( مسألة ) قال ( و إذا تزوجها و شرط لها ان لا يخرجها من دارها و بلدها فلها شرطها لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ( احق ما أوفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج ) و ان تزوجها و شرط لها ان لا يتزوج عليها فلها فراقة إذا تزوج عليها ) و جملة ذلك أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة ( أحدها ) ما يلزم الوفاء به و هود ما يعود إليها نفعه و فائدته مثل أن يشترط لها أن لا بخرجها من دارها أو بلدها أولا يسافر بها أولا يتزوج عليها و لا يتسرى عليها فهذا يلزمه الوفاء لها به فان لم يفعل فلها فسخ النكاح يروى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه و سعد بن أبي وقاص و معاوية و عمرو بن العاص رضي الله عنهم و به قال شريح و عمر ابن عبد العزيز و جابر بن زيد و طاووس و الاوزاعي و إسحاق ، و أبطل هذه الشروط الزهري و قتادة و هشام بن عروة و مالك و الليث و الثوري و الشافعي و ابن المنذر و أصحاب الرأي قال أبو حنيفة و الشافعي و يفسد المهر دون العقد و لها مهر المثل و احتجوا بقول النبي صلى الله عليه و سلم ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل و ان كان مائة شرط ) و هذا ليس في كتاب الله لان الشرع لا يقتضيه و قال النبي صلى الله عليه و سلم ( المسلمون على شروطهم الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا ) و هذا يحرم الحلال و هو التزويج و التسري و السفر و لان هذا شرط ليس من مصلحة العقد و لا مقضتاه و لم بين على التغليب و السراية فكان فاسدا كما لو شرطت أن لا تسلم نفسها و لنا قول النبي صلى الله عليه و سلم ( ان أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج ) رواه سعيد و في
(449)
اشتراط المرأة اتزويجها طلاق ضرتها وبطلانه
( ان أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج ) متفق عليه و أيضا قول النبي صلى الله عليه و سلم المسلمون على شروطهم و لانه قول من سمينا من الصحابة و لا نعلم لهم مخالفا في عصرهم فكان إجماعا و روى الاثرم باسناده أن رجلا تزوج إمرأة و شرط لها دارها ثم أراد نقلها فخاصموه إلى عمر فقال لها شرطها فقال الرجل إذا تطلقينا فقال عمر : مقاطع الحقوق عند الشروط و لانه شرط لها فيه منفعة و مقصود لا يمنع المقصود من النكاح فكان لازما كما لو شرطت عليه زيادة في المهر أو غير نقد البلد و قوله عليه السلام ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ) أي ليس في حكم الله و شرعه و هذا مشروع ، و قد ذكرنا ما دل على مشروعيته على أن الخلاف في مشروعيته و على من نفى ذلك الدليل ، و قولهم ان هذا يحرم الحلال قلنا لا يحرم حلالا و إنما يثبت المرأة خيار الفسخ إن لم يف لها ، و قولهم ليس من مصلحته قلنا لا نسلم ذلك فانه من مصلحة المرأة و ما كان من مصلحة العاقد كان من مصلحة عقده كإشتراط الرهن و الضمين في البيع ثم يبطل بالزيادة على مهر المثل و شرط غير نقد البلد إذا ثبت انه شرط لازم فلم يف لها به فلها الفسخ و لهذا قال الذي قضى عليه عمر بلزوم الشرط اذ تطلقينا فلم يلتفت عمر إلى ذلك و قال مقاطع الحقوق عند الشروط و لانه شرط لازم في عقد فيثبت حق الفسخ بترك الوفاء به كالرهن و الضمين في البيع ( فصل ) فان شرطت عليه أن يطلق ضرتها لم يصح الشرط لما روى أبو هريرة قال نهي النبي صلى الله عليه و سلم أن تشترط المرأة طلاق أختها و في لفظ ان النبي صلى الله عليه و سلم قال ( لا نسأل المرأة طلاق أختها لتنكح
(450)
الشروط الباطلة التي يصح العقد معها
و النهي يقتضي فساد المنهي عنه و لانها شرطت عليه فسخ عقده و إبطال حقه و حق إمرأته فلم يصح كما لو شرطت عليه فسخ بيعه .و قال أبو الخطاب هو شرط لازم لانه لا ينافي العقد و لها فيه فائدة فأشبه ما لو شرطت عليه أن لا يتزوج عليها و لم أر هذا لغيره ، و قد ذكرنا ما يدل على فساده ، و على قياس هذا لو شرطت عليه بيع أمته ( القسم الثاني ) ما يبطل الشرط و يصح العقد مثل أن يشترط أن لا مهر لها أو أن لا ينفق عليها أو ان أصدقها رجع عليها ، أو تشترط عليه أن لا يطا لها أو يعزل عنها أو يقسم لها أقل من قسم صاحبتها أو أكثر أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة أو شرط لها النهار دون الليل أو شرط على المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئا ، فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها لانها تنافي مقتضي العقد ، و لانها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع ، فأما العقد في نفسه فصحيح لان هذه الشروط تعود إلى معني زائد في العقد لا يشترط ذكره و لا يضر الجهل به فلم يبطل كما لو شرط في العقد صداقا محرما ، و لان النكاح يصح مع الجهل بالعوض فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد كالعتاق فقد نص أحمد في رجل تزوج إمرأة و شرط عليها أن يبيت عندها في كل جمعة ليلة ثم رجعت و قالت لا أرضى إلا ليلة و ليلة فقال : لها أن تنزل بطيب نفس منها فان ذلك جائز و ان قالت لا ارضى الا بالمقاسمة كان ذلك حقا لها تطالبه ان شاءت و نقل عنه الاثرم في الرجل يتزوج المرأة و يشترط عليها أن يأتيها في الايام يجوز الشرط فان شاءت رجعت .و قال في الرجل يتزوج المرأة على أن تنفق عليه في كل شهر خمسة دراهم أو عشرة دراهم :
(451)
الشروط التي تبطل النكاح من أصله
النكاح جائز و لها أن ترجع في هذا الشرط .و قد نقل عن أحمد كلام في بعض هذه الشروط يحتمل إبطال العقد نقل عنه المروذي في النهاريات و الليليات : ليس هذا من نكاح أهل الاسلام ، و ممن كره تزويج النهاريات حماد بن أبي سليمان و ابن شبرمة و قال الثوري : الشرط باطل و قال أصحاب الرأي إذا سألته أن يعدل لها عدل ، و كان الحسن و عطاء لا ير بان بنكاح النهاريات بأسا .و كان الحسن لا يرى بأسا أن يتزوجها على أن يجعل لها في الشهر أياما معلومة ، و لعل كراهة من كره ذلك راجع إلى إبطال الشرط و إجازة من أجازه راجع إلى أصل النكاح فتكون أقوالهم متفقة على صحة النكاح و إبطال الشرط كما قلنا و الله أعلم و قال القاضي انما كره أحمد هذا النكاح لانه يقع على وجه السرونكاح السرمنهي عنه فان شرط عليه ترك الوطء احتمل أن يفسد العقد لانه شرط ينافي المقصود من النكاح و هذا مذهب الشافعي و كذلك ان شرط عليه أن لا تسلم اليه فهو بمنزلة ما لو اشترى شيئا على أن لا يقبضه .و ان شرط عليها أن لا يطأها لم يفسد لان الوطء حقه عليها و هي لا تملكه عليه و يحتمل أن يفسد لان لها فيه حقا و لذلك تملك مطالبته به إذا آلى و الفسخ إذا تعذر بالجب و العنة ( القسم الثالث ) ما يبطل النكاح من أصله مثل أن يشترطا تأقيت النكاح و هو نكاح المتعة أو أن يطلقها في وقت بعينه أو يعلقه على شرط مثل أن يقول زوجتك إن رضيت أمها أو فلان أو يشترط الخيار في النكاح لهما أو لاحدهما فهذه شروط باطلة في نفسها و يبطل بها النكاح و كذلك إن جعل صداقها تزويج إمرأة اخرى و هو نكاح الشغار و نذكر ذلك في مواضعه إن شاء الله تعالى
(452)
اشتراط الخيار في الصداق خاصة لا يبطل النكاح
و ذكر أبو الخطاب فيما إذا شرط الخيار ان رضيت أمها أو ان جاءها بالمهر في وقت كذا و إلا فلا نكاح بينهما روايتين ( أحدهما ) النكاح صحيح و الشرط باطل و به قال أبو ثور فيما إذا شرط الخيار ، و حكاء عن أبي حنيفة و زعم أنه لا خلاف فيها : و قال ابن المنذر قال احمد و إسحاق إذا تزوجها على أنه ان جاء بالمهر في وقت كذا و كذا و لا فلا نكاح بينهما الشرط باطل و العقد جائز و هو قول عطاء و الثوري و أبي حنيفة و الاوزاعي و روى ذلك عن الزهري ، و روى ابن منصور عن أحمد في هذا أن العقد و الشرط جائز ان لقوله عليه السلام ( المسلمون على شروطهم ) ( و الرواية الاخرى ) يبطل العقد من أصله في هذا كله لان النكاح لا يكون إلا لازما و هذا يوجب جوازه ، و لانه إذا قال ان رضيت أمها أو إن جئتني في وقت كذا فقد وقف النكاح على شرط و لا يجوز وقفه على شرط و هذا قول للشافعي و نحوه عن مالك و أبي عبيد ( فصل ) و إن شرط الخير ا في الصداق خاصة لم يفسد النكاح لان النكاح ينفرد عن ذكر الصداق و لو كان الصداق حراما أو فاسدا لم يفسد النكاح فلان لا يفسد بشرط الخيار فيه أولى و يخالف البيع فانه إذا فسد أحد العوضين فيه فسد لآخر .فإذا ثبت هذا ففي الصداق ثلاثة أوجه ( أحدها ) يصح الصداق و يبطل شرط الخيار كما يفسد الشرط في النكاح و يصح النكاح ( و الثاني ) يصح و يثبت الخيار فيه لان عقد الصداق عقد منفرد يجرى مجرى الاثمان فثبت فيه الخيار كالبياعات ( و الثالث ) يبطل الصداق لانها لم ترض به فلم يلزمها كما لو لم يوافقه على شيء
(453)
جواز النظر إلى الحرة لمن يريد تزوجها
( مسألة ) قال ( و من أراد أن يتزوج إمرأة فله ان ينظهر إليها من أن يخلو بها ) لا نعلم بين أهل العلم خلافا في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها و قد روى جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ) قال فخطبت إمرأة فكنت أتخبألها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها .رواه أبو داود و في هذا أحاديث كثيرة سوى هذا ، و لان النكاح عقد يقتضي التمليك فان للعاقد النظر إلى المعقود عليه كالنظر إلى الامة المستامة و لا بأس بالنظر إليها باذنها و غير اذنها لان النبي صلى الله عليه و سلم أمرنا بالنظر و أطلق و في حديث جابر فكنت أتخبألها ، و في حديث عن المغيرة بن شعبة أنه استأذن أبويها في النظر إليها فكرهاء فأذنت له المرأة رواه سعيد .و لا يجوز له الخلوة بها لانها محرمة و لم يرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم و لانه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور فان النبي صلى الله عليه و سلم قال ( لا يخلون رجل بإمرأة فان ثالثهما الشيطان ) و لا ينظر إليها نظرة تلذذ و شهوة و لا لريبة قال أحمد في رواية صالح ينظر إلى الوجه و لا يكون عن طريق لذة و له أن يردد النظر الهيا و يتأمل محاسنها لان المقصود لا يصحل إلا بذلك ( فصل ) و لا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها و ذلك لانه ليس بعورة و هو مجمع المحاسن و موضع النظر و لا يباح له النظر إلى ما يظهر عادة ، و حكى عن الاوزاعي أنه ينظر إلى مواضع اللحم ، و عن داود أنه ينظر إلى جميعها لظاهر قوله عليه السلام ( انظر اليها )
(454)
أحكام نظر الرجل إلى المرأة
و لنا قول الله ( و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) و روي عن ابن عباس انه قال الوجه و بطن الكف و لان النظر محرم أبيح للحاجة فيخصت بما تدعو الحاجة اليه و هو ما ذكرنا و الحديث مطلق و من ينظر إلى وجه إنسان سمي ناظرا اليه و من رآه و عليه أثوابه سمي رائيا له كما قال الله تعالى ( و إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم و إذا رآك الذين كفروا ) فأما ما يظهر غالبا سوى الوجه كالكفين و القدمين و نحو ذلك مما تظهره المرأة في منزلها ففيه روايتان [ احداهما ] لا يباح النظر اليه لانه عورة فلم يبح النظر اليه كالذي لا يظهر فان عبد الله روى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( المرأة عورة ) حديث حسن و لان الحاجة تندفع بالنظر إلى الوجه فبقي ما عداه على التحريم [ و الثانية ] له النظر إلى ذلك قال أحمد في رواية حنبل لا بأس أن ينظر إليها و إلى ما يدعوه إلى نكاحها من يد أو جسم و نحو ذلك قال أبو بكر لا بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة و قال الشافعي ينظر إلى الوجه و الكفين و وجه جواز النظر ما يظهر غالبا أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أذن في النظر إليها من علمها علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادة إذ لا يمكن افراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور و لانه يظهر غالبا فأبيح النظر اليه كالوجه و لانها إمرأة أبيح له النظر إليها بأمر الشارع فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم و قد روى سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال خطب عمر بن الخطاب ابنة علي فذكر منها صغرا فقالوا له إنما ردك فعارده فقال نرسل بها إليك تنظر إليها فرضيها فكشف عن ساقيها فقالت أرسل لو لا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك ( فصل ) و يجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالبا كالرقبة و الرأس و الكفين