ثمّ تضيف الآية أنّهم بسبب من كفرهمبالمبدأ و المعاد فإنّ أعمالهم قد حبطت وضاعت: فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ. و غدتتماما كالرماد في مقابل العاصفة الهوجاء.و لأنّهم لا يملكون عملا قيما ثمينا لذا:فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِوَزْناً.لأنّ الوزن يخص الأمور الموجودة، أمّاهؤلاء فلا يملكون شيئا من الأعمال، و لذلكليس لهم وزن و لا قيمة؟ و في إطار بيان جزاءهؤلاء، تكشف الآية عن ثالث سبب في انحراف وخسران هؤلاء، و هو الاستهزاء بما انزلاللّه فتقول: ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُبِما كَفَرُوا وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً «1».و بذلك فإنّ هؤلاء انتهوا إلى إنكارالأصول الأساسية الثلاثة في الإعتقادالديني (المبدأ، و المعاد، و رسالةالأنبياء) و الأكثر من الإنكار أنّهماستهزءوا بهذه الأمور! و الآن بعد أن عرفناعلامات الكفار و الأخسرين أعمالا، و بعدأن انكشفت عاقبة أعمالهم، تتوجه الآياتإلى المؤمنين فتبيّن عاقبتهم، و بمقايسةبين الاثنين نستطيع تشخيص كل طرف بشكلكامل. تقول الآية: إِنَّ الَّذِينَآمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْلَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا.«الفردوس» بقول كبار المفسّرين (البستان)الذي يشتمل على كل النعم و المواهباللازمة، و بذلك فالفردوس هو أفضل و أكملالبساتين في الجنّة.و بما أنّ كمال النعم بدوامها و أن لاتطالها يد الزوال، لذا فإنّ الآية تقولبلا فصل: خالِدِينَ فِيها.و بالرغم من أنّ طبع الإنسان قائم علىالتغيّر و التنوّع، إلّا أنّ سكان الجنّة 1- هناك كلام بين المفسّرين حول تركيب جملةذلِكَ جَزاؤُهُمْ فالبعض اعتبر «ذلك»مبتدأ و «جزاؤهم» خبرا و «جهنم» بدلا، فيحين أنّ البعض الآخر اعتبر أنّ المبتدأمحذوف و «ذلك» خبرا له، و «جزاؤهم جهنم»مبتدأ لخبر آخر تقديره: الأمر ذلك جزاؤهمجهنم. إلّا أنّهم يظهر أنّ الرأي الأوّلأكثر تناسبا من غيره.