ضرورة الحكومة من خلال الرويات الاسلامية
تعد مسالة ضرورة الحكومة ذات اهمية كبيرة في الروايات الاسلامية , و قد بينت تلك الروايات ان لا يمكن للناس العيش دون وجود الحكومة , وان وجود حكومة وان كانت ظالمة خير من الفوضى في
غياب الحكومة .
نطالع معا نموذجا من تلك الروايات ذات المعنى المذكور:.
1 ـ عـن امـيـر الـمؤمنين (ع ) في نهج البلاغة جوابا على ادعا الخوارج حين قالوا((لا حكم الا
للّه )), فـقال (ع ) ((كلمة حق يراد بها باطل )) ثم استطرد قائلا: ((نعم انه لاحكم الا للّه و لكن
هؤلا يقولون لاامرة الا للّه , وانه لا بد للناس من امير بر او فاجريعمل في امرته المؤمن و يستمتع
فـيـها الكافر, و يبلغ اللّه فيها الاجل و يجمع به الفيئ و يقاتل به العدو, و تامن به السبل و يؤخذ به
للضعيف من القوي حتى يسترع بر ويستراح من فاجر))((5)) .
و بـديهي ان الامام علي (ع ) لم يقصد من عبارة ((امير بر او فاجر)) ان هذين متساويين , بل قصد
بـه انـه لابـد مـن وجـود حـاكم عادل و صالح , والا فوجود حاكم وان كان ظالم خير من الفوضى
والـشغب , و على كل حال فلا تنفي هذه الحالة الاخيرة الحكم الالهي الصالح على العالم كله , ذلك ان
الـحـكـم يـشـبه النبوة والقضا النابعان من ذات الخالق المقدسة و لقد بينت هذه العبارة ضمنا الابعاد
الـمـخـتـلـفـة لـفلسفة الحكومة والادلة الواردة في اثبات ضرورتها و سنبحث ذلك بالتفصيل في
صفحات قادمة .
2 ـ اشـيـر فـي الروايات المعروفة والتى نقلها (الفضل بن شاذان ) عن الامام الرضا(ع ) الى ثلاث
نقاط مهمة حيث بين فيها دلائل و اسباب تعيين (اولوا الامر)والحكم في المجتمع ,.
قال الفضل بن شاذان انه سمع من الرضا عليه السلام مرة بعد مرة وشيئا بعدشي , انه قال : فان قال فلم
جعل اولي الامر وامر بطاعتهم ؟.
قـيـل : لعلل كثيرة منها ان الخلق كما وقفوا على حد محدود وامروا الا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من
فـسـادهـم لم يكن يثبت ذلك , ولا يقوم الابان يجعل عليهم فيه امينايمنعهم من التعدي والدخول فيما
حـظـر عليهم لانه لو لم يكن ذلك كذلك لكان احدلا يترك لذته و منفعته لفساد غيره , فجعل عليهم
فيما يمنعهم من الفساد و يقيم فيهم الحدود والاحكام .
و منها: انا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا الا بقيم و رئيس كما لابد يولهم منه
فـي امـر الدين , فلم يجز في حكم الحكيم ان يترك الخلق مما يعلم انه لا يدلهم منه ولا قوام الا به ,
فـيـقـاتـلـون فيه عدوهم و يقسمون به فيئهم , و يقيم لهم جمعتهم و جماعتهم , و يمنع ظالمهم من
مظلومهم .
و منها: انه لو لم يجعل لهم اماما قيما امينا حافظا مستودعا لدرست الملة و ذهب الدين و غيرت السنة
والاحـكـام , ولـزاد فـيه المبتدعون و نقص منه الملحدون , وشبهوا على المسلمين لانا قد وجدنا
الـخـلـق منقوصين محتاجين غير كاملين , مع اختلافهم واختلاف آهوائهم و تشتت انحائهم , فلو لم
يجعل لهم قيما حافظا لما جابه الرسول لفسدوا على نحو ما بينا و غيرت الشرايع والسنن والاحكام
والايمان وكان في ذلك فساد الخلق اجمعين((6)) .
3 ـ في تفسير النعماني عن امير المؤمنين (ع ) و عند ذكر آية من القرآن الكريم مثل (يا ايها الذين
آمنوا استجيبوا اللّه وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم )((7)) وآية (ولكم في القصاص حياة يا اولي
الالـبـاب )((8)) انه كان يقول : ((وفي هذا اوضح دليل على انه لابد للامة من امام يقومه بامرهم
فـيـامرهم ويناهم ويقيم فيهم الحدود ويجاهد العدو,و يقسم الغنائم و يفرض الفرائض و يعرفهم
ابـواب ما فيه صلاحهم و يخذرهم مافيه مضارهم , اذ كان الامر والنهي احد اسباب بقا الخلق , والا
سقطت الرغبة والرهبة , و لم يرتدع , ولفسد التدبير و كان ذلك سبيا لهلاك العباد))((9)) .
و قد ورد عن الامام الصادق (ع ) في حديث آخر انه قال : ((لا يستغني اهل كل بلدعن ثلاثة يفزع
الـيه في امر دنياهم و آخرتهم , فان عدموا ذلك كانوا همجا: فقيه عالم ورع , وامير خير مطاع , و
طبيب بصير ثقة ))((10)) .
و قـلـنا مرارا ان ما ورد في الروايات الاسلامية يدل على ضرورة وجود حكومة وان كان ظالمة
على الفوضى , حيث نقرا لامير المؤمنين قوله : ((وال ظلوم غشوم خيرمن فتنة تدوم ))((11)) .
و يـعـني ذلك انه حتى في حالة عدم القدرة على تحقيق حكومة عادلة فلا اقل من اقامة حكومة و ان
كـانت ظالمة و جائرة و ذلك في سبيل الاستقرار والامن للبلد وحدوده و منع العدوان عليه , و في
غير هذه الحالة تسود حالة من اللا امن والتدهورحيث ستراق دما الكثير من الابريا دون اي وازع
مما سيسهل على الاعدا النفوذالى داخل البلد و السيطرة عليه .