أصحابه و لا يشتغل النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه إلا بالافضل و لا تجتمع الصحابة على ترك الافضل و الاشتغال بالادنى .و من العجب أن من يفضل التخلي لم يفعله فكيف اجتمعوا على النكاح في فعله و خالفوه في فضله فما كان فيهم من يتبع الافضل عنده و يعمل بالادنى ، و لان مصالح النكاح أكثر فانه يشتمل على تحصين الدين و إحرازه و تحصين المرأة و حفظها و القيام بها و إيجاد النسل و تكثير الامة و تحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه و سلم و غير ذلك من المصالح الراجح أحدها على نفل العبادة بمجموعها أولى و قد روينا في أخبار المتقدمين ان قوما ذكروا لنبي لهم فضل عابد لهم فقال أما انه لتارك لشيء من السنة فبلغ العابد فأتى النبي فسأله عن ذلك فقال انك تركت التزويج فقال يا نبي الله و ما هو إلا هذا فلما رأى النبي احتقاره لذلك قال أ رأيت لو ترك الناس كلهم التزويج من كان يقوم بالجهاد و ينفي العدو و يقوم بفرائض الله و حدوده ؟ و أما ما ذكر عن يحيى فهو شرعه و شرعنا وارد بخلافه فهو أولى .و البيع لا يشتمل على مصالح النكاح و لا يقاربها ( القسم الثالث ) من لا شهوة له إما لانه لم يخلق له شهوة كالعنين أو كانت له شهوة فذهبت بكبر أو مر ض و نحوه ففيه وجهان ( أحدهما ) يستحب له النكاح لعموم ما ذكرنا ( و الثاني ) التخلي له أفضل لانه لا يحصل مصالح النكاح و بمنع زوجته من التحصين بغيره و يضربها بحبسها على نفسه و يعرض نفسه لواجبات و حقوق لعله لا يتمكن من القيام بها و يشتغل عن العلم و العبادة بما لا فائدة فيه .و الاخبار تحمل على من له شهوة لما فيها من القرائن الد لة عليها .و ظاهر كلام أحمد أنه لافرق بين القادر على الانفاق و العاجز عنه و قال و ينبغي للرجل أن يتزوج فان كان عنده ما ينفق أنفق و ان لم يكن عنده صبر
(337)
لا نكاح إلا بولي وشاهدين من المسلمين
و لو تزوج بشر كان قد ثم أمره و احتج بأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصبح و ما عنده شيء و يمسى و ما عنده شيء و ان النبي صلى الله عليه و سلم زوج رجلا لم يقدر الا على خاتم حديد و لا وجد الا ازاره و لم يكن له رداء .أخرجه البخاري : قال أحمد في رجل قليل الكسب يضعف قلبه عن العيال : الله يرزقهم ، التزويج أحصن له ربما أتى عليه وقت لا يملك قلبه فيه .و هذا في حق من يمكنه التزويج فأما من لا يمكنه فقد قال الله تعالى ( و ليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ) ( مسألة ) قال ( و لا نكاح إلا بولي و شاهدين من المسلمين ) في هذه المسألة أربعة فصول ( أحدها ) ان النكاح لا يصح الا بولي و لا تملك المرأة تزويج نفسها و لا غيرها و لا توكيل غير وليها في تزويجها فان فعلت لم يصح النكاح روي هذا عن عمر و علي و ابن مسعود و ابن عباس و أبي هريرة و عائشة رضي الله عنهم و اليه ذهب سعيد بن المسيب و الحسن و عمر بن عبد العزيز و جابر بن زيد و الثوري و ابن ابي ليلي و ابن شبرمة و ابن المبارك و عبيد الله العنبري و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد .و روي عن ابن سيرين و القاسم بن محمد و الحسن بن صالح و أبي صالح و أبي يوسف لا يجوز لها ذلك بغير إذن الولي فان فعلت كان موقوفا على اجازته و قال أبو حنيفة لها أن تزوج نفسها و غيرها و تؤكل في النكاح لان الله تعالى قال [ و لا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ] أضاف النكاح إليهن و نهى عن منعهن منه و لانه خالص حقها و هي من أهل
(338)
إذا نكحت المرأة نفسها فنكاحها باطل
المباشرة فصح منها كبيع أمتها و لانها إذا ملكت بيع أمتها و هو تصرف في رقبتها و سائر منافعها ففي النكاح الذي هو عقد على بعض منافعها أولى و لنا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( لا نكاح الا بولي ) روته عائشة و أبو موسى و ابن عباس ، قال المروذي سألت احمد و يحيى عن حديث ( لا نكاح الا بولي ) فقالا صحيح و روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ( ايما إمرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فان أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فان اشتجروا فالسلطان ولي من لاولي له ) رواه الامام احمد و أبو داود و غيرهما فان قيل فان الزهري رواه و قد أنكره ، قال ابن خديج سألت الزهري عنه فلم يعرفه قلنا له لم يقل هذا عن ابن خديج علية كذلك قال الامام أحمد و يحيى و لو ثبت هذا لم يكن حجة لانه قد نقله ثقاة عنه فلو نسيه الزهري لم يضره لان النسيان لم يعصم منه إنسان .قال النبي صلى الله عليه و سلم ( نسى آدم فنسيت ذريته ) و لانها مولى عليها في النكاح فلا تليه كالصغيرة و أما الآية فان عظلها الامتناع من تزويجها و هذا يدل على أن نكاحها إلى الولي و يدل عليه انها نزلت في شأن معقل بن يسار حين امتنع من تزويج أخته فدعاء النبي صلى الله عليه و سلم فزوجها و أضافه إليها لانها محل له .إذا ثبت هذا فانه لا يجوز لها تزويج أحد ، و عن احمد لها تزويج أختها و هذا يدل على صحة عبارتها في النكاح فيخرج منه أن لها تزويج نفسها باذن وليها و تزويج غيرها بالوكالة و هو مذهب محمد بن الحسن و ينبغي أن يكون قولا لا بن سيرين و من معه لقول النبي صلى الله عليه و سلم ( أيما إمرأة زوجت نفسها بغير اذن
(339)
اذا حكم بصحة العقد حاكم لم يجز نقضه
وليها فنكاحها باطل ) فمفهومه صحتة باذنه ، و لان المرأة انما منعت الاستقلال بالنكاح لقصور عقلها فلا يؤمن أنخداعها و وقوعه منها على وجه المفسدة و هذا مأمون فيما إذا أذن فيه وليها و الصحيح الاول لعموم قوله ( لا نكاح الا بولي ) و هذا يقدم على دليل الخطاب و التخصيص ههنا خرج مخرج الغالب فان الغالب أنها لا تزوج نفهسا الا بغير إذن وليها و العلة في منعها صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها و رعونتها و ميلها إلى الرجال و ذلك ينافي حال أهل الصيانة و المروءة و الله أعلم ( فصل ) فان حكم بصحة هذا العقد حاكم أو كان المتولي لعقده حاكما لم يجز نقضه و كذلك سائر الانكحة الفاسدة ، و خرج القاضي في هذا وجها خاصة أنه ينقض ، و هو قول الاصطخري من أصحاب الشافعي لانه خالف نصا و الاول أولى ، لانها مسألة مختلف فيها و يسوغ فيها الاجتهاد فلم يجز نقض الحكم كما لو حكم بالشفعة للجار و هذا النص متأول و في صحته كلام و قد عارضه ظواهر ( الفصل الثاني ) أن النكاح لا ينعقد إلا بشاهدين ، هذا المشهور عن احمد ، و روي ذلك عن عمر و علي و هو قول ابن عباس و سعيد بن المسيب و جابر بن زيد و الحسن و النخعي و قتادة و الثوري و الاوزاعي و الشافعي و أصحاب الرأي .و عن احمد أنه يصح بغير شهود و فعله ابن عمر و الحسن بن علي و ابن الزبير و سالم و حمزة ابنا ابن عمر ، و به قال عبد الله بن إدريس و عبد الرحمن به مهدي و يزيد بن هارون و العنبري و أبو ثور و ابن المنذر و هو قول الزهرى و مالك إذا أعلنوه .قال ابن المنذر لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر ، و قال ابن عبد البر قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم ( لا نكاح إلا بولي و شاهدين عدلين ) من حديث بن عباس و أبي هريرة و ابن عمر إلا أن في نقله ذلك ضعيفا فلم أذكره
(340)
لا ينعقد النكاح الا بشهادة مسلمين
قال ابن المنذر : و قد أعتق النبي صلى الله عليه و سلم صفية ابنة حي فتزوجها بغير شهود .قال أنس ابن مالك رضي الله عنه : اشترى رسول الله صلى الله عليه و سلم جارية بسبعة قروش ، فقال الناس ما ندري أتزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم أم جعلها أم ولد ؟ فلما أن أراد أن يركب حجبها فعلموا أنه تزوجها متفق عليه ، قال فاستدلوا على تزويجها بالحجاب : و قال يزيد بن هارون : أمر الله تعالى بالاشهاد في البيع دون النكاح فاشترط أصحاب الرأي الشهادة للنكاح و لم يشترط و ها للبيع ، و وجه الاولى أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( لا نكاح إلا بولي مرشد و شاهدي عدل ) رواه الخلال باسناده و روى الدارقطني عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لابد في النكاح من أربعة : الولى و الزوج و الشاهدان و لانه يتعلق به حق المتعاقدين و هو الولد فاشترطت الشهادة فيه لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه بخلاف البيع فأما نكاح النبي صلى الله عليه و سلم بغير ولي و غير شهود فمن خصائصه في النكاح فلا يلحق به غيره .( الفصل الثالث ) أنه لا ينعقد إلا بشهادة مسلمين سواء كان الزوجان مسلمين أو الزوج وحده نص عليه أحمد و هو قول الشافعي و قال أبو حنيفة إذا كانت المرأة ذمية صح بشهادة ذميين قال أبو الخطاب و يتخرج لنا مثل ذلك مبنيا على الرواية التي تقول بقبول شهادة بعض أهل الذمة على بعض و لنا قوله عليه السلام لا نكاح إلا بولي و شاهدي عدل و لانه نكاح مسلم فلم ينعقد بشهادة ذميين كنكاح المسلمين .
(341)
لا ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين
( فصل ) فأما الفاسقان ففى انعقاد النكاح بشهادتهما روايتان [ احداهما ] لا ينعقد و هو مذهب الشافعي للخبر و لان النكاح لا يثبت بشهادتهما فلم ينعقد بحضورهما كالمجنونين ( و الثانية ) ينعقد بشهادتهما و هو قول أبي حنيفة لانها تحمل فصحت من الفاسق كسائر التحملات و على كلتا الروايتين لا يعتبر حقيقة العدالة بل ينعقد بشهادة مستوري الحال لان النكاح يكون في القرى و البادية و بين عامة الناس ممن لا يعرف حقيقة العدالة فاعتبار ذلك يشق فاكتفى بظاهر حيزين لعباده مجاوزة لم يطر فسقه فان تبين بعد العقد أنه كان فاسقا لم يؤثر ذلك في العقد لان الشرط العدالة ظاهرا و هو أن لا يكون ظاهر الفسق و قد تحقق ذلك و قيل نتبين أن النكاح كان فاسدا لعدم الشرط و ليس بصحيح لانه لو كانت العدالة في الباطن شرطا لوجب الكشف عنها لانه مع الشك فيها يكون مشكوكا في شرط النكاح فلا ينعقد و لا تحل المرأة مع الشك في صحة نكاحها و ان حدث الفسق فيهما لم يؤثر في صحة النكاح لان الشرط إنما يعتبر حالة العقد و لو أقر رجل و إمرأة أنهما نكحا بولي و شاهدي عدل قبل قولهما و ثبت النكاح بإقرارهما ( فصل ) و لا ينعقد بشهادة رجل و إمرأتين و هذا قول النخعي و الاوزاعي و الشافعي و عن أحمد أنه قال إذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز و ان كان معهن رجل فهو أهون فيحتمل أن هذا رواية أخرى في انعقاده بذلك و هو قول أصحاب الرأي و يروى عن الشعبي لانه عقد معاوضة فانعقد بشهادتهن مع الرجال كالبيع و لنا أن الزهري قال مضت السنة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا يجوز شهادة النساء في الحدود
(342)
يصح انعقاد النكاح بشهادة عبدين
و لا في النكاح و لا في الطلاق رواه أبو عبيد في الاموال و هذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه و سلم و لانه عقد ليس بمال و لا المقصود منه المال و يحضره الرجال في غالب الاحوال فلا يثبت بشهادتهن كالحدود و بهذا فارق اليسع و يحتمل أن أحمد إنما قال هو أهون لوقوع الخلاف فيه فلا يكون رواية ( فصل ) و لا ينعقد بشهادة صبين لانهما ليسا من أهل الشهادة و يحتمل أن ينعقد بشهادة مراهقين عاقلين و لا ينعقد بشهادة مجنونين و لا سائر من لا شهادة له لان وجوده كالمعدم و لا ينعقد بشهادة أصمين لانهما لا يسمعان و لا أخرسين لعدم إمكان الاداء منهما و في انعقاده بحضور أهل الصنائع الزوية كالحجام و نحوه وجهان بناء على قبول شهادتهم و في انعقاده بشهادة عدوين أو ابني الزوجين أو أحدهما وجهان ( أحدهما ) ينعقد اختاره أبو عبد الله بن بطة لعموم قوله ( الا بولي و شاهدي عدل ) و لانه ينعقد بهما نكاح هذا الزوج فانعقد بهما نكاحه كسائر العدول ( و الثاني ) لا ينعقد بشهادتهما لان العدو لا تقبل شهادته على عدوه و الا بن لا تقبل شهادته لوالده ( فصل ) و ينعقد بشهادة عبدين ، و قال أبو حنيفة و الشافعي لا ينعقد ، و مبنى الخلاف على قبول شهادتهما في سائر الحقوق و نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى ، و ينعقد بشهادة ضريرين و للشافعية وجهان في ذلك .و لنا أنها شهادة على قول فصحت من الاعمى كالشهادة بالاستفاضة و إنما ينعقد بشهادتهما إذا تيقن الصوت و علم صوت المتعاقدين على وجه لا يشك فيهما كما يعلم ذلك من يراهما و إلا فلا ( فصل ) و إذا تزوجت المرأة تزويجا فاسدا لم يجز تزويجها لغير من تزوجها حتى يطلقها أو يفسخ