و هذه الآيات- التي نبحثها- في الحقيقة تقفعلى نماذج للأمم السابقة ممّن شاهدواأنواع المعاجز و الأعمال غير العادية،إلّا أنّهم استمروا في الإنكار و عدمالإيمان.
في البدء يقول تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْنامُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ. سنشير فينهاية هذا البحث إلى هذه الآيات التسع وماهيتها.
و لأجل التأكيد على الموضوع اسأل- والخطاب موّجه إلى رسول اللّه صلّى اللهعليه وآله وسلّم- بني إسرائيل (اليهود)أمام قومك المعارضين و المنكرين: فَسْئَلْبَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ.
إلّا أنّ الطاغية الجبار فرعون- برغمالآيات- لم يستسلم للحق، بل أكثر من ذلكاتّهم موسى فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسىمَسْحُوراً.
و في بيان معنى «مسحور» ذكر المفسّرونتفسيرين، فالبعض قالوا: إنّها تعني الساحربشهادة آيات قرآنية أخرى، تقول بأنّ فرعونو قومه اتّهموا موسى بالساحر، و مثل هذاالاستخدام وارد و له نظائر في اللغةالعربية، حيث يكون اسم المفعول بمعنىالفاعل، كما في (مشؤوم) التي يمكن أن تأتيبمعنى «شائم» و (ميمون) بمعنى «يامن».
و لكن قسم آخر من المفسّرين أبقى كلمة«مسحور» بمعناها المفعولي و التي تعنيالشخص الذي أثّر فيه الساحر، كما يستفادمن الآية (39) من سورة الذاريات التي نسبتالسحر إليه، و الجنون أيضا، فَتَوَلَّىبِرُكْنِهِ وَ قالَ ساحِرٌ أَوْمَجْنُونٌ.
على أي حال، فإنّ التعبير القرآني يكشف عنالأسلوب الدعائي التحريضي الذي يستخدمهالمستكبرون و يتهمون فيه الرجال الإلهيينبسبب حركتهم الإصلاحية الربانية ضدّالفساد و الظلم، إذ يصف الظالمون و الطغاةمعجزاتهم بالسحر أو ينعتونهم بالجنون كييؤثروا من هذا الطريق في قلوب الناس