اهداف الحكومة الاسلامية
مـن مـطاوي البحث المتقدم حول ضرورة وجود الحكومة اتضمت ايضا اهداف الحكومة الاسلامية بشكل اجمالي , ولمزيد من التوضيح نشير ادناه الى بعض الايات الشريفة :.
1 ـ نـقرا في الاية (41) من سورة الحج : (الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلوة وآتوا الزكاة
وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر).
ان تعبير (مكناهم في الارض ) يشير الى القدرة المعطاة للمؤمنين في الارض ,لكن هذا التعبير نفسه
قـد استخدم مرارا في القرآن الكريم معبرا عن قدرة الحكم , كمانطالع في آيتين من سورة يوسف :
(وكـذلـك مكنا ليوسف في الارض )((12)) و فيما يخص ذي القرنين تقول الاية : (انا فكنا له في
الارض وآتيناه في كل شي سبيا)((13)) .
وطـبقا لما تعنيه الاية الشريفة فان المعنى يكون هكذا: ان اوليا اللّه ان اعطوا زمام الامور والحكم
فـانهم سيقيمون الصلوة , وهي من جهة مظهر في مظاهر التقرب والوصول الى اللّه تعالى , ومن جهة
اخـرى فـانـهـم سيعبدون الطريق المؤدي الى العدالة الاجتماعية , وابرز مظاهر هذا الطريق ادا
الـزكـاة بـالاضـافـة الى ذلك فانهم سيعملون على اشاعة الفضائل الانسانية والقضا على المنكرات
بواسطة الامربالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع بابعاده المختلفة .
عـلى هذا, فلو افترضنا ان كلمة (مكنا) تعني اي نوع من القدرة سيتم معنى الاية ضمن التعبير الذي
قلناه سابقا, ذلك ان الحكومة هي ابرز انموذج للقدرة .
و قد ذكر العلامة الطباطبائي في ذيل هذه الاية : ((14)) .
فهل يمكن الوصول الى هذه القدرة من دون استلام الحكوم ؟.
وقـد ورد هـذا الـمـعنى في تفسير القرطبي بشكل اوضح حيث يفسر جملة (الذين ان مكناهم في
الارض )بالامرا واصحاب الحكومة((15)) .
وطبيعي ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر المذكور في الاية اعلاه و كما وردذلك في مختلف
البحوث الفقهية , يلزم لتنفيذه مراحل عدة واحدى هذه المراحل يختص بالحكومة و تشكيلها.
2 ـ ورد فـي الاية (55) من سورة النور ما يتعلق بحكومة الصالحين حيث تقول الاية : (وعد اللّه
الـذيـن آمنوا منكم وعملوا الصالحات لستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهه وليمكننى
لـهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبد لنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا) ففي هذه
الايـة و بعد ان وعد اللّه المؤمنين الصالحين باستخلافهم وتسليمهم مقاليد الحكم , عقب قوله ببعض
الـعـبـارات هـي في الواقع اهداف هذه الحكومة , اولها التمكين والقدرة للدين الالهي وتحكمه على
المجتمع ,والاخرى : ازالة حالة اللاامن و تبديله الى الامن والاستقرار الاجتماعي الكامل والعبادات
الخالية من كل انواع الشرك , و على هذا فان اهداف الحكومة طبقا لذلك هي كما يلي :.
1 ـ سيادة الدين والقوانين الالهية على كل المجتمع .
2 ـ نشر الامن و الاستقرار الكاملين في كل مكان .
3 ـ اخلاص العبادة للّه وحده وازالة كل آثار الشرك والوثينة .
والـواقـع ان الـهـدف الاصـلـي لـكل ذلك هو كمال الانسان والسير نحو اللّه سبحانه , وان الامن
والاستقرار و تحكيم القوانين الالهية انما هي مقدمة للوصول الى ذلك .
3 ـ و نـقرا في الاية (26) من سورة (ص ) مخاطبا نبي اللّه داود(ع ): (يا داود اناجعلناك خليفة
في الارض فاحكم بين الناس بالحق ).
و تبين هذه الاية بوضوح النتيجة المرجوة للخلافة والحكومة في الارض وهي احقاق الحقوق , او
مـا يعرف بالحد من الاعتدا والتعدي على حقوق الاخرين واخذ حق الضعفا والمحرومين من الاقويا
والمترفين .
وبديهي ان هدف حكومة النبي داود(ع ) وانبيا بني اسرائيل الاخرين لم يكن هذا و حسب , بل ان هذا
هو احد الاهداف لاية حكومة في اي مكان و زمان .
صـحيح ان عبارة (الحكم ) الواردة في القرآن الكريم تعني اغلبها (القضا) و لكن وبعد ملاحظة ان
الـشطر الاول من الاية يتحدث عن الخلافة في الارض , يتضح ان اي نوع من الحكم بالعدل مشمول
فـي مـضـمون الاية ككل مضافا الى ذلك فان القضا هوشان آخر من شؤون الحكومة , و قد ورد ما
يشبه هذا المعنى في الاية (58) من سورة النسا حيث يقول تعالى :.
(ان اللّه يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموابالعدل ).
و لـقـد ورد فـي روايـات كثيرة في تفسير هذه الاية صراحة ان المقصود من هذه الامانة هو مقام
الـولاية والتي يؤديها كل امام الى الامام الذي يليه وان كان المعنى العام لها يشمل باقي انواع الامانات
كـذلـك ,((16)) وبـالاخـص مـا ورد فـي بـعـض الروايات من ان المخاطب في الاية هم الحكام
والامـرا,((17)) و يدل ذلك ان المراد بالحكومة العادلة في الاية المذكورة ليس القضا فحسب , بل
يشمل كل نوع من الحكم العادل .
4 ـ ان جميع الايات والروايات التي تذكر هدف بعثة الانبيا على انه تعليم وتربية و تزكية النفوس
واقـامـة الـقـسـط بـين الناس و رفع الاغلال و تحطيم القيود, فانهافي الواقع تبين اهداف تشكيل
الـحـكـومات الالهية , لان هذه الحكومات هي مقدمة ووسيلة لضمان اهداف بعثة الانبيا, و على هذا
يمكن تلخيص اهداف الحكومات الالهية بالنقاط التالية :.
1 ـ تعليم و تربية افراد المجتمع في المجالات العلمية والاخلاقية .
2 ـ ضـمان الحريات الانسانية , و رفض كل انواع العبودية و استعمار الانسان لاخيه الانسان سوا
في المجالات الفكرية او السياسية او العسكرية او الاقتصادية .
3 ـ اقامة العدل والحق و ضمان العدالة الاجتماعية في كل الطبقات الاجتماعية .
4 ـ استتباب الامن الاجتماعي بوصفه مقدمة للوصول الى الاهداف اخرى .
5 ـ تـركيز المبادي الخاصة بالعبودية للّه والسير اليه تعالى والكمال الانساني والوصول الى منزلة
قريبة من اللّه والتي هى غاية الغايات و منتهى الرغبات .
و نـختم هذا البحث بكلام لامير المؤمنين علي (ع ) والذي ورد في اول عهده الى مالك الاشتر حيث
يرسم له بوضوح اهداف الحكومة الاسلامية اذ يقول :.
(هذا ما امر به عبد اللّه علي امير المؤمنين , مالك بن الحارث الاشتر في عهده اليه حين ولاه مصر,
جباية خراجها, و جهاد عدوها و استصلاح اهلها و عمارة بلادها)((18)) .
و هـكذا فان عمارة البلاد و استصلاح اهلها و جهاد عدوها و تعزيز بيت المال كل ذلك يعني دعامة
لانـجـام تلك الامور, وهي اهداف هذه الحكومة , ولكن كما اشرناسابقا فان هذه الاهداف هي بمثابة
اسس المرحلة الاولى , اما الاهداف النهائية والاصلية فهي التعليم والتربية و تهذيب النفوس والسير
الى اللّه سبحانه .