أقول : أما في الأولى فلقد تقدّم أن البخاري هو الذي حرف الحديث من
« الخوخة » إلى « الباب » وقد ذكرنا هناك توجيه ابن حجر ذلك بأنه نقل بالمعنى ولا
يخفى التنافي بين كلامه هناك وكلامه هنا.واما في الثانية : فإن الوجه في قوله : « وكأنهم ... » هو أن قصة حديث « إلأ باب
عليّ » متقدّمة على قصة « حديث الخوخة » بزمن طويل . فتلك كانت قبل أُحدٍ كما
عرفت ، وهذه في أيام مرضه الذي توفي فيه كما ذكروا ، فإذا كان قد أمر بسدّ الأبواب
فأيّ معنى للأمر بسدّ الخوخ ؟! فلا بدّ من أن يدعى أنهم أطاعوا أمره بسدّ الأبواب
لكنهم أحدثوا خوخا يستقربون الدخول إلى المسجد منها! لكن ابن حجر يقول :
« وكأنهم ... » فهو غير جازم بهذا. ..
وأقول :
1 ـ هل من المعقول أن يأمر بسدّ الأبواب ويأذن بإحداث خوخ يستقربون
الدخول إلى المسجد منها؟! إن كانت الخوخ المستحدثة يستطرق منها إلى المسجد فما
معنى الأمر بسدّ الأبواب ؟!2 ـ إنه لا يوجد في شيء من ألفاظ حديث « سدّ الأبواب إلأ باب علي » ما
يدلّ على إذن النبي صلى الله عليه واله وسلم ...3 ـ هناك في غير واحد من الأحاديث تصريح بالمنع عن إحداث الخوخ بعد
الأمر بسدّ الأبواب. . .ففي حديث : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « سدّوا أبواب المسجد
إلأ باب علي . فقال رجل : أترك لي قدر ما أخرج وأدخل ؟ فقال رسول الله : لم أؤمر
بذلك . قال : أترك بقدر ما أخرج صدري يا رسول الله ؟! فقال رسول الله : لم أؤمر
بذلك . وانصرف . قال رجل : فبقدر رأسي يا رسول الله ؟ فقال رسول الله : لم أؤمر بذلك .
وانصرف واجداً باكيا حزيناً ، فقال رسول الله : لم أؤمر بذلك ، سدّوا الأبواب إلأ باب
علي »(1).وفي آخر : « قال له رجل من أصحابه : يا رسول الله دع لي كوّة أنظر إليك منها
حين تغدو وحين تروح . فقال : لا والله ولا مثل ثقب الإبرة » (2).ومن هنا قال السمهودي :« وقد اقتضى ذلك المنع من الخوخة أيضا ، بل وممّا دونها عند الأمر بسدّ الأبواب
أوّلا . . . » (3) .إلى هنا وقد ظهر أن الحق مع المعرضين عن الجمع . . .
كلام ابن عراق وما فيه
كلام ابن عراق :وابن عراق حيث نقل كلام ابن حجر أعرض عما قال ابن حجر قبل :
« ومحصل الجمع » وإنها ذكر في وجه الجمع : « أن هذه قصة أخرى فقصّة علي في الأبواب
الشارعة ، وقد كان أذن له أن يمر في المسجد وهو جنب ، وقصّة أبي بكر في مرض الوفاة
في سدّ طاقات كانوا يستقربون الدخول منها. كذا جمع القاضي إسماعيل في أحكامه
والكلاباذي في معانيه والطحاوي في مشكله » (4) .فتراه يقتصر على الجمع الثاني وهو اختلاف القصتين ، ويعرض عن دعوى أن
السبب في عدم سدّ باب علي كون بابه من داخل المسجد!! والموضوع في القصة
الأولى « الأ بواب » وفي الثانية : « طاقات »!!والذي ينسبه إلى المتقدّمين في وجه الجمع هو هذا المقدار فقط !!
(1) وفاء الوفا 1|480 .(2) وفاء الوفا 1|480 .(3) وفاء الوفا 1|480 .(4) تنزيه الشريعة المرفوعة 1|384 .