حيث رأت كل ذلك اللطف و الإحسان الإلهي،أجرت مثل هذه الجملة على لسانها و قالت: يالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَ كُنْتُنَسْياً مَنْسِيًّا، إلّا أنّ هؤلاء لميدركوا أبدا حال مريم في تلك الساعة، و لوأنّهم أصابهم شيء قليل من هذه المشاكلفإنّهم سينسون حتى أنفسهم.إلّا أنّ هذه الحالة لم تدم طويلا، فقدسطعت ومضة الأمل التي كانت موجودة دائمافي أعماق قلبها، و طرق سمعها صوت فَناداهامِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْجَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وانظري إلى الأعلى كيف أن هذا الجذع اليابسقد تحول إلى نخلة مثمرة وَ هُزِّيإِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْعَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً بالمولودالجديد فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَالْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّينَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْأُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا. و هذاالصوم هو المعروف بصوم السكوت.و خلاصة الأمر، إنّك لا تحتاجين إلىالدفاع عن نفسك، فإنّ الذي وهبك هذاالوليد قد تعهد بمهمّة الدفاع عنك أيضا، وعلى هذا فليهدأ روعك من كل الجهات، و لاتدعي للهم طريقا إلى نفسك.إن هذه الحوادث المتلاحقة التي سطعتكالشرر المضيء الوهاج في الظلام الدامس،قد أضاءت كل أرجاء قلبها، و ألقت عليهاالهدوء و الاطمئنان.