ثمّ تشير الآية إلى مقامه العالي و تقول:وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا. و هناكبحث بين المفسّرين في أن المراد هل هو عظمةمقام إدريس المعنوية، أم الارتفاعالمكاني بين المفسّرين في أنّ المراد هلهو عظمة مقام إدريس المعنوية، أم الارتفاعالمكاني الحسي؟ فالبعض اعتبر ذلك- كماذهبنا إليه- إشارة إلى المقامات المعنويةو الدرجات الروحية لهذا النّبي الكبير، والبعض الآخر يعتقد أن اللّه سبحانه قد رفعإدريس كالمسيح إلى السماء، و اعتبرواالتعبير بـ (مكان عليّ) إشارة إلى هذا.إلّا أنّ إطلاق كلمة المكان على المقاماتالمعنوية أمر متداول و طبيعي، فنحن نرى فيالآية (77) من سورة يوسف أنّ يوسف قد قاللإخوته العاصين:أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً.و على كل حال، فإنّ إدريس واحد من أنبياءاللّه المكرمين، و سيأتي شرح حاله فيالبحوث القادمة إن شاء اللّه تعالى.ثمّ تبيّن الآية التالية بصورة جماعية عنكل الامتيازات و الخصائص التي مرت فيالآيات السابقة حول الأنبياء العظام وصفاتهم و حالاتهم و المواهب التي أعطاهماللّه إياها، فتقول: أُولئِكَ الَّذِينَأَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَالنَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ.و مع أن كل هؤلاء الأنبياء كانوا من ذريةآدم، غير أنّهم لقربهم من أحد الأنبياءالكبار فقد سمّوا بذرية إبراهيم وإسرائيل، و على هذا فإنّ المراد من ذريةآدم في هذه الآية هو إدريس، حيث كان- حسبالمشهور- جدّ النّبي نوح، و المراد منالذرية هم الذين ركبوا مع نوح في السفينة،لأنّ إبراهيم كان من أولاد سام بن نوح.و المراد من ذرية إبراهيم إسحاق و إسماعيلو يعقوب، و المراد من ذرية إسرائيل: موسى وهارون و زكريا و يحيى و عيسى، و الذين أشيرفي الآيات