الملائكة العظام حيث تجسّد لمريم على شكلانسان جميل لا عيب فيه و لا نقص.إنّ الحالة التي اعترت مريم في تلك اللحظةواضحة جدّا، فمريم التي عاشت دائما نقيةالجيب، و تربّت في أحضان الطاهرين، و كانيضرب بها المثل بين الناس في العفة والتقوى ... كم داخلها من الرعب و الاضطرابعند مشاهدة هذا المنظر، و هو دخول رجلأجنبي جميل في محل خلوتها! و لذلك فإنّهامباشرة قالَتْ إِنِّي أَعُوذُبِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَتَقِيًّا و كانت هذه أوّل هزّة عمّت كلوجود مريم.إنّ ذكر اسم الرحمان، و وصفه برحمتهالعامّة من جهة، و ترغيب الرجل في التقوى والامتناع عن المعصية من جهة أخرى، كان منأجل أن يرتدع هذا الشخص المجهول إن كانت لهنيّة سيئة في ارتكاب المعصية، و الأهم منذلك كله هو الالتجاء إلى اللّه، فاللّهالذي يلتجئ إليه الإنسان في أحلك الظروف،و لا تقف أية قدرة أمام قدرته، هو الذيسيحل المعضلات.لقد كانت مريم تنتظر رد فعل ذلك الشخصالمجهول بعد أن تفوهت بهذه الكلماتانتظارا مشوبا بالاضطراب و القلق الشديد،إلّا أنّ هذه الحالة لم تطل، فقد كلمها ذلكالشخص، و وضّح مهمته و رسالته العظيمةقالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ.لقد كانت هذه الجملة كالماء الذي يلقى علىالنار، فقد طمأنت قلب مريم الطاهر، إلّاأنّ هذا الاطمئنان لم يدم طويلا لأنّهأضاف مباشرة لِأَهَبَ لَكِ غُلاماًزَكِيًّا.لقد اهتز كيان و وجود مريم لدى سماع هذاالكلام، و غاصت مرّة أخرى في قلق شديدقالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ لَمْيَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُبَغِيًّا.لقد كانت تفكر في تلك الحالة في الأسبابالطبيعية فقط، و كانت تظن أن المرأة يمكنأن يكون لها ولد عن طريقين لا ثالث لهما:إمّا الزواج أو التلوّث بالرذيلة والانحراف، و إنّي أعرف نفسي أكثر من أي شخصآخر، فإنّي لم أختر