( مسألة ) قال ( و من أعتق سائبة لم يكن له الولاء فان أخذ من ميراثه شيئا رده في مثله ) قال أحمد في رواية عبد الله : الرجل يعتق عبده سائبة هو الرجل يقول لعبده قد أعتقتك سائبه كأنه يجعله لله و لا يكون ولاؤه لمولاه قد جعله لله و سلمه عن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله بن مسعود السائبة يضع ماله حيث شاء .و قال أحمد قال عمر : السائبة و الصدقة ليومهما .و متى قال الرجل لعبده أعتقتك سائبة أو أعتقتك و لا ولاء لي عليك لم يكن له عليه ولاء .فان مات و خلف ما لا و لم يدع وارثا اشتري بماله رقاب فأعتقوا في المنصوص عن أحمد و أعتق ابن عمر عبدا سائبة فمات فاشترى ابن عمر بماله رقابا فاعتقهم ، و قال عمر بن عبد العزيز و الزهري و مكحول و أبو العالية و مالك يجعل ولاؤه لجماعة المسلمين و عن عطاء أنه قال كنا نعلم أنه إذا قال أنت حر سائبة فهو يوالي من شاء و لعل أحمد رحمه الله ذهب إلى شراء الرقاب استحبابا لفعل ابن عمر و الولاء للمعتق و هذا قول النخعي و الشعبي و ابن سيرين و راشد بن سعيد و ضمرة بن حبيب و الشافعي و أهل العراق لقوله عليه السلام الولاء لمن أعتق و جعله لحمة كلحمة النسب فكما لا يزول نسب إنسان و لا ولد عن فراش بشرط لا يزول ولاء عن معتق ، و لذلك لما أراد أهل بريرة اشتراط ولائها على عائشة قال لها النبي صلى الله عليه و سلم ( اشتريها و اشترطئ لهم الولاء فانما الولاء لمن أعتق ) يعني أن اشتراطهم تحويل الولاء عن المعتق
(246)
لا يفيد شيئا و لا يزيل الولاء عن المعتق ، و روى مسلم باسناده عن هزيل بن شرحبيل قال جاء رجل اإلى عبد الله فقال اني أعتقت عبدا لي و جعلته سائبة فمات و ترك ما لا و لم يدع وارثا فقال عبد الله إن أهل الاسلام لا يسيبون و ان أهل الجاهلية كانوا يسيبون و أنت ولي نعمته فان تأثمت و تحرجت من شيء فنحن نقبله و نجعله في بيت المال ، و قال سعيد ثنا هشيم ثنا بشر عن عطاء أن طارق بن المرقع أعتق سوائب فماتوا فكتب إلى عمر رضي الله عنه فكتب عمر : ان ادفع مال الرجل إلى مولاه فان قبله و الا فاشتر به رقابا فأعتقهم عنه ، و قال ثنا هشيم عن منصور أن عمر و ابن مسعود قالا في ميراث السائبة هو للذي أعتقه و هذا القول أصح في الاثر و النظر ، و في المواضع التي جعل الصحابة ميراثه لبيت المال أو في مثله كان لتبرع المعتق و تورعه عن ميراثه كفعل ابن عمر في ميراث معتقه و فعل عمرو ابن مسعود في ميراث الذي تورع سيده عن أخذ ماله ، و قد روي أن سالما مولى أبي حنيفة أعتقته لبني بنت يعار سائبة فقتل و ترك ابنة فأعطاها عمر نصف ماله و جعل النصف في بيت المال و على القول المنصوص عن أحمد ان خلف السائبة ما لا اشتري به رقاب فاعتقوا فان رجع من ميراثهم شيء اشترى به أيضا رقاب فاعتقوا ، و إن خلف السائبة ذا فرض لا يستغرق ماله أخذ فرضه و اشتري بباقيه رقاب فاعتقوا و لا يرد على ذي الفرض ( فصل ) و ان عتق عبدا عن كفارته أو نذره أو من زكاته فقال أحمد في الذي يعتق من زكاته ان ورث منه شيئا جعله في مثله قال و هذا قول الحسن و به قال إسحاق ، و على قياس ذلك العتق من
(247)
عتق ذي الرحم المحرم بملك محرمه له
الكفارة و النذر لانه واجب عليه ، و قد روى عن أحمد رحمه الله أنه قال في الذي يعتق في الزكاة ولاؤه للذي جرى عتقه على يديه ، و قال مالك و العنبري ولاؤه لسائر المسلمين و يجعل في بيت المال و قال أبو عبيد ولاؤه لصاحب الصدقة و هو قول الجمهور في العتق في النذر و الكفارة لقول النبي صلى الله عليه و سلم ( الولاء لمن أعتق ) و لان عائشة اشترت بريرة بشرط العتق فاعتقتها فكان ولاؤها لها و شرط العتق يوجب و لانه معتق عن نفسه فكان الولاء له كما لو اشترط عليه العتق فأعتق و لنا أن الذي أعتق من الزكاة معتق من ماله فلم يكن له الولاء كما لو دفعها إلى الساعي فاشترى بها و اعتق و كما لو دفع إلى المكاتب ما لا فأداه في كتابته ، و فارق من اشترط عليه العتق فانه انما أعتق ماله و العتق في الكفارة و النذر واجب عليه فأشبه العتق من الزكاة ، و ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يعتق من الزكاة و علل بعضهم المنع من ذلك بانه يجر الولاء إلى نفسه فينتفع بزكاته و هذا قول لاحمد رواه عن جماعة و هو قول النخعي و الشافعي ( مسألة ) قال ( و من ملك ذا رحم محرم عتق عليه و كان ولاؤه له ) ذو الرحم المحرم القريب الذي يحرم نكاحه عليه لو كان أحدهما رجلا و الآخر إمرأة و هم الوالدان و ان علوا من قبل الاب و الام جميعا و الولد و ان سفل من ولد البنين و البنات و الاخوة و الاخوات و أولادهم
(248)
و أن سفلوا و الاعمام و العمات و الاخوال و الخالات دون أولادهم فمتى ملك أحدا منهم عتق عليه روي ذلك عن عمر و ابن مسعود رضي الله عنهما و به قال الحسن و جابر بن زيد و عطاء و الحكم و حماد و ابن أبي ليلي و الثوري و الليث و أبو حنيفة و الحسن بن صالح و شريك و يحيى بن آدم ، و أعتق مالك الوالدين و المولودين و ان بعدوا و الاخوة و الاخوات دون أولادهم ، و لم يعتق الشافعي الا عمودي النسب و عن احمد رواية كذلك ذكرها أبو الخطاب و لم يعتق داود و أهل الظاهر أحدا حتى يعتقه لقول النبي صلى الله عليه و سلم ( لا يجزئ ولد والده الا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ) رواه مسلم و لنا ما روى الحسن عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( من ملك ذا رحم محر ، فهو حر ) رواه أبو داود و الترمذي و قال حديث حسن و لانه ذو رحم محرم فيعتق عليه بالملك كعمودى النسب و كالاخوة و الاخوات عند مالك ، فأما قوله حتى يشتريه فيعتقه فيحتمل أنه أراد يشتريه فيعتقه بشرائة له كما يقال ضربه فقتله و الضرب هو القتل و ذلك لان الشراء لما كان يحصل به العتق تارة دون أخرى جاز عطف صفته عليه كما يقال ضربه فأطار رأسه ، و متى عتق عليه فولاؤه له لانه يعتق من ماله بسبب فعله فكان ولاؤه له كما لو بأشر عتقه و سواء ملكه بشراء أو هبة أو غنيمة أو ارث أو غيره لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافا ( فصل ) و لا خلاف في أن المحارم من ذوي الارحام لا يعتقون على سيدهم كالام و الاخ من
(249)
ولاء المكاتب والمدبر لسيدهما
الرضاعة و الربيبة وأم الزوجة و ابنتها الا أنه حكي عن الحسن و ابن سيرين و شريك أنه لا يجوز بيع الاخ من الرضاعة ، و روي عن ابن مسعود أنه كرهه و الاول أصح قال الزهري جرت السنة بأن يباع الاخ و الاخت من الرضاع و لانه لا نص في عتقهم و لا هم في معنى المنصوص عليه فيبقون على الاصل و لانهما لا رحم بينهما و لا توارث و لا تلزمه نفقته فأشبه الربيبة وأم الزوجة ( فصل ) و ان ملك ولده من الزنا لم يعتق عليه على ظاهر كلام أحمد لان أحكام الولد غير ثابتة فيه و هي الميراث و الحجب و المحرمية و وجوب الانفاق و ثبوت الولاية له عليه ، و يحتمل أن يعتق لانه جزؤه حقيقة و قد ثبت فيه حكم تحريم التزويج ، و لهذا لو ملك ولده المخالف له في الدين عتق عليه مع انتفاء هذه الاحكام ( مسألة ) قال ( و ولاء المكاتب و المدبر لسيدهما إذا أعتقا ) هذا قول عامة الفقهاء و به يقول الشافعي و أهل العراق و حكى ابن سراقة عن عمرو بن دينار و أبي ثور أنه لا ولاء على المكاتب لانه اشترى نفسه من سيده فلم يكن له عليه ولاء كما لو اشتراه أجنبي فاعتقه و كان قتادة يقول من لم يشترط ولاء المكاتب فلمكاتبه أن يوالي من شاء و قال مكحول أما المكاتب إذا اشترط ولاءه مع رقبته فجائز
(250)
و لنا أن السيد هو المعتق للمكاتب لانه يتبعه بماله و ماله و كسبه لسيده فجعل ذلك له ثم باعه به حتى عتق فكان هو المعتق و هو المعتق للمدبر بلا اشكال ، و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم ( الولاء لمن أعتق ) و يدل على ذلك أن المكاتبين يدعون موالي مكاتبيهم فيقال أبو سعيد مولى ابن أسيد و سيرين مولى انس و سليمان بن يسار مولى ميمونة ، و قد وهبت ولاءه لا بن عباس و كانوا مكاتبين و كذلك أشباههم و يدل على ذلك أن في حديث بريرة أنها جاءت عائشة فقالت يا أم المؤمنين اني كاتبت أهلي على تسع أواق فأعينيني فقالت عائشة إن شاؤوا عددت لهم عدة واحدة و يكون ولاؤك لي فعلت فأبوا أن يبيعوها إلا أن يكون الولاء لهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( اشتريها و اشترطي لهم الولاء ) ) و هذا يدل على أن الولاء كان لهم لو لم تشترها منهم عائشة ( فصل ) و ان اشترى العبد نفسه من سيده بعوض حال عتق و الولاء لسيده لانه يبيع ماله بماله فهو مثل المكاتب سواء و السيد هو المعتق لهما فالولاء له عليهما ( مسألة ) قال ( و ولاء أم الولد لسيدها إذا ماتت ) يعنى إذا عتقت بموت سيدها فولاؤها له يرثها قرب عصبته و هذا قول عمر و عثمان و به قال عامة الفقهاء ، و قال ابن مسعود : تعتق من نصيب ابنها فيكون ولاؤها له و عن ابن عباس نحوه و عن
(251)
علي لا تعتق ما لم يعتقها و له بيعها و به قال جابر بن زيد و أهل الظاهر ، و عن ابن عباس نحوه و لذكر الدليل على عتقها موضع هذا و لا خلاف بين القائلين بعتقها ان ولاءها لمن عتقت عليه و مذهب الجمهور أنها تعتق بموت سيدها من رأس المال فيكون ولاؤها له لانها عتقت بفعله من ماله فكان ولاؤها له كما لو عتقت بقوله و يختص ميراثها بالولاء بالذكور من عصبة السيد كالمدبر و المكاتب ( مسألة ) قال ( و من أعتق عبده عن رجل حي بلا أمره أو عن ميت فالولاء للمعتق ) هذا قول الثوري و الاوزاعي و الشافعي و أبي حنيفة و أبي يوسف و داود ، و روي عن ابن عباس ان ولاءه للمعتق عنه ، و به قال الحسن و مالك و أبو عبيد لانه أعتقه عن غيره فكان الولاء للمعتق عنه كما لو أذن له و لنا قول النبي صلى الله عليه و سلم ( الولاء للمعتق ) و لانه أعتق عبده من إذن غيره له فكان الولاء له كما لو لم يقصد شيئا ( مسألة ) قال ( و ان أعتقه عنه بأمره فالولاء للمعتق عنه بأمره ) و بهذا قال جميع من حكينا قوله في المسألة الاولى الا أبا حنيفة و وافقه أبو يوسف و محمد بن الحسن و داود فقالوا الولاء للمعتق إلا أن يعتقه عنه على عوض فيكون له الولاء و يلزم العوض و يصير كانه