( فصل ) و تمام المهر على الزوج لان التسمية ههنا فاسدة لكونها مأذون فيها شرعا فوجب على الزوج مهر المثل كما لو زوجها بمحرم و على الولي ضمانه لانه المفرط فكان عليه الضمان كما لو باع مالها بدون ثمن مثله .قال أحمد أخاف أن يكون ضامنا و ليس الاب مثل الولي و لا تملك المرأة الفسخ لانه قد حصل لها وجوب مهر مثلها و الله أعلم .( مسألة ) قال ( و من زوج غلاما بالغ أو معتوها لم يجز الا أن يزوجه والده أو وصي ناظر له في التزويج ) الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة : ( أحدها ) أنه ليس لغير الاب أو وصيه تزويج الغلام قبل بلوغه ، و قال القاضي في المجرد للحاكم تزويجه لانه يلي ماله ، و قال الشافعي يملك ولي الصبي تزويجه ليألف حفظ فرجه عند بلوغه و ليس بسديد فان الاب لا يملك تزويج الجارية الصغيرة فالغلام أولى و فارق الاب و وصيه فان لهما تزويج الصغيرة و ولاية الاجبار و سواء أذن الغلام في تزويجه أو لم يأذن فانه لا إذن له ( الفصل الثاني ) في المعتوه و هو الزائل العقل بجنون مطبق ليس لغير الاب و وصيه تزويجه ، و هذا قول مالك و قال أبو عبد الله بن حامد للحاكم تزويجه إذا ظهر منه شهوة النساء بأن يتبعهن
(393)
تزويج الاب الصبي والبالغ المعتوة
و يريدهن و هذا مذهب الشافعي لان ذلك من مصالحه و ليس له حال ينتظر فيها اذنه و قد ذكرنا توجيه الوجهين في تزويج المجنونة و ينبغي على هذا القول أن يجوز تزويجه إذا قال أهل الطب ان في تزويجه ذهاب علته لانه من أعظم مصالحه و الله أعلم ( الفصل الثالث ) أن للاب أو وصيه تزويجهما سواء كان الغلام عاقلا أو مجنونا و سواء كان الجنون مستداما أو طارئا فأما الغلام السليم من الجنون فلا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن لابيه تزويجه كذلك قال ابن المنذر و ممن هذا مذهبه الحسن و الزهري و قتادة و مالك و الثوري و الاوزاعي و إسحاق و الشافعي و أصحاب الرأي لما روي أن ابن عمر زوج ابنه و هو صغير فاختصما إلى زيد فأجازه جميعا رواه الاثرم باسناده فأما الغلام المعتوه فلابيه تزويجه و قال الشافعي لا يجوز لانه يلزمه التزويج حقوقا من المهر و النفقة مع عدم حاجته فلم يجز له ذلك كغيره من الاولياء و لنا أنه بالغ فملك أبوه تزويجه كالعاقل و لانه إذا ملك تزويج العاقل مع أن له نفع احتياجه إلى التزويج رأيا و نظرا لنفسه فلان يجوز تزويج من لا يتوقع فيه ذلك أولى ، و فارق الاب فانه لا يملك تزويج العاقل ، و أما البالغ المعتوه فظاهر كلام أحمد و الخرقي أن للاب تزويجه مع ظهور أمارات الشهوة و عدمها و قال القاضي انما يجوز تزويجه إذا ظهرت منه أمارات الشهوة باتباع النساء و نحوه و هو مذهب الشافعي لان في تزويجه مع عدم حاجته اضرارا به بإلزامه حقوقا لا مصلحة له في التزامها و قال أبو بكر ليس للاب تزويجه بحال لانه رجل فلم يجز إجباره على النكاح كالعاقل و قال زفر ان طرأ عليه الجنون بعد البلوغ لم يجز تزويجه و ان كان مستداما جاز و لنا أنه مكلف فجاز لابيه تزويجه كالصغير فانه إذا جاز تزويج الصغير مع عدم حاجته في الحال و توقع نظره عند الحاجة فههنا أولى
(394)
كون وصي الاب الاب بمنزلته في نكاح الصبي
و لنا على التسوية بين الطاري و المستدام أنه معنى يثبت الولاية فاستوى طارئه و مستدامه كالرق و لانه جنون يثبت الولاية على ماله فأثبتها عليه في النكاح كالمستدام ، فأما اعتبار الحاجة فلا بد منها فانه لا يجوز لوليه تزويجه إلا إذا رأى المصلحة فيه أن الحاجة لا تنحصر في قضأ الشهوة فقد تكون حاجته إلى الايواء و الحفظ و ربما كان دواء له و يترجى به شفاؤه فجاز التزويج له كقضاء الشهوة و الله أعلم .( فصل ) و من يفيق في الاحيان لا يجوز تزويجه إلا باذنه لان ذلك ممكن و من أمكن أن يتزوج لنفسه لم تثبت الولاية عليه كالعاقل و لو زال عقله ببرسام أو مرض مرجو الزوال فهو كالعاقل فان ذلك لا يثبت الولاية على ماله فعلى نفسه أولى و ان لم يرج زواله فهو داخل فيما ذكرناه ( الفصل الرابع ) أن وصي الاب في النكاح بمنزلته على ما ذكرنا في ثبوت الولاية للوصي على المرأة و في هذا من الخلاف مثل ما فيه و إنما يثبت ذلك لوصي الاب في التزويج خاصة فان كان وصيا في المال لم تكن له ولاية في التزويج لانه إنما يستفيد بالتصرف بالوصية فلا يملك ما لم يوص به اليه و وصي الاب لا ولاية له على صبي أو مجنون لان الموصي لا يملك ذلك فوصيه أولى ( فصل ) و ان تزوج لصغير أو مجنون فانه يقبل لهما النكاح و لا يجوز أن يأذن لهما في قبوله لانهما ليسا من أهل التصرف و ان كان الغلام ابن عشر و هو مميز فقياس المذهب جواز تفويض القبول اليه حتى يتولاه لنفسه كما يفوض أمر البيع اليه و لانه يملك إيقاع الطلاق بنفسه ، و ان تزوج له الولي جاز كما يجوز
(395)
امتناع التزويج للصبى والمعتوه بزيادة على مهر المثل
أن يبتاع له و هذا على الرواية التي تقول بصحة بيعه و وقوع طلاقه و ان قلنا لا يصح ذلك منه فهذا أولى .( فصل ) و ذكر القاضي أنه لا يجوز أن يتزوج لهما بزيادة على مهر المثل لانه معاوضة في حق الغير فلم تجز الزيادة فيها على عوض المثل كبيع ماله و هذا مذهب الشافعي ، و قد ذكرنا أن للاب تزويج ابنته بدون صداق مثلها فهذا مثله فانه قد يرى المصلحة في ذلك فجاز له بذل المال فيه كما يجوز في مداواته بل الجواز ههنا أولى فان الغالب أن المرأة لا ترضى بتزويج مجنون الا أن ترغب بزيادة على مهر مثلها فيتعذر الوصول اليه بدون ذلك بخلاف المرأة و ذكر القاضي في المجرد أن قياس المذهب أنه لا يزوجه بأكثر من إمرأة واحدة لعدم حاجته إلى زيادة عليها فيكون بذلا لماله فيما لا حاجة به اليه و ذكر في الجامع أن له تزويج ابنه الصغير بأربع لانه قد يرى المصلحة فيه و ليس له تزويجه بمعيبة عيبا يرد به في النكاح لان فيه ضررا به و تفويتا لما له فيما لا مصلحة له فيه فان فعل خرج في صحة النكاح وجهان فان قلنا يصح فهل للولي الفسخ في الحال ؟ على وجهين مضى توجيهها في تزويج الصغيرة بمعيب و متى لم يفسخ حتى بلغ الصبي أو عقل المجنون فلهما الفسخ و ليس له تزويجه بامة لان إباحتها مشروطة بخوف العنت و هو معدوم في حق الصبي معدوم في المجنون ( فصل ) و إذا زوج ابنه تعلق الصداق بذمة الابن موسرا كان أو معسرا لانه عقد للابن فكان عليه بذله كثمن المبيع و هل يضمنه الاب ؟ فيه روايتان ( احداهما ) يضمنه نص عليه فقال تزويج الاب لابنه الطفل جائز و يضمن الاب المهر لانه التزم العوض عنه فضمنه كما لو نطق بالضمان ( و الاخرى ) لا يضمنه لانه عقد معاوضة ناب فيه عن غيره فلم يضمن عوضه كثمن مبيعه أو كالوكيل قال القاضي هذا
(396)
نكاح المحجور عليه للسفه وأحواله
أصح و قال انما الروايتان فيما إذا كان معسرا أما الموسر فلا يضمن الاب عنه رواية واحدة فان طلق قبل الدخول سقط نصف الصداق ، فان كان ذلك بعد دفع الاب الصداق عنه رجع نصفه إلى الابن و ليس للاب الرجوع فيه بمعنى الرجوع في الهبة لان الابن ملكه بالطلاق عن أبيه فأشبه ما لو وهبه الاب أجنبيا ثم وهبه الاجنبي للابن ، و يحتمل أن يرجع فيه لانه تبرع عن ابنه فلم يستقر الملك حتى استرجعه الابن و كذلك الحكم فيما لو قضى الصداق عن ابنه الكبير ثم طلق قبل الدخول و ان ارتدت قبل الدخول فالحكم في الرجوع في جميعه كالحكم في الرجوع في النصف بالطلاق ( فصل ) في المحجور عليه للسفه و الكلام في نكاحه في ثلاثة أحوال ( أحدها ) أن لوليه تزويجة إذا علم حاجته إلى النكاح لانه نصب لمصالحه و هذا من مصالحه لانه يصون به دينه و عرضه و نفسه فانه ربما تعرض بترك التزويج للاثم بالزنا و الحد و هتك العرض و سواء علم بحاجته بقوله أو بغير قوله ، و سواء كانت حاجته بالاستمتاع أو إلى الخدمة فيزوجه إمرأة لتحل له لانه يحتاج إلى الخلوة بها و إن لم يكن به حاجة اليه لم يجز تزويجه لانه يلزمه بالنكاح حقوقا من المهر و النفقة و العشرة و المبيت و السكنى فيكون تضييعا لماله و نفسه في فائدة فلم يجز كتبذير ماله و إذا أراد تزويجه استأذنه في تزويجه ، فان زوجه بغير اذنه فقال أصحابنا يصح لانه عقد معاوضة فملكه الولي في حق المولى عليه كالبيع ، و لانه محجورا عليه أشبه الصغير و المجنون ، و يحتمل أن لا يملك تزويجه بغير اذنه لانه يملك الطلاق فلم يجبر على النكاح كالرشيد و العبد الكبير ، و ذلك لان إجباره على النكاح مع الملك الطلاق مجرد اضرار فانه يطلق فيلزمه الصداق مع فوات النكاح ، و لانه قد يكون له غرض في إمرأة و لا يكون له في أخرى
(397)
فإذا أجبر على من يكرهها لم تحصل له المصلحة منها وفات عليه غرضه من الاخرى فيحصل مجرد ضرر مستغنى عنه ، و انما جاز ذلك في حق المجنون و الطفل لعدم إمكان الوصول إلى ذلك من قولهما و لم يتعذر ذلك ههنا فوجب أن لا يفوت ذلك عليه كالرشيد ( الحال الثاني ) أن للولي أن يأذن له في التزويج في الحال التي للولي تزويجه فيها و هي حالة الحاجة لانه من أهل النكاح فانه عاقل مكلف و لذلك يملك الطلاق و الخلع فجاز أن يفوض اليه ذلك ثم هو مخير بين أن يعين له المرأة أو يأذن له مطلقا .و قال بعض الشافعية يحتاج إلى التعيين لئلا يتزوج شريفة يكثر مهرها و نفقتها فيتضرر بذلك و لنا انه أذن في النكاح فجاز من تعيين كالاذن للعبد و بهذا يبطل ما ذكروه و لا يتزوج إلا بمهر المثل فان زاد على مهر المثل بطلت الزيادة لانها محاباة بماله و لا يملكها ، و إن نقص عن مهر المثل جاز لانه ربح من خسران ( الحال الثالث ) إذا تزوج بغير اذن فقال أبو بكر يصح النكاح أو ما اليه احمد ، قال القاضي يعنى إذا كان محتاجا فان عدمت الحاجة لم يجز لانه إتلاف لماله في فائدة ، و قال أصحاب الشافعي إن أمكنه استئذان وليه لم يصح إلا باذنه لانه محجور عليه فلم يصح منه التصرف بغير اذن كالعبد ، و إن طلب منه النكاح فأبى أن يزوجه ففيه وجهان و لنا أنه إذا احتاج إلى النكاح فحقه متعين فيه فصح استيفاؤه بنفسه كما لو استوفى دينه الحال عند امتناع وليه من استيفائه ، فاما أن تزوج من حاجة لم يصح فان وطي الزوجة فعليه مهر المثل لانه أتلف بضعها بشبهة فلزمه عوض ما أتلف كما لو أتلف مالها
(398)
امتناع تطليق امرأة المولي عليه على غير الاب
( فصل ) و ليس لغير الاب تطليق إمرأة المولي عليه سواء كان ممن يملك التزويج كوصي الاب و الحاكم على قول ابن حامد أو لا يملكه لا نعلم في هذا خلافا ، فاما الاب إذا زوج ابنه الصغير أو المجنون فقد قال احمد في رجلين زوج أحدهما ابنه بابنة الآخر و هما صغيران ثم ان الابوين كرها هل لهما أن يفسخا فقال قد اختلف في ذلك و كأنه رآه قال أبو بكر لم يبلغني عن ابي عبد الله في هذه المسألة إلا هذه الرواية فتتخرج على قولين ( أحدهما ) يملك ذلك و هو قول عطاء و قتادة لانها ولاية يستفيد بها تمليك البضع فجاز أن يملك بها إزالته إذا لم يكن متهما كالحاكم يملك الطلاق على الصغير و المجنون بالاعتبار ( و القول الثاني ) لا يملك ذلك و هو قول أبي حنيفة و مالك و الشافعي لقول النبي صلى الله عليه و سلم ( إنما الطلاق لمن أخذ بالساق و لانه لا يملك البضع فلا يملك الطلاق بنفسه كوصي الاب و الحاكم و كالسيد يزوج عبده الصغير ، و بهذه الاصول يبطل دليل القول الاول ( فصل ) و إذا ادعت إمرأة المجنون عنته لم تضرب له مدة لانها لا تثبت إلا بإقرار الزوج و لا حكم لاقراره و ان أقر بالعنة و هو صحيح فضربت له المدة ثم جن و انقضت المدة و طالبت المرأة بالفسخ لم يفسخ لانها إن كانت ثيبا فالقول قوله ، و إن كانت بكرا فادعى منعها إياه نفسها و انه وطئها فعادت عذرتها فله استحلافها فإذا كان لا يعبر عن نفسه لم يتسحلف و لا يثبت ما قالته فلم يفسخ عليه ( مسألة ) قال ( و إذا زوج أمته بغير اذنها فقد لزمها النكاح كبيرة كانت أو صغيرة )