و لنا أن هذا شرط مانع من بقاء النكاح فأشبه نكاح المتعة و يفارق ما قاسوا عليه فانه لم يشترط قطع النكاح ( مسألة ) قال ( و كذلك ان شرط عليه أن يحلها لزوج كان قبله ) و جملته أن نكاح المحلل حرام باطل في قول عامة أهل العلم منهم الحسن و النخعي و قتادة و مالك و الليث و الثوري و ابن المبارك و الشافعي و سواء قال زوجتكها إلى أن تطأها أو شرط أنه إذا أحلها فلا نكاح بينهما أو أنه إذا أحلها للاول طلقها ، و حكي عن أبي حنيفة أنه يصح النكاح و يبطل الشرط ، و قال الشافعي في الصورتين الاولتين لا يصح و في الثالثة على قولين و لنا ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ( لعن الله المحلل و المحلل له ) رواه ابو دود و ابن ماجه و الترمذي و قال حديث حسن صحيح و العمل عليه عند أهل العم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم منهم عمر بن الخطاب و عثمان و عبد الله بن عمر و هو قول الفقهاء من التابعين ، و روي ذلك عن علي و ابن مسعود و ابن عباس ، و قال ابن مسعود المحلل و المحلل له ملعون على لسان محمد صلى الله عليه و سلم و روى ابن ماجه عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ ) قالوا بلى يا رسول الله ، قال ( هو المحلل لعن الله المحلل و المحلل له ) و روى الاثرم باسناده عن قبيصة بن
(575)
حكم ما اذا شرط عليه التحليل قبل العقد ولم يذكره في العقد الخ
جابر قال سمعت عمر و هو يخطب الناس و هو يقول : و الله لا أوتي بمحل و لا محل له الا رجمتهما و لانه نكاح إلى مدة أو فيه شرط يمنع بقاءه فأشبه نكاح المتعة ( فصل ) فان شرط عليه التحليل قبل القعد و لم يذكره في العقد و نواه في العقد أو نوى التحليل من شرط فالنكاح باطل أيضا قال اسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن الرجل يتزوج المرأة و في نفسه أن يحلها لزوجها الاول و لم تعلم المرأة بذلك قال هو محلل إذا أراد بذلك الاحلال فهو ملعون و هذا ظاهر قول الصحابة رضي الله عنهم و روى نافع عن ابن عمر أن رجلا قال له إمرأة تزوجتها أحلها لزوجها لم يأمرني و لم يعلم قال لا إلا نكاح رغبة إن أعجبتك أمسكها و ان كرهتها فارقها قال و ان كنا نعده على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم سفاحا و قال لا يزالا ززانيين و ان مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلها و هذا قول عثمان رضي الله عنه و جاء رجل إلى ابن عباس فقال له ان عمي طلق إمرأته ثلاثا أ يحلها له رجل ؟ قال من يخادع الله يخدعه و هذا قول الحسن و النخعي و الشعبي و قتادة و بكر المز ني و الليث و مالك و الثوري و إسحاق و قال أبو حنيفة و الشافعي العقد صحيح و ذكر القاضي في صحته وجها مثل قولهما لانه خلا من شرط يفسده فأشبه ما لو نوى طلاقها لغير الاحلال أو ما لو نوت المرأة ذلك و لان العقد إنما يبطل بما شرط لا بما قصد بدليل ما لو اشترى عبدا فشرط أن يبيعه لم يصح و لو نوى ذلك لم يبطل و لانه روي عن عمر رضي الله عنه ما يدل علي إجازته و روى أبو حفص باسناده عن
(576)
حكم عمر في قصة ذي الرقعتين
محمد بن سيرين قال قدم مكة رجل و معه اخوة له صغار و عليه ازار من بين يديه رقعة و من خلفه رقعة فسأل عمر فم يعطه شيئا فبينما هو كذلك إذ نزغ الشيطان بين رجل من قريش و بين إمرأته فطلقها فقال لها هل لك أن تعطي ذا الرقعتين شيئا و يحلك لي ؟ قالت نعم ان شئت فأخبروه بذلك قال نعم و تزوجها و دخل بها فلما أصبحت أدخلت إخوته الدار فجاء القرشي بحوم حول الدار و يقول يا ويله غلب على إمرأته فأتى عمر فقال يا أمير المؤمنين غلبت علي إمرأتي قال من غلبك قال ذو الرقعتين قال أرسلوا اليه فلما جاءه الرسول قالت له المرأة كيف موضعك من قومك ؟ قال ليس بموضعي بأس قالت إن أمير المؤمنين يقول لك طلق إمرأتك فقل لا و الله لا أطلقها فانه لا يكرهك و ألبسته حلة فلما رآه عمر من بعيد قال الحمد لله الذي رزق ذا الرقعتين فدخل عليه فقال أ تطلق إمرأتك ؟ قال لا و الله لا أطلقها قال عمر لو طلقتها لاوجعت رأسك بالسوط رواه سعيد عن هشيم عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين نحوا من هذا و قال من أهل المدينة و هذا قد تقدم فيه الشرط على العقد و لم ير به عمر بأسا و لنا قول النبي صلى الله عليه و سلم ( لعن الله المحلل و المحلل له ) و قول من سمينا من الصحابة و لا مخالف لهم فيكون إجماعا و لانه قصد به التحليل فلم يصح كما لو شرطه و أما حديث ذي الرقعتين فقال أحمد ليس له إسناد يعنى أن ابن سيرين لم يذكر إسناده إلى عمر و قال أبو عبيد هو مرسل فأين هو من الذي سمعوه يخطب به على المنبر لا أوتي بمحلل و لا محلل له إلا رجمتهما ؟ و لانه ليس فيه ان ذا الرقعتين قصد التحليل و لا نواه و إذا كان كذلك لم يتناول محل النزاع
(577)
حكم ما لو شرط عليه أن يحلها قبل العقد
( فصل ) فان شرط عليه أن يحلها قبل العقد فنوى بالعقد غير ما شرطوا عليه و قصد نكاح رغبة صح العقد لانه خلا عن نية التحليل و شرط فصح كما لو لم يذكر ذلك و على هذا يحمل حديث ذي الرقعتين و ان قصدت المرأة التحليل أو وليها دون الزوج لم يؤثر ذلك في العقد و قال الحسن و إبراهيم إذا هم أحد الثلاثة فسد النكاح ، قال أحمد كان الحسن و إبراهيم و التابعون يشددون في ذلك ، قال أحمد الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم ( أ تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ ) و نية المرأة ليس بشيء انما قال النبي صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه سلم ( لعن الله المحلل و المحلل له ) و لان العقد انما بمبطل بنية الزوج لانه الذي اليه المفارقة و الامساك أما المرأة فلا تملك رفع العقد فوجود نيتها و عدمها سواء و كذلك الزوج الاول لا يملك شيئا من العقد و لا من رفعه فهو أجنبي كسائر الاجانب ، فان قيل كيف لعنه النبي صلى الله عليه و سلم ؟ قلنا انما لعنه إذا رجع إليها بذلك التحليل لانها لم تحل له فكان زانيا فاستحق اللعنة لذلك ( فصل ) فان اشترى عبدا فزوجها إياه ثم وهبها إياه لينفسخ النكاح بملكها له لم يصح ، قال أحمد في رواية حنبل إذا طلقها ثلاثا و أراد أن يراجعها فاشترى عبدا فأعتقه و زوجها إياه فهذا الذي نهى عنه عمر يؤديان جميعا و هذا فاسد ليس بكفء و هو شبه المحلل ، و علل أحمد فساده بشيئين [ أحدهما ] شبهه بالمحلل لانه انما زوجه إياها ليحلها له [ و الثاني ] كونه ليس بكف لها و تزويجه لها في حال كونه عبدا أبلغ في هذا المعني لان العبد في عدم الكفاءة اشد من المولى و السيد له سبيل إلى ازالة نكاحة من
(578)
حكم ما لو عقد المحرم نكاحا الخ
بأن يهبه للمرأة فينفسخ نكاحه ، يملكها إياه و المولى بخلاف ذلك ، و يحتمل أن يصح النكاح إذا لم يقصد العبد التحليل لان المعتبر في ا لفساد نية الزوج لا نية غيره و لم ينو و إذا كان مولى و لم ينو التحليل فهو أولى بالصحة لانه لا سبيل لمعتقه إلى فسخ نكاحه و لا عبرة بنيته ( فصل ) و نكح المحلل فاسد يثبت فيه سائر أحكام العقود الفاسدة و لا يحصل به الاحصان و لا الاباحة للزوج الاول كما لا يثبت في سائر العقود الفاسدة ، فان قيل فقد سماء النبي صلى الله عليه و سلم محللا و سمى الزوج محللا له و لو لم يحصل الحل لم يكن محللا و لا محللا له قلنا انما سماه محللا لانه قصد التحليل في موضع لا يصحل فيه الحل كما قال ( ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ) و قال الله تعالى [ يحلونه عاما و يحرمونه عاما ] و لو كان محللا في الحقيقة و الآخر محللا له لم يكونا ملعونين ( مسألة ) قال رحمه الله ( و إذا عقد المحرم نكاحا لنفسه أو لغيره أو عقد نكاحا لمحرم أو على محرمة فالنكاح فاسد ) و جملته ان المحرم إذا تزوج لنفسه أو عقد النكاح لغيره ككونه وليا أو وكيلا فانه لا يصح لقول النبي صلى الله عليه و سلم ( لا ينكح المحرم و لا ينكح و لا يخطب ) رواه مسلم .و ان عقد الحلال نكاحا لمحرم بأن يكون وكيلا له أو وليا عليه أو عقده على محرمة لم يصح لدخوله في عموم الحديث لانه إذا تزوج له
(579)
حكم ما لو وجد أحد الزوجين بصاحبه جنونا
وكيله فقد نكح ، و حكى القاضي في كون المحرم وليا لغيره روايتين [ احداهما ] لا تصح و هي اختيار الخرقي [ و الثانية ] تصح و هي اختيار أبي بكر لان النكاح حرم على المحرم لانه في دواعي الوطء المفسد للحج و لا يحصل ذلك فيه بكونه وليا لغيره و الاول أولى لدخوله في عموم الخبر و لانه عقد لا يصح للمحرم فلا يصح منه كشراء الصيد و قد مضت هذه المسألة في الحج بأبسط من هذا الشرح .( مسألة ) قال رحمه الله ( وأي الزوجين وجد بصاحبه جنونا أو جذاما أو برصا أو كانت المرأة رتقاء أو قرناء أو عقلاء أو فتقاء أو الرجل مجنونا فلمن وجد ذلك منهما بصاحبه الخيار في فسخ النكاح ) الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة [ الاول ] ان خيار الفسخ يثبت لكل واحد من الزوجين لعيب يجده في صاحبه في الجملة روي ذلك عن عمر بن الخطاب و ابنه و ابن عباس و به قال جابر و الشافعي و إسحاق و روي عن علي لا ترد الحرة بعيب و به قال النخعي و الثوري و أصحاب الرأي ، و عن ابن مسعود لا ينفسخ النكاح بعيب و به قال أبو حنيفة و أصحابه الا أن يكون الرجل مجبوبا أو عنينا فان للمرأة الخيار فان اختارت الفراق فرق الحاكم بيتهما بطلقة و لا يكون فسخا لان وجود العيب لا يقتضي فسخ النكاح كالعمى و الزمانة و سائر العيوب
(580)
الفصل الثاني في عدد العيوب المجوزة للفسخ
و لنا أن المختلف فيه عيب يمنع الوطء فأثبت الخيار كالجب و العنه و لان المرأة أحد العوضين في النكاح فجاز ردها بعيب كالصداق أو أحد العوضين في عقد النكاح فجاز رده بالعيب أو أحد الزوجين فثبت له الخيار بالعيب في الآخر كالمرأة ، و أما هذه العيوب فلا يمنع المقصود بعقد النكاح و هو الوطء بخلاف العيوب المختلف فيها ، فان قيل فالجنون و الجذام و البرص لا يمنع الوطء قلنا بل يمنعه فان ذلك يوجب نفرة تمنع قربانه بالكلية و مسه و يخاف منه التعدي إلى نفسه و نسله و المجنون يخاف منه الجناية فصار كالمانع الحسي ( الفصل الثاني في عدد العيوب المجوزة للفسخ ) و هي فيما ذكر الخرقي ثمانية .ثلاثة يشترك فيها الزوجان و هي الجنون و الجذام و البرص ، و اثنان يختصان الرجل و هما الجب و العنة ، و ثلاثة تختص بالمرأة و هي العتق و القرن و العفل ، و قال القاضي هي سبعة جعل القرن و العفل شيئا واحدا و هو الرتق أيضا و ذلك لحم ينبت في الفرج ، و حكي ذلك عن أهل الادب ، و حكي نحوه عن أبي بكر ، و ذكره أصحاب الشافعي و قال الشافعي القرن عظم في الفرج يمنع الوطء ، و قال غيره لا يكون في الفرج عظم إنما هو لحم بنبت فيه ، و حكي عن أبي حفص أن العقل كالرغوة في الفرج يمنع لذة الوطء فعلى هذا يكون عيبا ناميا ، و قال ابى الخطاب الرتق أن يكون الفرج مسدودا يعني أن يكون ملتصقا لا يدخل الذكر فيه ، و القرن و العفل لحم ينبت في الفرج فيسده فهما .