الفتنة بها حرم النظر إليها كما يحرم النظر إلى الغلام الذي تخشى الفتنة بالنظر اليه قال أحمد في الامة إذا كانت جميلة تنقب و لا ينظر إلى المملوكة كم من نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل ( فصل ) فأما الطفلة التي لا تصلح للنكاح فلا بأس بالنظر إليها قال أحمد في رواية الاثرم في رجل يأخذ الصغيرة فيضعها في حجره و يقبلها فان كان يجد شهوة فلا و ان كان لغير شهوة فلا بأس و قد روى أبو بكر باسناده عن عمر بن حفص المديني أن الزبير بن العوام أرسل بابنة له إلى عمربن الخطاب مع مولاة له فأخذها عمر بيده و قال ابنة أبي عبد الله فتحركت الاجراس من رجلها فأخذها عمر فقطعها و قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( مع كل جرس شيطان ) فاما إذا بلغت حدا تصلح للنكاح كابنة تسع فان عورتها مخالفة لعورة البالغة بدليل قوله عليه السلام ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار فدل على صحة الصلاة ممن لم تضح مشكوفة الرأس فيحتمل أن يكون حكمها حكم ذوات المحارم كقولنا في الغلام المراهق مع النساء و قد روى أبو بكر عن ابن جريج قال قالت عائشة دخلت علي ابنة أخى مزينة فدخل علي النبي صلى الله عليه و سلم فاعرض فقلت يا رسول الله انها ابنة أخى و جارية فقال ( إذا عركت المرأة لم يجز لها أن تنظر إلا وجهها و إلا ما دون هذا ) و قبض على ذراع نفسه فترك بين قبضته و بين الكف مثل قبضة أخرى أو نحوها و ذكر حديث اسماء ( إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا و هذا ) و أشار إلى وجهه و كفيه و احتج أحمد بهذا الحديث و تخصيص الحائض بهذا التحديد دليل على إباحة أكثر من ذلك في حق غيرها ( فصل ) و من ذهبت شهوته من الرجال لكبر أو عنة أو مرض لا يرجى برؤه و الخصي و الشيخ
(463)
حكم نظر الرجل إلى الرجل
و المخنث الذي لا شهوة له فحكمه حكم ذوي المحرم في النظر لقول الله تعالى ( أو التابعين أولي الاربة ) أي أولي الحاجة إلى النساء ، و قال ابن عباس هو الذي لا نستحي منه النساء ، و عنه هو المخنث الذي لا يقوم زبه .و عن مجاهد و قتادة الذي لا ارب له في النساء فان كان المخنث ذا شهوة و يعرف أمر النساء فحكمه حكم غيره لان عائشة قالت : دخل على أزواج النبي صلى الله عليه و سلم مخنث فكانوا يعدونه من أولي الاربة من الرجال فدخل علينا النبي صلى الله عليه و سلم و هو ينعت إمرأة أ نها إذا أقبلت أقبلت بأربع ، و إذا أدبرت أدبرت بثمان فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( ألا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكم هذا ) فحجبوه رواه أبو داود و غيره ، قال ابن عبد الله ليس المخنث الذي تعرف فيه الفاحشة خاصة و انما التخنيث بشدة التأنيث في الخلفة حتى يشبه المرأة في اللين و الكلام و النظر و النغمة و العقل فإذا كان كذلك لم يكن له في النساء إرب و كان لا يفطن لامور النساء و هو من أولى الاربة الذين ابيح لهم الدخول على النساء ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يمنع ذلك المخنث من الدخول على نسائه فلما سمعه يصف ابنة غيلان و فهم أمر النساء أمربحجبه ( فصل ) فأما الرجل مع الرجل فلكل واحد منهما النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة و في حدها روايتان ( احداهما ) ما بين السرة و الركبة و الاخرى الفرجان و قد ذكرناهما في كتاب الصلاة و لا فرق بين الامرد وذي اللحية إلا ان الامرد إن كان جميلا يخاف الفتنة بالنظر اليه لم يجز تعمد النظر اليه .و قد روي عن الشعبي قال : قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه و سلم و فيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي صلى الله عليه و سلم وراء ظهره رواه أبو حفص .قال المروذي سمعت أبا بكر الاعين يقول قدم علينا إنسان من خراسان صديق لابي عبد الله و معه غلام ابن أخت له و كان جميلا فمضى إلى أبي عبد الله
(464)
حكم نظر المرأة إلى المرأة
فحدثه فلما قمنا خلا بالرجل و قال له من هذا الغلام منك ؟ قال ابن أختي قال إذا جئتني لا يكون معك و الذي أرى لك أن لا يمشي معك في طريق ، أما الغلام الذي لم يبلغ تسعا فلا عورة له يحرم النظر إليها و قد روي عن ابن أبي ليلي عن أبيه قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه و سلم قال فجاء الحسن فجعل يتمرغ عليه فوقع مقدم قميصه أراه قال فقبل زبيبته .رواه أبو حفص ( فصل ) و حكم المرأة مع المرأة حكم الرجل مع الرجل سواء و لا فرق بين المسلمتين و بين المسلمة و الذمية كما لا فرق بين الرجلين المسلمين و بين المسلم و الذمي في النظر قال أحمد ذهب بعض الناس إلى أنها لا تضع خمارها عند اليهودية و النصرانية ، و أما أنا فأذهب إلى أنها لا تنظر الى الفرج و لا تقبلها حين تلد و عن أحمد رواية أخرى أن المسلمة لا تكشف قناعها عن الذمية و لا تدخل معها الحمام و هو قول مكحول و سليمان بن موسى لقوله تعالى ( أو نسائهن ) و الاول أولى لان النساء الكوافر من اليهوديات و غيرهن قد كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه و سلم فلم يكن يحتجبن و لا أمرن بحجاب .و قد قالت عائشة جاءت يهودية تسألها فقالت أعاذك الله من عذابا لقبر ، فسألت عائشة رسول الله صلي الله عليه و سلم و ذكر الحديث و قالت أسماء قدمت علي أمي و هي راغبة يعني عن الاسلام فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أصلها ؟ قال ( نعم ) و لان الحجب بين الرجال و النساء لمعنى لايوجد بين المسلمة و الذمية فوجب أن لا يثبت الحجب بينهما كالمسلم مع الذمي و لان الحجاب انما يجب بنص أو قياس و لم يوجد واحد منهما ، فأما قوله ( أو نسائهن ) فيحتمل أن يكون المراد جملة النساء
(465)
أحكام نظر نظر المرأة إلى الرجل
( فصل ) فأما نظر المرأة إلى الرجل ففيه روايتان ( احداهما ) لها النظر إلى ما ليس بعورة ( و الاخرى ) لا يجوز لها النظر من الرجل الا إلى مثل ما ينظر اليه منها اختاره أبو بكر و هذا أحد قولي الشافعي لما روى الزهري عن نبهان عن أم سلمة قالت : كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه و سلم أنا و حفصة فاستأذن ابن أم مكتوم فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( احتجبن منه ) فقلت يا رسول الله انه ضرير لا يبصر قال ( أفعميا و ان أنتما لا تبصر انه ؟ ) رواه أبو داود و غيره ، و لان الله تعالى أمر النساء بغض أبصارهن كما أمر الرجال به ، و لان النساء أحدث نوعي الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسا على الرجال يحققه أن المعنى المحرم للنظر خوف الفتنة و هذا في المرأة أبلغ فانها أشد شهوة و أقل عقلا فتسارع الفتنة إليها أكثر و لنا قول النبي صلى الله عليه و سلم لفاطمة بنت قيس ( اعتدى في بيت ابن ام مكتوم فانه رجل أعمى تضعين ثيابك فلا يراك ) متفق عليه ، و قالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسترني بردائة و انا أنظر الى الحبشة يلعبون في المسجد متفق عليه ، و يوم فرغ النبي صلى الله عليه و سلم من خطبة العيد مضي إلى النساء فذكرهن و معه بلال فأمرهن بالصدقة ، و لانهن لو منعن النظر لوجب على الرجال الحجاب كما وجب علي النساء لئلا ينظرن إليهم ، فأما حديث نبهان فقال أحمد نبهان روى حديثين عجبين يعني هذا الحديث ، و حديث ( إذا كان لا حدا كن مكاتب فلتحتجب منه ) و كأنه أشار إلى ضعف حديثه إذا لم يرو الا هذين الحديثين
(466)
الشروط التي تصح في عقد النكاح
المخالفين للاصول ، و قال ابن عبد الله نبهان مجهول لا يعرف الا برواية الزهري عنه هذا الحديث ، و حديث فاطمة صحيح فالحجة به لازمة ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص لازواج النبي صلى الله عليه و سلم كذلك قال احمد و أبو داود قال الاثرم قلت لابي عبد الله كان حديث نبهان لازواج النبي صلى الله عليه و سلم خاصة و حديث فاطمة لسائر الناس ؟ قال نعم : و ان قدر التعارض فتقديم الاحاديث الصحيحة أولى من الاخذ بحديث مفرد في إسناده مقال ( مسألة ) قال ( و إذا زوج امة و شرط عليه ان تكون عندهم بالنهار و يبعث بها اليه بالليل فالعقد و الشرط جائزان و على الزوج النفقة مدة مقامها عنده ) أما الشرط فصحيح لانه لا يخل بمقصود النكاح فان الاستمتاع انما يكون ليلا ، و إذا كان الشرط صحيحا لم يمنع صحة العقد فيكونان صحيحين ، و على الزوج النفقة في الليل لانها سلمت اليه فيه و ليس عليه نفقة النهار لانها في مقابلة الاستمتاع و هو لا يتمكن من الاستمتاع بها في تلك الحال و إذا لم تجب نفقة النهار على لزوج وجبت على السيد لانها في خدمته حينئذ و لانها باقية على الاصل في وجوبها على السيد فتكون نفقتها بينهما نصفين و كذلك الكسوة ، و قال بعض أصحاب الشافعي ليس على الزوج شيء من النفقة لانها لا تجب إلا بالتمكين التام و لم يوجد فلم يجب منها شيء كالحرة إذا بذلت التسليم في بعض الزمان دون بعض
(467)
فروع في تزويج الامة من غير شرط
و لنا أن النفقة عوض في مقابلة المنفعة فوجب منها بقدر ما يستوفيه كالاجرة في الاجارة و فارقت الحرة لان التسليم عليها واجب في جميع الزمان فإذا امتنعت في البعض فلم تسلم ما وجب عليها تسليمه و ههنا قد سلم السيد جميع ما وجب عليه ( فصل ) فان زوجها من شرط فقال القاضي الحكم فيه كما لو شرط و له استخدامها نهارا و عليه إرسالها ليلا للاستمتاع بها لانه زمانه و ذلك لان السيد يملك من أمته منفعتين منفعة الاستخدام و الاستمتاع فإذا عقد على احداهما لم يلزمه تسليمها إلا في زمن استيفائها كما لو أجرها للخدمة لم يلزمه تسليمها الا في زمنها و هو النهار و النفقة بينهما على قدر إقامتها عندهما ، و ان تبرع السيد بإرسالها ليلا و نهارا فالنفقة كالها على الزوج و ان تبرع الزوج بتركها عند السيد ليلا و نهارا لم تسقط نفقتها عنه و لو تبرع كل واحد منهما بتركها عند الآخر و تدافعاها كانت نفقتها كلها على الزوج لان الزوجية تقتضي وجوبها ما لم يمنع من استمتاعها عدوانا أو بشرط أو نحوه و لذلك تجب نففتها مع تعذر استمتاعها بمرض أو حيض أو نحوهما فإذا لم يكن من السيد ههنا منع فالنفقة على الزوج لوجود الزوجية المقتضية لها و عدم المافع منها ( فصل ) فان أراد الزوج السفر بها لم يملك ذلك لانه يفوت خدمتها المستحقة لسيدها و ان أراد السيد السفر بها فقد توقف أحمد عن ذلك و قال ما أدري فيحتمل المنع منه لانه يفوت حق الزوج منها فمنع منه قياسا على ما لو منعه منه مع الاقامة و لانه مالك لاحدى منفعتيها فلم يملك منع الاخر من السفر بها
(468)
استحباب اختيار ذات الدين لمريد التزوج
كالسيد و كما لو أجرها ثم أراد السفر بها .و يحتمل ان له السفر بها لانه مالك رقبتها كسيد العبد إذا زوجه ، و ان شرط الزوج أن تسلم إليه الامة ليلا و نهارا جاز و عليه نفقتها كلها و ليس للسيد السفر بها لانه لا حق له في بضعها ( فصل ) و يستحب لمن أراد التزوج أن يختار ذات الدين لقول النبي صلى الله عليه و سلم ( تنكح المرأة لما لها و لحسبها و لجمالها و لدينها ، فأظفر بذات الدين تربت يداك ) متفق عليه ، و يختار البكر لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أ تزوجت يا جابر ؟ ) قال قلت نعم قال ( بكرأ أم ثيبا ؟ ) قال قلت بل ثيبا قال ( فهلا بكرا تلاعبها و تلاعبك ؟ ) متفق عليه ، و عن عطاء عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ( عليكم بالابكار فانهن أعذب أفواها و أنقى أرحاما ) رواه الامام و أحمد في رواية ( و أنتق أرحاما و أرضي باليسير ) و يستحب أن تكون من نساء يعرفن بكثرة الولادة لما روي عن أنس قال كان رسول الله صلي الله عليه و سلم يأمر بالباة و ينهي عن التبتل نهيا شديدا و يقول ( تزوجوا الودود الولود فاني مكائر بكم الامم يوم القيامة ) رواه سعيد ، و روى معقل بن يسار قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ( اني أصبت إمرأة ذات حسب و منصب الا انها لا تلد أ فأتزوجها ؟ فتهاه ثم أتاه الثانية فتهاه ثم أتاه الثالثة فقال ( نزوجوا الودود الولود فاني مكاثر بكم ) رواه النسائي و عن علي بن الحسين ان النبي صلى الله عليه و سلم قال ( يا بني هاشم عليكم بنساء الا عاجم فالتمسوا أولادهن فان في أرحامهن البركة ) و يختار الجميلة لانها أمكن لنفسه و أغض لبصره و أكمل لمودته و لذاك شرع