النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ( لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج إمرأة و ابنتها ) و روى الجوزجاني باسناده عن وهب بن منبه قال ( ملعون من نظر إلى فرج إمرأة و ابنتها ) فذكرته لسعيد بن المسيب فأعجبه .و لان ما تعلق من التحريم بالوطء المباح تعلق بالمحظور كؤطء الحائض و لان النكاح عقد يفسده الوطء بالشبهة فأفسده الوطء الحرام كالاحرام ، و حديثهم لا نعرف صحته و انما هو من كلام ابن أسوع بعض قضاة العراق كذلك قال الامام أحمد و قيل انه من قول ابن عباس و وطأ الصغيرة ممنوع ثم يبطل بوطء ا لشبهة ( فصل ) و الوطء على ثلاثة أضرب : مابح و هو الوطء في نكاح صحيح أو ملك يمين فيتعلق به تحريم المصاهرة بالاجماع و يعتبر محرما لمن حرمت عليه لانها حرمت عليه على التأبيد بسبب مباح أشبه النسب ( الثاني ) الوطء بالشبهة و هو الوطء في نكاح فاسد أو شراء فاسد أو وطء إمرأة ظنها إمرأته أو أمته أو وطء الامة المشتركة بينه و بين غيره و أشباه هذا فهذا يتعلق به التحريم كتعلقه بالوطء المباح إجماعا ، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من علماء الامصار على أن الرجل إذا وطي إمرأة بنكاح فاسد أو بشراء فاسد انها تحرم على ابيه و ابنه و أجداده و ولد ولده و هذا مذهب مالك و الازواعي و الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبي ثور و أصحاب الرأي ، و لانه وطء يلحق به النسب فأثبت التحريم كالوطء المباح و لا يصير الرجل محرما لمن حرمت عليه و لا يباح له به النظر إليها لان الوطء ليس بمباح و لان المحرمية تتعلق بكمال حرمة الوطء لانها إباحة و لان الموطؤة لم يستبح النظر إليها فلان لا يستبيح النظر إلى غيرها أولى
(484)
الوطء على ثلاثة أضرب : لا فرق فيما ذكر بين الزنا في القبل والدبر
( الثالث ) الحرام المحض و هو الزنا فيثبت به التحريم على الخلاف المذكور و لا تثبت به المحرمية و لا إباحة النظر لانه إذا لم يثبت بوطء الشبهة فالحرام المحض أولى و لا يثبت به نسب و لا يجب به المهر إذا طاوعته فيه .( فصل ) و لا فرق فيما ذكرنا بين الزنا في القبل و الدبر لانه يتعلق به التحريم فيما إذا وجد في الزوجة و الامة فكذلك في الزنا فان تلوط بغلام فقال بعض أصحابنا يتعلق به التحريم أيضا فيحرم على اللائط أم الغلام و ابنته و على الغلام أم اللائط و ابنته قال و نص عليه أحمد و هو قول الاوزاعي لانه وطء في الفرج فنشر الحرمة كوطء المرأة و لانها بنت من وطئه و أمه فحرمتا عليه كما لو كانت الموطوءة أنثى .و قال أبو الخطاب يكون ذلك كالمباشرة دون الفرج يكون فيه روايتان و الصحيح أن هذا لا ينشر الحرمة فان هؤلاء منصوص عليهن في التحريم فيدخلن في عموم قوله تعالى ( و أحل لكم ماوراء ذلكم ) و لانهن منصوص عليهن و لا في معنى المنصوص عليه فوجب أن لا يثبت حكم التحريم فيهن فان المنصوص عليهن في هذا حلائل الابناء و من نكحهن الاباء و أمهات النساء و بناتهن و ليس هؤلاء منهن و لا في معناهن لان الوطء في المرأة يكون سببا للبضعية و يوجب المهر و يلحق به النسب و تصير به المرأة فراشا و يثبت أحكاما لا يثبتها اللواط فلا يجوز إلحاقه بهن لعدم العلة و انقطاع الشبه و لذلك لو أرضع الرجل طفلا لم يثبت به حكم التحريم فههنا أولى ، و إن قدر بينهما شبه من وجه ضعيف فلا يجوز تخصيص عموم الكتاب به و إطراح النص بمثله
(485)
يحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا الخ
( فصل ) و يحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا و أخته و بنت ابنه و بنت بنته و بنت أخيه و أخته من الزنا و هو قول عامة الفقهاء ، و قال مالك و الشافعي في المشهور من مذهبه يجوز ذلك كله لانها أجنبية منه و لا تنسب اليه شرعا و لا يجري التوارث بينهما و لا تعتق عليه إذا ملكها و لا تلزمه نفقتها فلم تحرم عليه كسائر الاجانب و لنا قول الله تعالى ( حرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم ) و هذه بنته فانها أنثى مخلوقة من مائه هذه حقيقة لا تختلف بالحل و الحرمة و يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم في إمرأة هلال بن أمية ( أنظروه يعني ولدها فان جاءت به على صفة كذا فهو لشريك بن سحماء ) يعني الزاني و لانها مخلوقة من مائه و هذه حقيقة لا تختلف بالحل و الحرمة فأشبهت المخلوقة من وطء بشبهة و لانها بضعة منه فلم تحل له كبنته من النكاح و تخلف بعض الاحكام لا ينفى كونها بنتا كما لو نخلف لرق أو اختلاف دين .إذا ثبت هذا فلا فرق بين علمه بكونها منه مثل أن يطأ إمرأة في طهر لم يصبها فيه غيره ثم يحفظها حتى تضع أو مثل أن يشترك جماعة في وطء إمرأة فتأتي بولد لا يعلم هل هو منه أو منه غيره ؟ فانها نحرم على جميعهم لوجهين ( أحدهما ) انها بنت موطوءتهم ( و الثاني ) أننا نعلم انها بنت بعضهم فتحرم على الجيمع كما لو زوج الوليان و لم يعلم السابق منهما و تحرم على أولادهم لانها أخت بعضهم معلوم فان أحلقتها القافة بأحدهم حلت لاولاد الباقين و لم تحل لاحد ممن وطي أمها لانها في معنى ربيبته
(486)
حكم من باشر فيما دون الفرج
( فصل ) و وطأ الميتة يحتمل وجهين ( أحدها ) ينشر الحرمة لانه معنى ينشر الحرمة المؤبدة فلم يختص بالحياة كالرضاع ( و الثاني ) لا ينشرها و هو قول أبي حنيفة و الشافعي لانه ليس بسبب للبضعية و لان التحريم يتعلق باستيفاء منفعة الوطء و الموت يبطل المنافع ، و أما الرضلع فيحرم لما يحصل به من إنبات اللحم و انشاز العظم و هذا يحصل من لبن الميتة و في وطء الصغيرة أيضا وجهان ( أحدهما ) ينشرها و هو قول أبي يوسف لانه وطء لآ دمية حية في القبل أشبه وطء الكبيرة ( و الثاني ) لا ينشرها و هو قول أبي حنيفة لانه ليس بسبب للبضععية أشبه وطء الميتة ( فصل ) فأما المباشرة فميما دون الفرج فان كانت لغير شهوة لم تنشر الحرمة بغير خلاف نعلمه ، و ان كانت لشهوة و كانت في أجنبية لم تنشر الحرمة أيضا قال الجوزجاني سألت أمد عن رجل نظر إلى أم إمرأته في شهوة أو قبلها أو باشرها فقال أنا أقول لا يحرمه شيء من ذلك إلا الجماع و كذلك نقل احمد بن القاسم و إسحاق بن منصور ، و ان كانت المباشرة لامرأة محللة له كامرأته أو مملو كته لم تحرم عليه ابنتها .قال ابن عباس لا يحرم الربيبة الاجماع أمها و به قال طاوس و عمرو بن دينار لان الله تعالى قال ( فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ) و هذا ليس بدخول فلا يجوز ترك النص الصريح من أجله ، و أما تحريم أمها و تحريمها على أبي المباشر لها و ابنه فانها في النكاح تحرم بمجرد العقد قبل المباشرة فلا يظهر للمباشرة أثر ، و أما الامة فمتى باشرها دون الفرج لشهوة فهل يثبت تحريم المصاهرة فيه
(487)
حكم ما لو نظر إلى فرج امرأة بشهوة
روايتان ( احداهما ) ينشرها روي ذلك عن ابن عمر و عبد الله بن عمرو و مسروق و به قال القاسم و الحسن و مكحول و النخعي و الشعبي و مالك و الاوزاعي و أبو حنيفة و علي بن المديني و هو أحد قولي الشافعي لانه نوع استمتاع فتعلق به تحريم المصاهرة كالوطء في الفرج و لانه تلذذ بمباشرة يتعلق به التحريم كما لو وطي ( و الثانية ) لا يثبت به التحريم لانها ملامسة لا توجب الغسل فلم يثبت بها التحريم كما لو لم يكن بشهوة لان ثبوت التحريم اما أن يكون بنص أو قياس على المنصوص و لا نص في هذا و لا هو في معنى المنصوص عليه و لا المجمع عليه فان الوطء يتعلق به من الاحكام استقرار المهر و الاحصان و الاغتسال و العدة و إفساد الاحرام و الصيام بخلاف اللمس و ذكر أصحابنا الروايتين في جميع الصور من غير تفصيل و هذا الذي ذكرناه أقرب إلى الصواب ان شاء الله سبحانه ( فصل ) و من نظر إلى فرج إمرأة بشهوة فهو كلمسها لشهوة فيه أيضا روايتان ( احداهما ) ينشر الحرمة في الموضع الذي ينشرها اللمس ، روي عن عمرو بن عمرو عامر بن ربيعة و كان بدريا و عبد الله ابن عمرو فيمن يشتري الخادم ثم يجردها أو يقبلها لا يحل لابنه وطؤها و هو قول القاسم و الحسن و مجاهد و مكحول و حماد بن أبي سليمان و أبي حنيفة لما روى عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ( من نظر إلى فرج إمرأة لم تحل له أمها و ابنتها ) و في لفظ ( لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج إمرأة و ابنتها ) ( الثانية ) لا يتعلق به التحريم و هو قول الشافعي ، و أكثر أهل العلم لقوله تعالى ( و أحل
(488)
حكم ما لو نظرت المرأة إلى فرج رجل بشهوة
لكم ماوراء ذلكم ) و لانه نظر من غير مباشرة فلم يوجب التحريم كالنظر إلى الوجه و الخبر ضعيف قاله الدارقطني و قيل هو موقوف على ابن مسعود ثم يحتمل أنه كني بذلك عن الوطء ، و أما النظر الى سائر البدن فلا ينشر حرمة ، و قال بعض أصحابنا لافرق بين النظر إلى الفرج و سائر البدن لشهوة و الصحيح خلاف هذا فان غير الفرج لا يقاص عليه لما بينهما من الفرق و لا خلاف نعلمه في أن النظر إلى الوجه لا يثبت الحرمة فكذلك غيره و لا خلاف أيضا في أن النظر إذا وقع من غير شهوة لا ينشر حرمة لان اللمس الذي هو أبلغ منه لا يؤثر إذا كان لغير شهودة فالنظر أولى و موضع الخلاف في اللمس و النظر فيمن بلغت سنا يمكن الاستمتاع منها كابنة تسع فما زاد فأما الطفلة فلا يثبت فيها ذلك و قد روي عن أحمد في بنت سبع إذا قبلها حرمت عليه أمها .قال القاضي هذا عندي محمول على السن الذي توجد مع الشهوة ( فصل ) فان نظرت المرأة إلى فرجع رجل لشهوة فحكمه في التحريم حكم نظره إليها نص عليه أحمد لانه معنى و يجب التحريم فاستوى فيه الرجل و المرأة كالجماع ، و كذلك ينبغي أن يكون حكم لمسها له و قبلتها إياه لشهوة لما ذكرنا ( فصل ) فأما الخلوة بالمرأة فالصحيح أنها لا تنشرحرمة ، و قد روي عن أحمد إذا خلا بالمرأة وجب الصداق و العدة و لا يحل له أن يتزوج أمها و ابنتها .قال القاضي هذا محمول على أنه حصل مع الخلوة مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين التين ذكرناهما فاما مع خلوه من ذلك فلا يؤثر
(489)
حكم ما لو تزوج اختين في عقد واحد
في تحريم الربيبة لما في ذلك من مخالفة قوله سبحانه ( فان لم تكونوا دخلتم بهن فلاجناج عليكم ) و قوله ( و أحل لكم ما وراء ذلكم ) و أما الخلوة بأجنبية أو أمته فلا تنشر تحريما لا نعلم في ذلك خلافا و كل من حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين لانه إذا حرم العقد المراد للوطء فالوطي أولى ( مسألة ) قال ( و ان تزوج أختين من نسب أو رضاع في عقد واحد فسد و ان تزوجهما في عقدين فالأَولى زوجته و القول فيهما القول في المرأة و عمتها و المرأة و خالتها ) و جملة ذلك أن المع بين المرأة و أختها أو عمتها أو خالتها محرم فمن جمع بينهما فعقد عليهما معا لم يصح العقد في واحدة منهما لانه لا يمكن تصحيحه فيهما و لا مزية لاحداهما على الاخرى فيبطل فيهما كما لو زوجت المرأة لرجلين و هكذا لو تزوج خمسة في عقد واحد بطل في الجميع لذلك و ان تزجهما في عقدين فنكاح الاولى صحيح لانه لا جمع فيه و نكاح الثانية باطل لان الجمع يحصل به فبالعقد على الاولى تحرم الثانية و لا يصح عقده عليها حتى تبين الاولى منه و يزول نكاحها وعدتها ( فصل ) فان تزوجهما في عقدين و لم يدر أولاهما فعليه فرقتهما معا قال أحمد في رجل تزوج اختين لا يدري أيتهما تزوج أولا : نفرق بينه و بينهما و ذلك لان احداهما محرمة عليه و نكاحها باطل و لا تعرف المحللة له فقد اشتبهتا عليه و نكاح احداهما يصح و لا تتيقن ببنونتها منه إلا بطلاقهما جميعا