و أطلق العنان للسانه في توبيخها وملامتها، و قالوا: إن من المؤسف هذاالانحدار مع ذلك الماضي المضيء، و معالأسف على تلوّث سمعه تلك الأسرة الطاهرةقالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِشَيْئاً فَرِيًّا «1».و البعض الآخر واجهها، بالقول: يا أُخْتَهارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍوَ ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا فمع وجودمثل هذا الأب و الأم الطاهرين، ما هذاالوضع الذي نراك عليه؟ فأي سوء رأيت فيسلوك الأب و خلق الأم حتى تحيدي عن هذاالطريق؟قولهم لمريم: يا أُخْتَ هارُونَ وقع مثارالاختلاف بين المفسّرين، لكن يبدو أنّالأصح هو أنّ هارون رجل طاهر صالح إلىالدرجة التي يضرب به المثل بين بنيإسرائيل، فإذا أرادوا أن يصفوا شخصابالطهارة و النزاهة، كانوا يقولون:إنّه أخو أو أخت هارون، و قد نقل العلّامةالطبرسي في مجمع البيان هذا المعنى فيحديث قصير عن النّبي صلّى الله عليه وآلهوسلّم «2».و في حديث آخر ورد كتاب سعد السعود، عنالمغيرة، أنّ النّبي صلّى الله عليه وآلهوسلّم بعثه إلى نجران لدعوتهم الى الإسلامفقالوا (معترضين على القرآن): ألستم تقرؤونيا أُخْتَ هارُونَ و بينهما كذا و كذا»(حيث تصوروا أنّ المراد هو هارون أخو موسى)فلمّا لم يستطع المغيرة جوابهم ذكر ذلكللنّبي صلّى الله عليه وآله وسلّمفقال: «ألا قلت لهم:إنّهم كانوا يسمّون بأنبيائهم و الصالحينمنهم» «3»أي ينسبون الأشخاص الصالحين منهم الىالأنبياء.في هذه الساعة، سكتت مريم بأمر اللّه، والعمل الوحيد الذي قامت به، هو أنّهاأشارت إلى وليدها فَأَشارَتْ إِلَيْهِ.إلّا أنّ هذا العمل جعل هؤلاء يتعجبون 1- «فريا» بناء على قول الراغب فيالمفردات- جاءت بمعنى العظيم أو العجيب، وفي الأصل من مادة فري، أي قص و قطع الجلدإمّا لإصلاحه أو إفساده.2- نور الثقلين، الجزء 3، ص 333.3- المصدر السّابق.