تأملات في ألفاظ الحديث
**
صريح بعض الأحاديث عن الزهري : « وعد النكاح » وهو ظاهر الأحاديث
الأخرى ـ عن الزهري أيضاً ـ التي فيها قول فاطمة للنبي : « هذا عليّ ناكحاً » أو
« نكح » فإنه بعد رفع اليد عن ظهوره في تحقق النكاح فلابدّ من وقوع الخطبة والوعد
بالنكاح .لكن في حديث .أبي حنظلة : « فقال له أهلها : لا نزوّجك على ابنة رسول الله
صلى الله عليه [وآله] وسلم ».
الثالث :
هل وقع الاستئذان من النبي؟صريح الحديث عن الليث عن المسورأنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم
يعلن أنه قد استؤذن في ذلك وأنه لا يأذن . لكن صريح الحديث عن الزهري عن
المسور أنه سمعه يتشهد ثم قال : « أمّا بعد ، أنكحت أبا العاص بن الربيع ، فحدّثني
وصدقني ... » أو نحو ذلك ممّا فيه التعريض بعلي وليس فيه تعرّض للمشورة
والاستئذان منه ! وكذا الحديث عن إيوب عن ابن الزبير ، لا تعرض فيه للاستئذان ،
لكن بلا تعريض ، فجاء فيه : « فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال : إنّما
فاطمة بضعة مني ... ».
الرابع :
من الذي استأذن ؟قد عرفت خلو حديث الزهري عن الاستئذان مطلقاً.ثم إن كثيراً من الأحاديث تنص على استئذان أهل المرأة . وفي بعضها : أنه
استأذن بنفسه وقال له : « أتأمرني بها؟ » فقال : « لا ، فاطمة مضغة مني ... فقال : لا آتي
شيئاً تكرهه ».
الخامس :
من الذي أبلغ النبي ؟في حديث أيوب عن ابن الزبير : « فبلغ ذلك ... ».وفي حديث الليث عن ابن أبي مليكة عن المسور : أنهم أهل المرأة حيث جاءوا
إليه ليستأذنوه ...وفي حديث سويد بن غفلة : أنه عليّ نفسه . حيث جاء ليستأذنه ... لكن في حديث الزهري : إنها فاطمة !.. إنها لمّا سمعت بذلك خرجت من بيتها
وأتت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وجعلت تخاطبه بها لا يليق ! يقول الزهري : « إن
علياً خطب بنت أبي جهل ، فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول الله صلّى الله عليه
[وآله] وسلم فقالت : يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك ، وهذا عليّ ناكح بنت أبي
جهل ، فقام رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ... ».بل في حديثٍ يرويه مفاده شيوع الخبر بين الناس !! يقول : « فقال الناس :
أترون أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم يجد من ذلك ؟! فقال ناس ... وقال
ناس ... ».وهناك أسئلة أخرى ...فألفاظ الحديث متناقضة جدّاً ، والقضية واحدة ، وقد تحير الشرّاح هنا أيضاً
واضطربت كلماتهم ولم يوفقوا للجمع بينها وإن حاولوا وتمحلوا !!
تأملات في معناه ومدلوله
تامّلات في مدلوله :ثم إنه يجب النظر في هذه الأحاديث من الناحية الفقهية والناحية الأخلاقية
والعاطفية... بعد فرض ثبوت القضيّة ...فماذا صنع عليّ ؟ وما فعلت فاطمة؟ وأيّ شيء صدرمن النبي ؟
لقد خطب عليّ ابنة أبي جهل ، فتأذت الزهراء ، فصعد النبي المنبر وقال ...هل كان يحرم على علي التزوج على فاطمة أو لا؟
وعلى الأول : فهل كان على علم بذلك أو لا؟
لا ريب في أن علياً لا يقدم على هذا الأمر المحرم عليه مع علمه بالحرمة ، فإمّا
أن لا تكون حرمة ، وإمّا أن لايكون له علم بها.لكن الثاني لا يجوز نسبته إلى سائر الناس فكيف بباب مدينة علم النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ؟!فهو إذن حين فعل ذلك لم يكن فاعلاً لمحرم في الشريعة ، لأن حاله حال سائر
المسلمين الجائز عليهم نكاح الأربع ، ولو كان ـ بالنسبة إليه خاصّة ـ حكم دون رجال
المسلمين لعلمه !وحينئذٍ فهل من الجائز خروج الصدّيقة الطاهرة ـ بمجرد سماعها الخبرـ إلى
رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم لتشكو بعلها وتخاطب أباها بتلك الكلمات
القارصة؟ !إنه لم يفعل محرماً حتى تكون قد أرادت النهي عن المنكر ، فهل أن شأنها شأن
غيرها من النساء ويكون لها من الغيرة ما يكون لسواها؟! وهل كانت غيرتها لإقدام
عليّ على النكاح أو لكون المخطوبة بنت أبي جهل ؟!والنبي ... يصعد المنبر... بعد أن يرى فاطمة منزعجة ... أو بعد أن يستأذنه
القوم في أن ينكحوا ابنتهم ... فيخاطب الناس ؟!وماذا قال ؟!قد اشتملت خطبته على ما يلي :1 - الثناء على صهرله من بني عبد شمس !2 - الخوف من أن تفتن فاطمة في دينها!3 - إنه ليس يحرم حلالاً ولا يحلّ حراماً ... ولكن لا يأذن !4 - إنه لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله ! وفي لفظ : إنه ليس لأحد أن
يتزوج ابنة عدو الله على ابنة رسول الله ! وفي ثالث : لم يكن ذلك له أن يجمع ... !5 - إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنته صلى الله عليه وآله وسلّم وينكح
ابنتهم ! وفي لفظ : إن كنت تزوجتها فردّ علينا ابنتنا. .!أترى من الجائزكل هذا؟!لقد حار الشرّاح ـ وهم يقولون بأن علياً خطب ولم يكن بمحرم عليه ، وبأن
فاطمة تعتريها الغيرة كسائر النساء! ـ في توجيه ما جاءت به الأحاديث عن رسول
الله صلّى الله عليه وآله وسلم في هذه الواقعة ...إن علياً كان قد أخذ بعموم الجواز! وفاطمة الزهراء ليست بالتي تفتن عن دينها أو يعتريها ما يعتري النسوة وقد
نزلت فيها اية التطهير من السماء ، وكانت لعصمتها وكمالاتها سيدة النساء ، وعلى فرض
ذلك ـ كما تقول هذه الأحاديث ـ فلا خصوصية لابنة أبي جهل .والنبي يعترف في خطبته بأن علياً ما فعل حراماً ، ولكن لا يأذن . فهل إذنه
شرط ؟! وحل يجوز حمل الصهر على طلاق زوجته إن تزوج بأخرى عليها؟!كل هذا غير جائز ولا كائن ...سلّمنا أن فاطمة أخذتها الغيرة(1) ، والنبي أخذته الغيرة لابنته ، (2). فلماذا صعد
المنبر وأعلن القصة وشهر؟!يقول ابن حجر : « وإنما خطب النبي ليشيع الحكم المذكور بين الناس ويأخذوا
به ، إمّا على سبيل الإيجاب ، وإمّا على سبيل الأولوية »(3).وتبعه العيني (4) .والمراد بالحكم : حكم « الجمع بين بنت رسول الله وبنت عدو الله » لكن ألفاظ
الحديث مختلفة ، ففي لفظ : « لا تجتمع ... » وفي آخر : « ليس لأحد... » وفي ثالث : « لم يكن
ذلك له ». ولذا اختلفت كلمات العلماء في الحكم !قال النووي : « قال العلماء : في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه
[وآله] وسلّم بكل حال وعلى كل وجه ، وإن تولد ذلك الإيذاء ممّا كان أصله مباحاً
وهو حي. وهذا بخلاف غيره . قالوا : وقد أعلم بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي بقوله :
لست احرم حلالاً ، ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين ، إحداهما : أن ذلك
يؤدّي إلى أذى فاطمة فيتأذى حينئذٍ النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فيهلك من آذاه .
(1) ومن هنا ذكر ابن ماجة الحديث في باب الغيرة .(2) ومن هنا عنون البخاري : « باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف » ولم يذكر فيه إلآ هذا
الحديث!!(3) فتح الباري 7|68 .(4) عمدة القاري 16|230 .