حكومة وسلطته , ولا معنى لان يقوم غيره
باصدار احكامه في هذه الدائرة , بل ان الخضوع لاحكام الاخرين والاعتراف بقانون غير قانونه جل
وعلا يعد نوعا من الشرك والضلال .
وبـهذه الاشارة نعود مرة اخرى الى القرآن الكريم ونستعرض الايات التي تقول بان مسالة التشريع
وسن القوانين مختصة باللّه تعالى .
1 ـ (مالهم من دونه من ولي ولا يشرك فى حكمه احدا)((59)) .
2 ـ (وما اختلفتم فيه من شى فحكمه الى اللّه )((60)) .
3 ـ (ومن لم يحكم بما انزل اللّه فاولئك هم الكافرون )((61)) .
4 ـ (ومن لم يحكم بما انزل اللّه فاولئك هم الظالمون )((62)) .
5 ـ (ومن لم يحكم بما انزل اللّه فاولئك هم الفاسقون )((63)) .
6 ـ (وان احـكـم بينهم بما انزل اللّه ولا تتبع اهوائهم واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ماانزل اللّه
اليك )((64)) .
7 ـ (افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من اللّه حكما لقوم يوقنون )((65)) .
8 ـ (انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى اللّه ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعناواطعنا واولئك
هم المفلحون )((66)) .
9 ـ (وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم ه لعلكم
تتقون )((67)) .
10 ـ (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)((68)) .
تفسير الايات :.
فـي الايات السبعة الاولى من هذه الطائفة من الايات يدور الحديث فيهن على ان الحكم هو حكم اللّه
فقط وعلى الجميع اطاعة احكامه تعالى .
صحيح ان ((الحكم )) ياتي بمعنى ((المنع ))((69)) اساسا, ولكن بما ان الامر والنهي يصبح سببا
لـمنع وقوع المخالفات والاعمال الخاطئة , سمي ب((الحكم )), وسميت العلوم والمعارف لهذا السبب
ب((الحكمة )) اذ انها تمنع وقوع الاعمال الجاهلة وغيرالعقلائية .
والملاحظة الاخرى الجديرة بالاهتمام ايضا, وهي ان مصطلح ((الحكم )) في القرآن الكريم , ياتي
احيانا بمعنى التحكيم والفصل , و اخرى بمعنى الامر والنهي ,وعندما ياتي بمعنى التحكيم , يعد ايضا
نوعا من الامر والنهي الذي يصدر عن القاضي .
ومـع الاخذ بنظر الاعتبار ما تقدم ذكره , نعود مرة اخرى الى الايات المباركة , اذ ان الاية الاولى ,
تصرح بان الحاكمية والحكومة , والامر والنهي وكذلك الولاية , مختصة باجمعها باللّه تعالى اذ تقول :
(مالهم من دونه من ولى ولا يشرك في حكمه احدا).
والواقع ان صدر الاية وذيلها هما يمنزلة العلة والمعلول , لانه عندما تختص الولاية باللّه تعالى , فمن
الـطـبـيعي حينئذ ان يقتصر الحكم والقانون ايضا به تعالى ,ومن الواضح , ان ((الحكم )) يشمل هنا
الامـر والنهي وكذلك القضا والحكومة ايضا,لان كل هذه الامور تعد بمثابة فروع الولاية , وبما ان
الـولايـة مـنحصرة به تعالى , اذن فالحكم من شانه ايضا, بل يعتقد البعض ان ولاية اللّه تعالى تشتمل
حـاكـمـيـتـه الـتـكوينية على عالم الخليفة ايضا, لان ولايته في عالمي التشريع والتكوين ثابتان ,
اذافحاكميته تمتاز البشمول والعمومية ا.
وبدور الحديث في الاية الثانية عن حكم اللّه وقضائه : (وما اختلفتم فيه من شى فحكمه الى اللّه ).
ويقول تعالى في نهاية الاية : (ذلكم اللّه ربي عليه توكلت واليه انيب ).
وبـمـا ان كـل شي (وخاصة الحكم والقضا) بيده تعالى , اذا يجب ان يكون التوكل عليه والانابة اليه
فقط.
وطالما ان التحكيم والقضا غير منفصلين عن الحكم والقانون (بمعنى ان الكثيرمن موارد النزاع هي
مـن قـبيل الشبهة الحكمية , وليس الشبهة الموضوعية ), نصل الى ان الحكم والامور والقانون ايضا
بيده تعالى فقط.
الايـة الثالثة الرابعة والخامسة , تتحدث عن الذين لا يحكمون بما انزل اللّه تعالى ,ولا يعيرون لذلك
اهمية تذكر, او بعبارة اخرى , يحكمون بغير حكم اللّه , فقيل عنهم في احداها انهم (كافرون ) وفي
الاية الاخرى (ظالمون ) وفي الثالثة انهم (فاسقون )وهو قوله تعالى : (ومن لم يحكم بما انزل اللّه
فاولئك هم الكافرون فاولئك هم الظالمون فاولئك هم الفاسقون ).
فهم كافرون بسبب اعراضهم عن احدى فروع التوحيد الافعالي , اي التوحيد في حاكمية اللّه , حيث
يؤكد هذا الفرع من التوحيد انه : ليس لغيره الحق في الحكم واصدار الاوامر ولا في الحكومة , ولا
في القضا والتحكيم , لذا من المسلم به ان من ينحرف عن هذه النظرية , فقد ابتلي بنوع من الشرك .
وهـم ظـالـمـون : بسبب ممارستهم الظلم بحق انفسهم والاخرين , وتركهم جانباالاحكام التي تمثل
اساس سعادتهم و سبب رقي مجمهم , واخذهم باحكام قليلة الاهمية او فاقدة لها تماما, والتي لا تاخذ
بنظر الاعتبار سوى مصالح محدودة وقليلة .
وهـم فاسقون : لكونهم تجاوزوا حدود العبودية وخرجوا عنها, لعلمنا بان معنى الفسق هو الخروج
عن الواجب والامر.
هذه التعابير الثلاثة المختلفة (الكفرون والظالمون والفاسقون ) في الايات الثلاثة الانفة دقيقة جدا,
ومـن الـمـمـكـن ان تكون اشارة الى الابعاد الثلاثة للقانون الالهي , لان ((القانون )) ينتهي في احد
جوانبه ب ((المقنن )) (اللّه تعالى ), اذ تعتبر مخالفته ((كفرا)), ومن ناحية اخرى ينتهي بعباد اللّه
تعالى , اذ تعد مخالفته ((ظلما)), والثالثة , ينتهي بشخص الحاكم والقاضي من البشر, اذ يعد حكمه ـ
((عندما يكون مخالفا لحكم اللّه )) ـ ((فسقا)).
والايـة الـسـادسـة تامر النبي الاكرم (ص ) بان يحكم بينهم بما انزل اللّه ولا يتبع في ذلك اهواهم
ويحذرهم لئلا يفتنوه عن بعض الاحكام التي انزلها اللّه عليه , وهو قوله تعالى : (وان احكم بينهم بما
انزل اللّه ولا تتبع اهوائهم واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ماانزل اللّه اليك ).
ان الـمـقـارنة بين ((الحكم بما انزل اللّه )) و ((اتباع الهوى )) يبين لنا ان الذي يعرض بوجهه عن حـكم اللّه تعالى , سيسقط في وادي الهوى المرعب , وقول الاية (واحذرهم ان يفتنوك ) تاكيد آخر
ومـكرر على اتباع احكام اللّه تعالى , والوقوف بوجه الوساوس وعدم الاعتراف بغيره ومما لا شك
فيه ان النبي الاكرم (ص ) لم يكن ليفتتن بهم اطلاقا بسبب تمتعه بمقام العصمة الرفيع , الا ان التعبير
اعلاه يعد درسالسائر الناس , لكي يحذروا مكائد الاعدا والاعيبهم من اجل حرف المؤمنين وابعادهم
عن الامتثال وبالنية الى شان النزول الاحكام اللّه تعالى .
الـذي ذكـره الـمـفسرون لهذه الاية , فان الاية الانفة تتعلق بمسالة القضا والفصل في الاختلافات
والمنازعات , وكلمة ((بينهم )) ايضا تعبر عن هذا المعنى , ولكن من المسلم به هو ان الفصل يجب ان
يكون مستندا الى حكم وقانون , ومفهوم هذه الاية يشير الى ان مستند القضا والفصل يجب ان يكون ما
انزل اللّه فقط.
والايـة الـتي تاتي بعد الاية السابقة مباشرة في القرآن الكريم , تقول : (افحكم الجاهلية يبغون ومن
احسن من اللّه حكما لقوم يوقنون ).
وهـنا تصرح هذه الاية الكريمة بان الاحكام غير الالهية انما هي احكام جاهلية ,تلك الاحكام النابعة
عن الجهل وعدم المعرفة , واحيانا عن الهوى والوساوس الناجمة عن الجهل , ولو تاملنا في هذه الاية
جـيدا, لوجدنا ان هذا المعنى لا يختص فقط بعصر النبي الاكرم (ص ) ونهضته في العصر الجاهلي
لـلـعرب , بل ان كل حكم غير الهي ـ وكما اشرنا الى ذلك آنفا ـ لا يمكن ان يكون منزها من الجهل ,
لان علم الانسان محدود يقينا, اذ انه لا يملك معرفة كاملة بجميع خصائص وزوايا وجوده ,ولا يملك
اطـلاعا كاملا على اسرار الموجودات والحوادث الماضية والحالية والمستقبلية , التي تلعب دورا
مؤثرا في نوعية الاحكام سلبا وايجابا, مضافا الى بماان لكل فرد في المجتمع ميول ومصالح معينة , و
لا يـمكنه ان يبعد نفسه تماما عن تلك المصالح اثنا سن القوانين , واللّه تبارك وتعالى وحده العالم بكل
شي والغني عن عباده .
يـقول ((البرسوئي )) في تفسيره روح البيان , في تبين معنى ((الجاهلية )): ((وهو كل مالا يستند
الى الوحي والكتاب السماوي ))((70)) .
ونقرا في تفسير ((في ظلال القرآن )):((71)) .
ونقل في تفسير ((مجمع البيان )) عن بعض المفسرين المتقدمين قولهم :.
ان هـذا الـنـوع م من التمييز والازدواجية المطبقة ايضا في عصرنا هذا, والقوانين التي تطبق على
الـضعفا فقط سوا داخل الدول او في العلاقات الدولية ايضا, والتي غالبا ما يستثنى منها الاقويا, دليل
بارز على وجود المجتمعات الجاهلية والـمـلفت للنظر ان الكثير من الايات الانفة الذكر والتي صرحت باختصاص حق التقنين والتشريع
بـاللّه تـعالى موجودة في سورة المائدة , والمعلوم لدينا ان سورة المائدة وكما هو معروف هي آخر
سـورة , او مـن اواخـر الـسـور الـتي نزلت على الرسول الاكرم (ص ), اذ ان الكثير من المسائل
الاسلامية الهامة ومنها المسائل المتعلقة بالحكومة التي تعد من اركان الاسلام المهمة وردت في هذه
الـسورة , وتم التاكيد في آيات عدة من هذه السورة المباركة , على ان ((الحكم )) و ((الامر)) و
((تـشـريـع القوانين ))مختص باللّه تعالى , وهذه التاكيدات المتكررة في هذه السورة ذات مغزى
عميق .
وتتحدث الاية الثامنة عن الايمان والتسليم المطلق امام حكم اللّه ورسوله (ص )ان تقول : ((انما كان
قـول الـمـؤمـنـون اذا دعـوا الـى اللّه ورسـوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا واولئك هم
المفلحون )).
ويـتـضـح لنا من شان النزول الوارد في بعض التفاسير للايات التي تاتي بعدها ـ وهوان جماعة من
الـمـنـافـقـيـن لما شعروا بضعف موقفهم جاؤوا الى الرسول (ص )واقسمواعلى تسليمهم لاوامر
الـنـبـي (ص ) ـ ان الاية اعلاه عن النقطة المقابلة لهذه المجموعة اي المؤمنين و تقول : ان التسليم
المطلق لابد ان يكون امام قوانين اللّه تعالى , ولاعبرة باي قانون غيره , ولو كان المراد بالاية مسالة
الـقـضا والفصل بين المنازعات فكذلك , لانه وكما سبق وان قلنا: ان مسالة التحكيم تقوم على اساس
الـقـانـون ايـضا,وبنا على ذلك فان التسليم لقضا اللّه تعالى ورسوله (ص ) يعني التسليم التسليم امام
الـقـانـون الالـهي , ولهذا نجد ان القضاة دائما عندما يصدرون احكامهم , يستندون في ذلك على مادة
واحدة واو اكثر من المواد القانونية , يعني التسليم , فعلى المؤمنين الاستناد مواد القانون الالهي فقط.
وقـد وردت الايـة الـتـاسـعـة بـعد الاوامر الالهية العشرة التي وردت قبلها (بخصوص الشرك ,
والاحـسـان الـى الـوالدين , والكف عن قتل الاولاد ـ وبشكل عام ـ اهراق الدما البريئة , والاعمال
الـقـبيحة الاخرى ) اذ يقول تعالى في نهاية هذه الطائفة :(وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه السبل
فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ).
ومـن هـذا التعبير يتضح لنا جيدا ان ((الصراط المستقيم )) يعني حكم اللّه تعالى وقانونه واوامره ,
وكـل مـا هو دونه يعد من الطرق المعوجة والمنحرفة والتي تبعدالناس عن صراط اللّه المستقيم ,
ويستفاد من هذا التعبير ايضا, ان اتباع الطرق الاخرى تؤدي الى بث التفرقة والتشتت والاختلاف ,
والـدلـيـل عـلـى ذلـك واضح ايضا, لان راي الناس وحتى العلما الكبار في تشخيص منافع ومفاسد
الاعـمـال يختلف اختلافا كبيرا عن بعضهم البعض , ومتى ما احيلت مسالة تشريع القوانين الى الناس ,
فان الاختلاف والتشتت سوف يحكمان المجتمعات الانسانية على الدوام .
يـنـقـل ((ابـن مـسعود)) في حديث عن النبي الاكرم (ص ), ان النبي (ص ) خط خطامستقيما, ثم
قال :((72)) .
وفي الاية العاشرة والاخيرة , بالرغم من عدم تصريحها باختصاص سن القوانين باللّه تعالى , الا انها
تـنـطوي على تعبير معين يستفاد منه بشكل جيد عدم وجود اي مصدر للتشريع غير اللّه تعالى , اذ
تقول الاية المباركة (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا).
ونعلم ان ((الدين )) بمعناه الحقيقي يشمل جميع شؤون الحياة البشرية , وبالنظرالى ان الاسلام هو
خـاتـم الاديـان الـسـماوية , وسيبقى قائما حتى قيام الساعة , فان مفهوم هذه الاية يعني ان جميع ما
يـحتاجه الانسان من حيث القوانين قد اخذه الاسلام بنظر الاعتبار حتى قيام الساعة , وبنا على ذلك
لا يبقى اي مجال لقوانين اخرى .
وتـجـدر الاشـارة الى ان بعض هذه القوانين خاصة وجزئية , والبعض الاخرعامة وكلية , وواجب
عـلـمـا الدين والمشرعين الاسلاميين , القيام بتطبيق تلك الكليات على مصاديقها, واستنباط القوانين
والضوابط اللازمة منها.
وقد تم التاكيد مرارا على هذا المعنى في الروايات الاسلامية ايضا, وللامام علي (ع ) خطبة مؤثرة
ومفصلة في ذم الذين يسمحون لانفسهم بتشريع القوانين في المحيط الاسلامي معتبرين ذلك اجتهادا,
اذ يقول (ع ) في جانب من هذه الخطبة :((ام انزل اللّه سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على اتمامه , ام
كانوا شركا له فلهم ان يقولوا وعليه ان يرضى ))((73)) .
وهـنـاك روايـات مـتـعـددة تصرح بان كل ما تحتاجه الامة الاسلامية الى يوم القيامة ماخوذ بنظر
الاعـتـبـار فـي الـقوانين الاسلامية , حتى دية خدش بسيط في بدن الغير,على انه يجب اخذ هذه
الاحـكـام مـن اهلها وهذه تبين وبشكل واضح ان التشريع في الاسلام مختص باللّه تعالى , ولا مجال
لتشريع الاخرين , وبنا على ذلك فان مايحصل في المجالس التشريعية الاسلامية , هي عملية تطبيق
القواعد العامة لقوانين الاسلام على مصاديقها ومواردها.
ونـقـرا في حديث ورد عن الامام الباقر(ع ) انه قال : (ان اللّه تبارك وتعالى لم يدع شيئا يحتاج اليه
الامة الا انزله في كتابه وبينه لرسوله )((74)) .
ونـقـرا فـي حـديـث آخـر ورد عـن الامـام الـصـادق (ع ) انـه قال : (ما من شيي الا وفيه كتاب
وسنة )((75)) .
وورد فـي روايـات اخـرى ان جـميع الاحكام والقوانين اللازمة , شرعت للامة الاسلامية , ومنها
ماورد في حديث عن الامام الصادق (ع ) انه قال ولمزيد الاطلاع على كثرة وسعه الاحاديث الواردة
فـي هذا المجال يراجع المجلد الاول الباب (4)من كتاب جامع احاديث الشيعة : ((ما ترك علي شيئا
من الا كتبه حتى ارش الخدش )((76)) .