كلام ابن سينا
لقد قسّم ابن سينا في كتابه «الإشارات»وهو آخر مؤلفاته الفلسفية مضمون هذه الآيةالثانية إلى قسمين:القسم الأوّل قوله: (سَنُرِيهِمْآيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِيأنْفُسِهِمْ) فيقول فيه ما حاصله: أنّـهاتعني انّنا سنهتدي من وجود آيات اللّه فيالكون والأنفس إلى وجود اللّه، فهو ينطويعلى البرهان «الإنّي» وهو الاستدلالبوجود المعلول على وجود العلة كما نستدلبنزول المطر وصوت الرعد والبرق على وجودالسحب الداكنة(1).القسم الثاني من الآية وهو قوله: (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ أَنَّهُ عَلَىكُلِّ شَيء شَهِيدٌ)، ففي هذا القسم نكونقد توصلنا عن طريق شهود اللّه إلى معرفةصفاته، ومن معرفة صفاته إلى أنّ له خلقاًومخلوقات بهذه الصفة أو تلك.(2)1. ومما يجب التنبيه عليه هو أنّ الشيخالرئيس قال في كتاب البرهان في منطقالشفاء: إنّ البرهان الإنّي مما لا يفيداليقين، وهو ما كان السلوك فيه من المعلولإلى العلّة لتوقف العلم بوجود المعلول علىالعلم بوجود العلة فلو عكس لدار.وأمّا الاستدلال من الآيات الآفاقيةوالأنفسية على وجوده سبحانه وصفاته فعلىوجه آخر لا يسع المقام لبيانه.2. والاستدلال فيه ليس لمّياً وهو الذييسلك فيه من العلة إلى المعلول، إذ ليسالواجب عز شأنه معلولاً ولا إنّياً، وهوما يسلك فيه من المعلول إلى العلة أويتناسب مع السلوك من الآيات الآفاقيةوالأنفسية إلى خالقها، بل هو نوع آخر شبيهبالاستدلال من بعض اللوازم على بعضها،وهذا واضح خصوصاً إذا قررنا البرهان علىالطريقة الصدرائية، إذ فيها يسلك من كونالوجود حقيقة ثابتة بذاتها، على كونهواجباً لذاته.وإن شئت فسمّه برهاناً انياً تحفظاً علىحصر البرهان في اللم والإن كما عليه سيدناالأُستاذ العلاّمة الطباطبائي (دام ظله)في تعليقاته على الأسفار: 6/29.