فيه و يلحق المرأة الضرر بمنعها من التزويج في مثله فانه يتعذر في ذلك الوصول إلى المصلحة من نظر الاقرب فيكون كالمعدوم و التحديد بالعام كبير فان الضرر يلحق بالانتظار في مثل ذلك و يذهب الخاطب و من لا يصل الكتاب منه أبعد و من هو على مسافة القصر لا تلحق المشقة في مكاتبته و التوسط أولى و الله أعلم و اختلف أصحاب أبى حنيفة في الغيبة المتقطعة فقال بعضهم كقول القاضي و بعضهم قال من الري إلى بغداد و بعضهم قال من البصرة إلى الرقة و هذان القولان يشبهان قول أبى بكر و اختلف أصحاب الشافعي في الغيبة التي يزوج فيها الحاكم فقال بعضهم مسافة القصر ، و قال بعضهم يزوجها الحاكم ، و إن كان الولي قريبا و هو ظاهر نص الشافعي و ظاهر كلام احمد انه إذا كانت الغيبة متقطعة انه ينتظر و يراسل حتى يقدم أو يوكل ( فصل ) و ان كان القريب محبوسا أو أسيرا في مسافة قريبة لا تمكن مراجعته فهو كالبعيد فان البعد لم يعتبر لعينه بل لتعذر الوصول إلى التزويج بنظره و هذا موجود ههنا و لذلك ان كان غائبا لا يعلم قريب أم بعيد أو يعلم أنه قريب و لم يعلم مكانه فهو كالبعيد ( مسألة ) قال ( و إذا زوجت من كفء فالنكاح باطل ) اختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط الكفاءة لصحة النكح فروي عنه أنها شرط له قال إذا تزوج المولى العربية فرق بينهما و هذا قول سفيان و قال أحمد في الرجل يشرب الشراب ما هو
(372)
الرواية الثانية عن أحمد ان الكفائة ليست شرطا في النكاح
بكفء لها يفرق بينهما و قال لو كان المتزوج حائكا فرقت بينهما لقول عمر رضي الله عنه لا منعن فروج ذوات الاحساب إلا من الاكفاء رواه الخلال بأسناده و عن أبي إسحاق الهمداني قال خرج سلمان و جرير في سفر فأقيمت الصلاة فقال جرير لسلمان تقدم أنت قال سلمان بل أنت تقدم فانكم معشر العرب لا يتقدم عليكم في صلاتكم ، و لا تنكح نساؤكم ، إن الله فضلكم علينا بمحمد صلى الله عليه و سلم و جعله فيكم و لان التزويج مع فقد الكفاءة تصرف في حق من يحدث من الاولياء بغير إذنه فلم يصح كما لو زوجها بغير إذنها و قد روي ان النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( لا تنكحوا النساء إلا من الاكفاء و لا تزوجوهن إلا الاولياء ) روه الدارقطني الا أن ابن عبد الله قال : هذا ضعيف لا أصل له و لا يحتج بمثله و الرواية الثانية عن أحمد أنها ليست شرطا في النكاح و هذا قول أكثر أهل العلم ، روى نحو هذا عن عمر و ابن مسعود و عمر بن عبد العزيز و عبيد بن عمير و حماد بن أبي سلمان و ابن سيرين و ابن عون و مالك و الشافعي و أصحاب الرأي لقوله تعالى ( ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) و قالت عائشة رضي الله عنها إن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة تبنى سالما و أنكحه ابنة أخيه هند ابنة الوليد بن عتبة و هو مولى لامرأة من الانصار أخرجه البخاري و أمر النبي صلى الله عليه و سلم فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد مولاه فنكحها بأمره متفق عليه و زوج اباه زيد بن حارثة ابنة عمته زينب بنت جحش الاسدية و قال ابن مسعود لاخته انشدك الله أن تتزوجي الا مسلما و ان كان أحمر روميا أو اسود حبشيا و لان الكفاءة لا تخرج عن كونها حقا للمرأة أو الاولياء أو لهما فلم يشترط وجودها كالسلامة من العيوب
(373)
حكم ما اذا رضي بالعقد بعض الاولياء ولم يرض البعض
و قد روي أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه و سلم في اليافوخ فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( يا بني نياضة أنكحوا أبا هند و أنكحوا اليه ) رواه أبو داود إلا أن أحمد ضعفه و أنكره إنكارا شديدا و الصحيح أنها مشترطة و ما روي فيها يدل على اعتبارها في الجملة و لا يلزم منه اشتراطها و ذلك لان الزوجة و كل واحد من الاولياء له فيها حق و من لم يرض منهم فله الفسخ و لذلك لما زوج رجل ابنته من ابن أخيه ليرفع بها خسيسته جعل لها النبي صلى الله عليه و سلم الخيار فأجازت ما صنع أبوها و لو فقد الشرط لم يكن لها خيار فإذا قلنا باشتراطها فانما نعتبر وجودها حال العقد فان عدمت بعده لم يبطل النكاح لان شروط النكاح انما تعتبر لدى العقد و ان كانت معدومة حال العقد فالنكاح فاسد حكمه حكم العقود الفاسدة على ما مضى فان قلنا ليس شرطا فرضيت المرأة و الاولياء كلهم صح النكاح و إن لم يرض بعضهم فهل يقع العقد باطلا من أصله أو صحيحا ؟ فيه روايتان عن أحمد و قولان للشافعي .( أحدهما ) أنه باطل ، لان الكفاءة حق لجميعهم و العاقل متصرف فيها بغير رضاهم فلم يصح كتصرف الفضولي .( و الثانية ) هو الصحيح بدليل أن المرأة التي رفعت إلى النبي صلى الله عليه و سلم أن أبا هها زوجها من كفئها خبرها و لم يبطل النكاح من أصله و لان العقد وقع بالاذن و النقص الموجود فيه لا يمنع صحته و إنما يثبت الخيار كالعيب من العنة و غيرها فعلى هذه الرواية لمن لم يرض الفسخ ، و بهذا قال الشافعي و مالك و قال أبو حنيفة إذا رضيت المرأة و بعض الاولياء لم يكن لباقي الاولياء فسخ لان هذا الحق لا يتجزأ و قد أسقط بعض الشركاء حقه فسقط جميعه كالقصاص
(374)
شروط الكفالة
و لنا أن كل واحد من الاولياء يعتبر رضاء فلم بسقط برضى غيره كالمرأة مع الولى فأما القصاص فلا يثبت لكل واحد كاملا فإذا سقط بعضه تعذر استيفاؤه و ههنا بخلافه و لانه لو زوجها بدون مهر مثلها ملك الباقون عندهم الاعترا ض مع أنه خالص حقها فههنا مع أنه حق لهم أولى و سواء كانوا متساوين في الدرجة أو متفاوتين فزوج الاقرب مثل أن يزوج الاب بغير كفاء فان للابوة الفسخ و قال مالك و الشافعي ليس لهم الفسخ إذا زوج الاقرب لانه لا حق للابعد معه فرضاؤه لا يعتبر و لنا أنه ولي في حال يلحقه العار بفقد الكفاة فملك الفسخ كالمتساويين ( مسألة ) قال ( و الكفء و الدين و المنصب ) يعني بالمنصب الحسب و هو النسب ، و اختلفت الرواية عن أحمد في شروط الكفاءة فعنه هما شرطان الدين و المنصب ، و عنه أنها خمسة هذان و الحرية و الصناعة و اليسار و ذكر القاضي في المجرد ان فقد هذه الثلاثة لا يبطل النكاح رواية واحدة و انما الروايتان في الشرطين الاولين قال و يتوجه ان المبطل عدم الكفاءة في النسب لا لانه نقص لازم و ما عداه لازم و لا يتعدى نقصه إلى الولد .و ذكر في الجامع الروايتين في جميع الشروط .و ذكره أبو الخطاب أيضا ، و قال مالك : الكفاءة في الدين لا .قال ابن عبد الله هذا جملة مذهب مالك و أصحابه و عن الشافعي كقول مالك و قول آخر انها الخمسة التي ذكرناها و السلامة من العيوب الاربعة فتكون ستة و كذلك قول أبي حنيفة و الثوري و الحسن بن حي إلا في الصنعة و السلامة من العيوب الاربعة و لم يعتبر محمد بن الحسن الدين الا أن يكون ممن يسكر و يخرج و يسخر معه الصبيان فلا يكون كفوأ لان الغالب على الجند الفسق و يعد ذلك نقصا
(375)
غير قريش من العرب لا يكافئها
و الدليل على اعتبار الدين قوله تعالى ( أ فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ) و لان الفاسق مرذول مردود الشهادة و الرواية مأمون على النفس و المال مسلوب الولاية ناقص عند الله و عند خلقه قليل الحظ في الدنيا و الآخرة فلا يجوز أن يكون كفؤا لعفيفة و لا مساويا لها لكن يكون كفؤا لمثله .فأما الفاسق من الجند فهو ناقص عند أهل الدين و المروآت و الدليل على اعتبار النسب في الكفاءة قول عمر لا منعن فروج ذوات الاحساب إلا من الاكفاء .قال قلت و ما الاكفاء ؟ قال في الاحساب .رواه أبو بكر عبد العزيز باسناده ، و لان العرب يعدون الكفاءة في النسب و يأنفون من نكاح الموالي و يرون ذلك نقصا و عارا فإذا أطلقت الكفاءة وجب حملها على المتعارف و لان في فقد ذلك عارا و نقصا فوجب أن يعتبر في الكفاءة الدين ( فصل ) و اختلفت الرواية عن أحمد فروي عنه ان غير قريش من العرب لا يكفائها و غير بني هاشم لا يكافئهم و هذا قول عن بعض أصحاب الشافعي لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ( ان الله اصطفى كناية من ولد اسماعيل و اصطفى من كنانة قريشا و اصطفى من قريش بني هاشم و اصطفاني من بني هاشم و لان العرب فضلت على الامم برسول الله صلى الله عليه و سلم و قريش أخص به من سائر العرب و بنو هاشم أخص به من قريش و كذلك قال عثمان و جبير بن مطعم ان اخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم علينا لمكانك الذي وضعك الله به منهم و قال أبو حنيفة لا تكافى العجم العرب و لا العرب قريشا ، و قريش كلهم أكفاء لان ابن عباس قال قريش بعضهم أكفاء بعض ( و الرواية الثانية ) عن أحمد ان العرب بعضهم لبعض أكفاء و العجم
(376)
خلاف في اليسار أشرط هو من شروط الكفاءة
بعضهم لبعض أكفاء لان النبي صلى الله عليه و سلم زوج ابنتيه عثمان و زوج أبا العاصي بن الربيع زينب و هما من بني عبد شمس ، و زوج علي عمر ابنته أم كلثوم و تزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين ابن علي و تزوج المصعب بن الزبير أختها سكينة و تزوجها أيضا عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام و تزوج المقداد بن الاسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب ابنة عم رسول الله صلى الله عليه و سلم و زوج أبو بكر أخته أم فروة الاشعث بن قيس و هما كنديان و تزوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس و هي من قريش و لان العجم و الموالي بعضهم لبعض أكفاء و ان تفاضلوا و شرف بعضهم على بعض و كذلك العرب ( فصل ) فاما الحرية فالصحيح انها من شروط الكفاءة فلا يكون العبد كفؤا لحرة لان النبي صلى الله عليه و سلم خير بريرة حين عتقت تحت عبد فإذا ثبت الخيار بالحرية الظاهرية فبالحرية المقارنة أولى لان نقص الرق كبير و ضرره بين فانه مشغول عن إمرأته بحقوق سيده و لا ينفق نففة الموسرين و لا ينفق على ولده و هو كالمعدوم بالنسبة إلى نفسه ، و لا يمنع صحة النكاح لان النبي صلى الله عليه و سلم قال لبريرة ( لو راجعيته ) قالت يا رسول الله أ تامرني ؟ قال ( انما أنا شفيع ) قالت فلا حاجة لي فيه ، رواه البخاري ، و مراجعتها له ابتداء النكاح فانه قد انفسخ نكاحها باختيارها و لا يشفع إليها النبي صلى الله عليه و سلم في أن تنكح عبدا إلا و النكاح صحيح ( فصل ) فأما اليسار ففيه روايتان [ احداهما ] هو شرط في الكفاءة لقول النبي صلى الله عليه و سلم ( الحسب المال ) و قال ( ان أحساب الناس بينهم في هذه الدنيا هذا المال ) و قال لفاطمة بنت قيس حين أخبرته ان معاوية خطبها ( أما معاوية فصعلوك لا مال له ) و لان على الموسرة ضررا في إعسار زوجها لا خلاله بنفقتها و مؤنة أولادها و لهذا ملكت الفسخ باخلاله بالنفقة فكذلك إذا كان مقارنا و لان ذلك معدود
(377)
فروع فيما تعتبر فيه الكفاءة بين الزوجين
نقصا في عرف الناس يتفاضلون فيه كتفاضلهم في النسب و أبلغ ، قال نبيه بن الحجاج السهمي سالتاني الطلاق ان رأتاني قل مالي قد جئتماني بنكر .ويكأن من له نشب يحبب و من يفتقر يعش عيش ضر فكان من شروط الكفاءة كالنسب ( و الرواية الثانية ) ليس بشرط لان الفقر شرف في الدين و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم ( أللهم احينى مسكينا و أمتني مسكينا ) و ليس هو أمرا لازما فأشبه العافية من المرض ، و اليسار المعتبر ما يقدر به على الانفاق عليها حسب ما يجب لها و يمكنه اداء مهرها ( فصل ) فأما الصناعة ففيها روايتان أيضا ( احداهما ) انها شرط فمن كان من أهل الصنائع الدنيئة كالحائك و الحجام و الحارس و الكساح و الدباغ و القيم و الحمامي و الزبال فليس بكفء لبنات ذوي المروآت أو أصحاب الصنائع الجليلة كالتجارة و البناية لان ذلك نقص في عرف الناس فأشبه نقص النسب و قد جاء في الحديث ( العرب بعضهم لبعض أكفاء الا حائكا أو حجاما ) قيل لاحمد رحمه الله : و كيف تأخذ به و أنت تضعفه ؟ قال العمل عليه ، يعنى انه ورد موافقا لاهل العرف ، و روي أن ذلك ليس بنقص و يروى نحو ذلك عن أبي حنيفة لان ذلك ليس بنقص في الدين و لا هو لازم فأشبه الضعف و المرض ، قال بعضهم ألا انما التقوي هي العز و الكرم و حبك للدنيا هو الذل و السقم و ليس على عبد نقي نقيصة إذا حقق التقوي و ان حاك أو حجم و أما السلامة من العيوب فليس من شروط الكفاءة فانه لا خلاف في أنه لا يبطل النكاح بعدمها