ثم أعتقها و تزوجها فذلك له أجران ) متفق عليه ، و لانه إذا تزوجها فقد أحسن إليها باعفافها و صيانتها فلم يكره كما لو زوجها غيره و ليس في هذا رجوع فيما جعل الله فانه انما يتزوجها بصداقها فهو بمنزلة من اشترى منها شيئا .( فصل ) و إذا أراد أن يتزوجها بعد عتقها لم يحتج إلى أن استبراء سوا كان يطؤها أو لم يكن لان الاستبراء لصيانة الماء و لا يصان ذلك عنه فان اشترى أمة فأعتقها قبل أن يستبرئها لم يحل له أن يتزوجها و لا يزوجها حتى يستبرئها لانه كان واجبا فلا يسقط بإعتاقه لها ، قال أحمد في الرجل تكون له الامة لا يطؤها فيعتقها : لا يتزوجها من يومها حتى يستبرئها فان كان يطؤها فأعتقها تزوجها من يومه و متى شاء لانها في مائه ، قال القاضي معنى قوله ان كان يطؤها أن يحل له وطؤها و هي التي قد استبرأها و قول إن كان لا يطؤها أي لا يحل له وطؤها و هي التي لم يمض عليها زمان الاستبراء فلا يحل له تزوجها حتى يستبرئها ، و إذا مضى لها بعض الاستبراء قبل عتقها أتمته بعده و لا يلزمها استئناف الاستبراء لان الاستبراء وجب بالشراء لا بالعتق فيحسب ابتداؤه من حين وجد سببه ( فصل ) و ان قال أعتق عبدك على أن أزوجك إبنتي فأعتقه لم يلزمه أن يزوجه ابنته لانه سلف في النكاح و عليه قيمة العبد ، و قال الشافعي في أحد قوليه لا يلزمه شيء لانه لا فائدة له في العتق و لنا أنه أزال ملكه عن عبده بعوض شرطه فلزمه عوضه كما لو قال أعتق عبدك عني و علي ثمنه و كما لو قال طلق زوجتك و علي ألف فطلقها أو قال القي متاعك في البحر و علي ثمنه و بهذه الاصول يبطل قولهم انه لا فائدة له في العتق
(428)
الالفاظ التي ينعقد بها النكاح
( مسألة ) قال ( و إذا قال الخاطب للولي أ زوجت فقال نعم و قال للزوج أقبلت قال نعم فقد انعقد النكاح إذا حضره شاهدان ) و قال الشافعي لا ينعقد حتى يقول معه زوجتك أبنتي و يقول الزوج قبلت هذا التزويج لان هذين ركنا العقد و لا ينعقد بدونهما .و لنا أن نعم جواب لقوله أ زوجت و قبلت و السؤال يكون مضمرا في الجواب معادا فيه فيكون معنى نعم من الولي زوجته إبنتي و معنى نعم من المتزوج قبلت هذا التزويج و لا احتمال فيه فيجب أن ينعقد به و لذلك لما قال الله تعالى ( هل وجدتم ما وعد ربم حقا ؟ قالوا نعم ) كان اقرارا منهم بوجد ان ذلك انهم وجدوا ما وعدهم ربهم ، حقا و لو قيل لرجل لي عليك ألف درهم قال نعم كان اقرار صحيحا لا يفتقرية إلى نية و لا يرجع في ذلك إلى تفسيره و بمثله تقطع اليد في السرقة فوجب أن ينعقد به التزويج كما لو لفظ بذلك ( فصل ) و لو قال زوجتك إبنتي فقال قبلت انعقد النكاح ، و قال الشافعي في أحد قوليه لا ينعقد حتى يقول قبلت هذا النكاح أو هذا التزويج لانه كناية في النكاح يفتقر إلى النية ، و الاضمار فلم ينعقد به كلفظ الهبة و البيع و لنا أن القبول صريح في الجواب فانعقد به كما ينعقد به البيع و سائر العقود و قولهم يفتقر إلى النية ممنوع فانه جواب فلا ينصرف الا إلى المذكور ( فصل ) و ينعقد النكاح بلفظ الا نكاح و التزويج ، و الجواب عنهما إجماعا و هما اللذان ورد بهما نص الكتاب في قوله سبحانه ( زوجناكها ) و قوله سبحانه ( و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) و سواء اتفقا من الجانبين أو اختلفا مثل أن يقول زوجتك بنتي هذه فيقول قبلت هذا النكاح أو هذا
(429)
كون عقد النكاح يجب أن يكون بالعربية للقادر عليها
التزوج ، و لا ينعقد بغير لفظ الا نكاح و التزويج و بهذا قال سعيد بن المسيب و عطاء و الزهري و ربيعة و الشافعي ، و قال الثوري و الحسن بن صالح و أبو حنيفة و أصحابه و أبو ثور و أبو عبيد و داود ينعقد بلفظ الهبة و الصدقة و البيع و التمليك ، و في لفظ الاجارة عن أبي حنيفة روايتان ، و قال مالك ينعقد بذلك إذا ذكر المهر ، و احتجوا بان النبي صلى الله عليه و سلم زوج رجلا إمرأة فقال ( قد ملكتكها بما معك من القرآن ) رواه البخاري و لانه لفظ ينعقد به تزويج النبي صلى الله عليه و سلم فانعقد به نكاح أمته كلفظ الا نكاح و التزويج و لانه أمكن تصحيحه بمجازه فوجب تصحيحه كايقاع الطلاق بالكنايات و لنا قوله تعالى ( و إمرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ان أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) فذكر ذلك خالصا رسول الله صلى الله عليه و سلم و لانه لفظ ينعقد به النكاح فلم ينعقد به النكاح كلفظ الاجازة و الاباحة و الاحلال ، و لانه ليس بصريح في النكاح فلا ينعقد به كالذي ذكرنا و هذا لان الشهادة شرط في النكاح ، و الكناية انما تعلم بالنية و لا يمكن الشهادة على النية لعدم إطلاعهم عليها فيجب أن لا ينعقد ، و بهذا فارق بقية العقود و الطلاق ، و أما الخبر فقد روي زوجتكها و أنكحتها و زوجناكها من طرق صحيحة ، و القصة واحدة و الظاهر أن الراوي روى بالمعني ظنا منه أن معناها واحد فلا تكون حجة و ان كان النبي صلى الله عليه و سلم جمع بين الالفاظ فلا حجة لهم فيه لان النكاح انعقد بأحدها و الباقي فضلة ( فصل ) و من قدر على لفظ النكاح بالعربية لم يصح بغيرها و هذا أحد قولي الشافعي و عند أبي حنيفة ينعقد لانه اتى بلفظه الخاص فانعقد به كما ينعقد بلفظ العربية
(430)
تقدم القبول على الايجاب في النكاح
و لنا انه عدل عن لفظ الا نكاح و التزويج مع القدرة فلم يصح كلفظ الاحلال ، فأما من لا يحسن العربية فيصح منه عقد النكاح بلسانه لانه عاجز عما سواء فسقط عنه كالاخرس و يحتاج أن يأتي بمعناهما الخاص بحيث يشتمل على معنى اللفظ العربي ، و ليس على من لا يحسن العربية تعلم ألفاظ الا نكاح بها ، و قال أبو الخطاب عليه أن يتعلم لان ما كانت العربية شرطا فيه لزمه أن يتعلمها مع القدرة كالتكبير و وجه الاول ان النكاح و أحب فلم يجب تعلم أركانه بالعربية كالبيع بخلاف التكبير ، فان كان احد المتعاقدين يحسن العربية دون الآخر أتى الذي يحسن العربية بها و الآخر يأتي بلسانه ، فان كان أحدهما لا يحسن لسان الآخر احتاج أن يعلم أن اللفظة التي اتى بها صاحبه لفظة الا نكاح أن يخبره بذلك ثقة يعرف اللسانين جميعا ( فصل ) فأما الاخرس فان فهمت إشارته صح نكاحه بها لانه معنى لا يستفاد إلا من جهة واحدة فصح بإشارته كبيعه و طلاقه و لعانه ، و ان لم تفهم اشارته لم يصح منه كما لم يصح غيره من التصرفات القولية ، و لان النكاح عقد بين شخصين و لا بد من فهم كل واحد منهما ما يصدر من صاحبه ، و لو فهم ذلك صاحبه العاقد معه لم يصح حتى يفهم الشهود أيضا لان الشهادة شرط و لا يصح على ما لا يفهم ، قال أحمد لا يزوجه وليه يعني إذا كان بالغا لان الخرس لا يوجب الحجر فهو كالصم ( فصل ) إذا تقدم القبول على الايجاب لم يصح رواية واحدة سواء كان بلفظ الماضي مثل أن يقول تزوجت ابنتك فيقول زوجتك أو بلفظ الطلب كقوله زوجني ابنتك فيقول زوجتكها .و قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي يصح فيهما جمعيا لانه قد وجد الايجاب و القبول فيصح كما لو تقدم الايجاب و لنا أن القبول انما يكون للايجاب فمتى وجد قبله لم يكن قبولا لعدم معناه فلم يصح كما لو تقدم
(431)
الهزل والاكراه في النكاح وتراخي القبول عن الايجاب
بلفظ الاستفهام ، و لانه لو تأخر عن الايجاب بلفظ الطلب لم يصح فإذا تقدم كان أولى كصيغة الاستفهام و لانه لو أتى بالصغية المشروعة متقدمة فقال قبلت هذا النكاح فقال الولي زوجتك إبنتي لم يصح فلان لا يصح إذا أتى بغيرها أولى ، و أما البيع فلا يشترط فيه صيغه الايجاب و القبل بل يصح بالمعاطاة .و لانه لا يتعين فيه لفظ بل يصح بأي لفظ كان مما يؤدي المعنى و لا يلزم الخلع لانه يصح تعليقه على الشروط ( فصل ) و إذا عقد النكاح هازلا أو تلجئة صح لان النبي صلى الله عليه و سلم قال ( ثلاث هزلهن جد وجدهن جد : الطلاق و النكاح و الرجعة ) رواه الترمذي .و عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( من نكح لاعبا أو طلاق لاعبا أو أعتق لاعبا جاز ) قال عمر أربع جائزات إذا تكلم بهن الطلاق و النكاح و العتاق و النذر و قال علي أربع لا لعب فيهن : الطلاق و العتاق و النكاح و النذر ( فصل ) إذا تراخي القبول عن الايجاب صح ما داما في المجلس و لم يتشاغلا عنه بغيره لان حكم المجلس حكم حالة العقد بدليل القبض فيما يشترط القبض فيه و ثبوت الخيار في عقود المعاوضات فان تفرقا قبل القبول بطل الايجاب فانه لايوجد معناه فان الاعراض قد وجد من جهته بالتفرق فلا يكون قبولا و كذلك ان تشاغلا عنه بما يقطعه لانه معرض عن العقد أيضا بالاشتغال عن قبوله .و قد نقل أبو طالب عن أحمد في رجل مشى اليه قوم فقالوا له زوج فلانا قال قد زوجته على ألف فرجعوا إلى الزوج فأخبروه فقال قد قبلت هل يكون هذا نكاحا ؟ قال نعم ، قال القاضي هذا محمول على انه و كل من قبل العقد في المجلس .و قال أبو بكر مسألة أبي طالب فتوجه على قولين و اختار انه لابد من القبول في المجلس و هو الصحيح ان شاء الله تعالى
(432)
امتناع ثبوت الخيار في النكاح
( فصل ) فان أوجب النكاح ثم زال عقله بجنون أو إغماء بطل حكم الايجاب و لم ينعقد بالقبول بعده ما لم يضامه القبول لم يكن عقدا فبطل بزوال العقل كالعقود الجائزة تبطل بالموت و الجنون و هذا مذهب الشافعي و ان زال عقله بنوم لم يبطل حكم الايجاب لانه لا يبطل العقود الجائزة فكذلك هذا ( فصل ) و لا يثبت في النكاح خيار و سواء في ذلك خيار المجلس و خيار الشرط و لا نعلم أحدا خالف في هذا و ذلك لان الحاجة غير داعية اليه فانه لا يقع في الغالب إلا بعد ترو و فكر و مسألة كل واحد من الزوجين عن صاحبه و المعرفة بحاله بخلاف البيع الواقع في الاسواق من فكر و لا روية و لان النكاح ليس بمعاوضة محضة و لهذا لا يعتبر فيه العلم بالمعقود عليه بروية و لا صفة و يصح من تسمية العوض و مع فساده و لان ثبوت الخيار فيه يفضي إلى فسخه بعد ابتذال المرأة فان في فسخه بعد العقد ضررا بالمرأة و لذلك أوجب الطلاق قبل الدخول نصف الصداق ( فصل ) و يستحب أن يخطب العاقد أو غيره قبل التواجب ثم يكون العقد بعده لقول النبي صلى الله عليه و سلم ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع ) و قال ( كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء ) رواهما ابن المنذر و يجرئ من ذلك أن يحمد الله و يتشهد و يصلي على رسول الله صلى الله عليه و سلم و المستحب أن يخطب بخطبة عبد الله بن مسعود التي قال علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم التشهد في الصلاة و التشهد في الحاجة قال التشهد في الحاجة ان الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و يقرأ ثلاث آيات ( اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون اتقوا الله الذي تساءلون به و الارحام ان الله
(433)
الخطبة في النكاح غير واجبة عند أهل العلم
كان عليكم رقيبا - اتقوا الله و قولوا قلا سديدا يصلح لكم أعمالكم ) الآية رواه أبو داود و الترمذي و قال حديث حسن قال الخلال ثنا أبو سليمان امام طرسوس قال كان الامام أحمد بن حنبل إذا حضر عقد نكاح فلم يخطب فيه بخطبة عبد الله بن مسعود قام و تركهم و هذا كان من أبي عبد الله من المبالغة في استحبابها لا على الايجاب فان حرب بن اسماعيل قال قلت لاحمد فيجب أن تكون خطبة النكاح مثل قول ابن مسعد و فوسع في ذلك و قد روي عن عمر أنه كان إذا دعي ليزوج قال لا تغصفوا علينا الناس الحمد لله وصل الله على محمد إن فلانا يخطب إليكم فان أ نكحتموه فالحمد لله و ان رددتموه فسبحان الله و المستحب خطبة واحدة يخطبها الولي أو الزوج أو غيرهما و قال الشافعي المسنون خطبتان هذه التي ذكرناها في أوله و خطبة من لزوج قبل قبوله و المنقول عن النبي صلى الله عليه و سلم و عن السلف خطبة واحدة و هو أولى ما اتبع .( فصل ) و الخطبة واجبة عند أحد من أهل العلم علمناه الا داود فانه أوجبها لما ذكرناه و لنا أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم يا رسول الله زوجنيها فقال رسول الله صلي الله عليه و سلم ( زوجتها بما معك من القرآن ) متفق عليه و لم يذكر خطبة و خطب إلى عمر مولاة له فما زاد على أنه قال أنكحناك على ما أمر الله على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان و قال جعفر بن محمد عن أبيه ان كان الحسين ليزوج بعض بنات الحسن و هو يتعرق العرق رواهما ابن المنذر و روي أبو داود باسناده عن رجل من بني سليم قال خطبت إلى رسول الله صلي الله عليه و سلم امامة بنت عبد المطلب فأنكحني من أن يتشهد