( فصل ) و إذا وجد الشرطان حل نكحها للزاني و غيره في قول أكثر أهل العلم منهم أبو بكر و عمر و ابنه و ابن عباس و جابر بن زيد و عطاء و الحسن و عكرمة و الزهري و الثوري و الشافعي و ابن المنذر و أصحاب الرأي و روي عن ابن مسعود و البراء بن عازب و عائشة أنها لا تحل للزاني بحال قالوا لا يزالان زانبين ما اجتمعا لعموم الآية و الخبر و يحتمل أنهم أرادوا بذلك ما كان قبل التوبة أو قبل استبرائها فيكون كقولنا ، فأما تحريمها على الاطلاق فلا يصح لقول الله تعالى ( و أحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم ) و لانها محللة لغير لزاني فحلت له كغيرها ( فصل ) و ان زنت إمرأة رجل أو زنى زوجها لم ينفسخ النكاح سواء كان قبل الدخول أو بعده في قول عامة أهل العلم و بذلك قال مجاهد و عطاء و النخعي و الثوري و الشافعي و إسحاق و أصحاب الرأي و عن جابر بن عبد الله أن المرأة إذا زنت يفرق بينهما و ليس لها شيء و كذلك روي عن الحسن و عن علي رضي الله عنه أنه فرق بين رجل و إمرأته زنى قبل الدخول بها و احتج لهم بانه لو قذفها و لا عنها بانت منه لتحقيقه الزنا عليها فدل على أن الزنا يبينهما و لنا أن دعواه الزنا عليها لا يبينها و لو كان النكاح ينفسخ به لا نفسخ بمجرد دعواه كالرضاع و لانها معصية لا تخرج عن الاسلام فأشبهت السرقة فاما اللعان فانه يقضي الفسخ بدون الزنا بدليل أنها إذا لاعنته فقد قابلته فلم يثبت زناها و لذلك أوجب النبي صلى الله عليه و سلم الحد على من قذفها و الفسخ واقع
(519)
منع الرجل من وطء أمته الفاجره
و لكن احمد استحب للرجل مفارقة إمرأته إذا زنت و قال لا أرى أن يمسك مثل هذه و ذلك أنه لا يؤمن أن تفسد فراشه و تلحق به ولدا ليس منه ، قال ابن المنذر لعل من كره هذه المرأة إنما كرهها على وجه التحريم فيكون مثل قول أحمد هذا ، قال أحمد و لا يطؤها حتى يستبرئها بثلاث حيض و ذلك لما روى رويفع بن ثابت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم حنين ( لا يحل لامري يؤمن بالله و اليوم الآخر يسقي ماءه زرع غيره ) يعني اتيان الحبالي و لانها ربما تأني بولد من الزنا فينسب اليه و الاولى أنه يكفي استبراؤها بالحيضة الواحدة لانها تكفي في استبراء الاماء و في أم الود إذا عتقت بموت سيدها أو بإعتاق سيدها فيكفي ههنا و المنصوص ههنا مجرد الاستبرء و قد حصل بحيضة فيكتفي بها ( فصل ) و إذا علم الرجل من جاريته الفجور فقال أحمد لا يطؤها لعلها تلحق به ولدا ليس منه قال ابن مسعود أكره أن أطا أمتي و قد بغت و روي مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان ينهى أن يطأ الرجل أمته و في بطنها ولد جنين لغيره ، قال ابن عبد الله هذا مجمع على تحريمه و كان ابن عبا س يرخص في وطء الامة الفاجرة و روي ذلك عن سعيد بن المسيب و لعل من كره ذلك كره قبل الاستبراء أو إذا لم يحصنها أو يمنعها من الفجور و من أباحه بعدهما فيكون القولان متفقين و الله أعلم
(520)
خطبة المرأة للنكاح وأحكامها
( مسألة ) قال ( و من خطب إمرأة فلم تسكن اليه فلغيره خطبتها ) الخطبة بالكسر خطبة الرجل المرأة لينكحها و الخطبة بالضم هي حمد الله و التشهد و لا يخلو حال المخطوبة من ثلاثة أقسام : ( أحدها ) أن تكن إلى الخاطب لها فتجيبه أو تأذن لوليها في اجابته أو تزويجه فهذه يحرم على خاطبها خطبتها لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه .و عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك ) متفق علهيما ، و لان في ذلك إفسادا على الخاطب الاول و إيقاع العداوة بين الناس و لذلك نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن بيع الرجل على بيع أخيه و لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم إلا ان قوما حملوا النهي على الكراهة الظاهر أولى .( القسم الثاني ) أن ترده أولا تركن اليه فهذه يجوز خطبتها لما روت فاطمة بنت قيس أنها أتت النبي صلى الله عليه و سلم فذكرت أن معاوية و أبا جهم خطباها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( اما معاوية فصعلوك لامال له و أما أبو جهم فلا يضع عصاء عن عاتقه أنكحي أسامة بن زيد ) متفق عليه فخطبها النبي صلى الله عليه و سلم بعد إخبارها إياه بخطبة معاوية و أبي جهم لها ، و لان تحريم خطبتها على هذا الوجه اضررا بها فانه لا يشاء أحد أن
(521)
القسم الثالث من أقسام الخطبة
يمنع المرأة النكاح الا منعها بخطبته إياها و كذلك لو عرض لها في عدتها بالخطبة فقال لا تفوتيني بنفسك و أشباه هذا لم ترحم خطبتها لان في قصة فاطمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها ( لا تفوتينا بنفسك ) و لم ينكر خطبة ابي جهم و معاوية لهما و ذكر ابن عبد الله أن ابن وهب روى باسناده عن الحارث بن سعد بن أبي ديان أن عمر بن الخطاب خطب إمرأة على جرير بن عبد الله و على مروان بن الحكم و علي عبد الله بن عمر فدخل على المرأة و هي جالسة في بيتها فقال عمران جرير بن عبد الله يخطب و هو سيد أهل المشرق ، و مروان يخطب و هو سيد شباب قريش ، و عبد الله بن عمر و هو من قد علمتم ، و عمر بن الخطاب فكشفت المرأة الستر فقالت أجاد أمير المؤمنين ، فقال نعم ؟ فقالت فقد أنكحت أمير المؤمنين فأنكحوه فهذا عمر قد خطب على واحد بعد واحد قبل أن يعلم ما تقول المرأة في الاول ( القسم الثالث ) أن يوجد من المرأة ما يدل على الرضي و السكون تعريضا لا تصريحا كقولها ما أنت الارضى و ما عنك رغبة فهذه في حكم القسم الاول لا يحل لغيره خطبتها هذا ظاهر كلام الخرقي و ظاهر كلام احمد فانه قال اذا ركن بعضهم إلى بعض فلا يحل لاحد أن يخطب و الركون يستدل عليه بالتعريض تارة و التصريح أخرى .و قال القاضي ظاهر كلام إباحة خطبتها و هو مذهب الشافعي في الجديد لحديث فاطمة حيث خطبها النبي صلى الله عليه و سلم و زعموا أن الظاهر من كلامها ركونها إلى أحدهما و استدل القاضي بخطبته لها قبل سؤالها هل وجد منها ما دل على الرضي أولا ؟
(522)
التعويل في الرد والاجابة على الولي
و لنا عموم قوله عليه السلام ( لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ) و لانه وجد منها ما دل على الرضي به و سكوتها اليه فحرمت خطبتها كما لو صرحت بذلك و أما حديث فاطمة فلا حجة لهم فيه فان فيه ما يدل على أنه لم تركن إلى واحد منهما من وجهين ( أحدهما ) ان النبي صلى الله عليه و سلم قد كان قال لهاه ( لا نسبقيني بنفسك - في لفظ لا تفوتينى بنفسك - و في رواية - إذا حللت فآذنيني ) فلم تكن لنفتات بالاجابة قبل أن تؤذن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( و الثاني ) أنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم كالمستشيرة له فيهما أو في الدعول عنهما لي غيرهما و ليس في الاستشارة دليل على ترجيح أحد الامرين و لا ميل إلى أحدهما على أنها انما ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم لترجع إلى قوله و رأيه و قد أشار عليه بتركهما لما ذكرنا من عيبهما فجرى ذلك مجرى ردها لهما و تصريحها بمنعهما ، و من وجه آخر أن النبي صلى الله عليه و سلم قد سبقهما بخطبتها تعريضا بقوله لها ما ذكرنا فكانت خطبته بعدهما مبنية على الخطبة السابقة لهما بخلاف ما نحن فيه .( فصل ) و التعويل في الرد و الاجابة على الولي إن كانت مجبرة و عليها ان لم تكن مجبرة لانها أحق بنفسها من وليها و لو أجاب هو و رغبت عن النكاح كان الامر أمرها ، و إن إجاب وليها فرضيت فهو كاجابتها و إن سخطت فلا حكم لاجابته لان الحق لها ، و لو أجاب الولي في حق المجيرة فكرهت المجاب و اختارت غيره سقط حكم اجابة وليها لكون اختيارها مقدما على اختياره ، و ان كرهته و لم تجز سواه
(523)
خطبة الرجل على أخيه في موضع النهي محرمة
فينبغي أن يسقط حكم الاجابة أيضا لانه قد أمر باستئمرارها فلا ينبغي له أن يكرهها على ما لا ترضاه ، و إن أجابته ثم رجعت عن الاجابة و سخطته زال حكم الاجابة لان لها الرجوع ، و كذلك إذا رجع الولي المجبر عن الاجابة زال حكمها لان له النظر في امر موليته ما لم يقع العقد ، و إن لم ترجع هي و لا وليها و لكن ترك الخاطب الخطبة أو أذن فيها جازت خطبتها لما روي في حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم انه نهى ان يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يأذن له أو يترك .رواه البخاري ( فصل ) و خطبة الرجل على خطبة أخيه ، في موضع النهي محرمة .قال احمد لا يحل لاحد أن يخطب في هذه الحال ، و قال أبو جعفر العكبري هي مكروهة محرمة و هذا نهي تأديب لا تحريم و لنا ظاهر النهي فان مقتضاه التحريم و لانه نهي عن الاضرار بالآدمي المعصوم فكان على التحريم كالنهي عن أكل ماله و سفك دمه فان فعل فنكاحه صحيح نص عليه احمد فقال لا يفرق بينهما و هو مذهب الشافعي ، و روي عن مالك و داود انه لا يصح ، و هو قياس قول أبي بكر لانه قال في البيع على بيع أخيه هو باطل و هذا في معناه و وجهه أنه نكاح منهي عنه فكان باطلا كنكاح الشغار و لنا أن المحرم لم يفارق العقد فلم يؤثر فيه كما لو صرح بالخطبة في العدة ( فصل ) و لا يكره للولي الرجوع عن الاجابة إذا رأى المصلحة لها في ذلك لان الحق لها و هو نائب عنها في النظر لها فلا يكره له الرجوع الذي رأى المصلحة فيه كما لو ساوم في بيع دارها ثم تبين
(524)
له المصلحة في تركها و لا يكره لها أيضا الرجوع إذا كرهت الخاطب لانه عقد عمري يدوم الضرر فيه فكان لها الاحتياط لنفسها و النظر في حظها و ان رجعا عن ذلك لغير غرض كره لما فيه من اخلاف الوعد و الرجوع عن القول و لم يحرم لان الحق بعد لم يلزمهما كمن سام سلعة ثم بداله الا يبعها ( فصل ) فان كان الخاطب الاول ذميا تحرم الخطبة على خطبته نص عليه احمد فقال لا يخطب على خطبة أخيه و لا يساوم على سوم أخيه انما هو للمسلين و لو خطب على خطبة يهودي أو نصراني أو استام على سومهم لم يكن داخلا في ذلك لانهم ليسوا باخوة للمسلمين و قال ابن عبد الله لا يجوز أيضا لان هذا خرج مخرج الغالب لا لتخصيص المسلم به و لا أن لفظ النهي خالص في المسليمن و إلحاق غيره به انا يحص إذا كان مثله و ليس الذمي كالمسلم و لا حرمته كحرمته ، لذلك لم تجب إجابتهم في دعوة الوليمة و نحوها و قوله خرج مخرج الغالب قلنا متى كان في المخصوص بالذكر معنى يصح أن يعتبر في الحكم لم يجز حذفه و لا تعدية الحكم بدونه ، و للاخوة الاسلامية تأثير في وجوب الاحترام و زيادة الاحتياط في رعاية حقوقه و حفظ قلبه و استبقاء مودته فلا يجوز خلاف ذلك و الله أعلم ( مسألة ) قال ( و لو عرض لها و هي في العدة بأن يقول اني في مثلك لراغب ، و ان قضي شيء كان و ما أشبه من الكلام مما يدلها على رغبته فيها فلا بأس إذا لم يصرح ) و جملة ذلك أن المعتدات على ثلاثة أضرب معتدة من وفاة أو طلاق ثلاث أو فسخ لتحريمها على