ليست كحدائق و بساتين هذه الدنيا و نعمهاالزائلة، لأنّ الشيء الذي يقلق الإنسانفيما يتعلق بنعم هذه الدنيا الكثيرة هوزوالها في النهاية، إلّا أن مثل هذا القلقبالنسبة لنعم الجنّة لا معنى له «1».كلمة (عباده) تعني عباد اللّه المؤمنين،لا جميع العباد، و التعبير (بالغيب) الذيجاء بعدها يعني غيبته و اختفاءه عن نظرهمإلّا أنّهم يؤمنون به. و في الآية (30) منسورة الفجر نقرأ أيضا: فَادْخُلِي فِيعِبادِي وَ ادْخُلِي جَنَّتِي.و يحتمل أيضا في معنى الغيب أنّ نعمالجنّة على هيئة لم ترها عين، و لم تسمعبها أذن، و لم تخطر على فكر و قلب بشر، وبكلمة واحدة: إنّها غائبة عن حسنا وإدراكنا، عالم أسمى و أوسع من هذا العالم،و نحن لا نرى منها إلا شبحا من بعيد بعينالروح و القلب.ثمّ تشير بعد ذلك إلى نعمة أخرى من أكبرنعم الجنّة فتقول: لا يَسْمَعُونَ فِيهالَغْواً فلا كذب، و لا عداء، لا تهمة و لاجرح لسان، لا سخرية و لا حتى كلام لا فائدةفيه، بل الشيء الوحيد الذي يسمعونه هوالسلام إِلَّا سَلاماً.«السلام» بالمعنى الواسع للكلمة، و الذييدل على سلامة الروح و الفكر و اللسان والسلوك و العمل.السلام الذي جعل ذلك الجو و تلك البيئةجنة، و اقتلع كل نوع من الأذى منها.السلام الذي هو علامة على المحيط الآمن،المحيط الملي بالصفاء و العلاقة الحميمة والطهارة و التقوى الصلح و الهدوء والاطمئنان.و في آيات أخرى من القرآن جاءت هذهالحقيقة أيضا بتعبيرات مختلفة، ففي الآية(73) من سورة الزمر نقرأ: وَ قالَ لَهُمْخَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْفَادْخُلُوها خالِدِينَ. و في الآية (34) منسورة ق: ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُالْخُلُودِ 1- (عدن) في اللغة بمعنى الإقامة، و هناتعطي هذا المعنى، بأن ساكني تلك الجنانسيكونون مقيمين فيها دائما.