هذه بعض ألفاظ الحديث كما أخرجها الأئمة ، ولو أردنا استقصاء طرقه
وألفاظه المختلفة عن الصحابة الذين رووه لطال بنا المقام ، وربّما نقف على بعضها أيضاً
في خلال البحث ... وبالجملة فإن الخبر قد تعدّى الرواية وبلغ حد الدراية ... ونحن
إنّما ذكرنا طرفاً من ذلك تمهيداً لما أخرج في الصحيحين من حديث الخوخة ، وما ترتب
على ذلك من نظرات وبحوث عند الشراح وكبار أئمة الحديث .
قلب الحديث
قلب الحديث :لقق قلبوا حديث « سدّ الأبواب » عن « علي » إلى « أبي بكر » ووضعوا أيضاً
« حديث الخوخة » وأخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما والترمذي وأحمد ... وغيرهم ممن
تقدّم وتأخر ...والعمدة ما جاء في كتابي البخاري ومسلم ... فإذا درسناه وتوصّلنا إلى واقع
الحال فيه أغنانا عن النظر في غيره ... ولربما تعرضنا لغيره في خلال البحث .
الحديث المقلوب عند البخاري
الحديث المقلوب عند البخاري :والبخاري أخرجه في أكثر من باب ...ففي « باب الخوخة والممرّ في المسجد » قال : « حدّثنا عبدالله بن محمد الجعفي ،
قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدّثنا أبي ، قال : سمعت يعلى بن حكيم ، عن
عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : خرج رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في مرضه
الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقة فقعد على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إنّه
ليس من الناس أحد أمن عليّ في نفسه وماله . من أبي بكر بن أبي قحافة ؛ ولو كنت
متخذاً من الناس خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن خلّة الإسلام أفضل ؛ سدّوا عنّي
كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر ».وفي « باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة » قال : « حدّثنا إسماعيل بن عبدالله ،
قال : حدّثني مالك ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيدالله عن عبيد ـ يعني ابن حنين ـ
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم
جلس على المنبر فقال : إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين
ما عنده فاختارما عنده ، فبكى أبو بكر وقال : فديناك بآبائنا وامهاتنا ، فعجبنا له وقال
الناس : أنظروا إلى هذا الشيخ ، يخبر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عن عبدٍ
خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده ، وهو يقول : فديناك بآبائنا
وأمّهاتنا. فكان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم هو المخير وكان أبو بكر هو
أعلمنا به .وقال رسول صلى الله عليه [وآله] وسلّم : إن من أمن الناس عليّ في صحبته
وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر إلاّ خلة الإسلام ، لا
يبقين في المسجد خوخة إلاّ خوخة أبي بكر ».
الحديث المقلوب عند مسلم
الحديث المقلوب عند مسلم :وأخرجه مسلم في باب فضائل الصحابة فقال :« حدّثني عبدالله بن جعفر بن يحيى بن خالد ، حدثنا معن ، حدّثنا مالك ، عن
أبي النضر ، عن عبيد بن حنين ، عن أبي سعيد : أن رسول الله صلى الله عليه [وآله]
وسلّم جلس على المنبر فقال : عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده
فاختار ما عنده ؛ فبكى أبو بكر وبكى فقال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا.قال : فكان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم هو المخيّر وكان أبو بكر
أعلمنا به .وقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم : إن أمن الناس عليّ في ماله
وصحبته أبو بكر ، ولو كنت متّخذا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام ؛
لا يبقين في المسجد خوخة إلاّ خوخة أبي بكر.حدثنا سعيد بن منصور ، حدّثنا فليح بن سليمان ، عن سالم أبي النضر ، عن
عبيد بن حنين وبسر بن سعيد ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : خطب رسول الله صلى
الله عليه [وآله] وسلّم الناس يوماً. بمثل حديث مالك ».
تحريف البخاري الحديث المقلوب
تحريف البخاري الحديث المقلوب :ثم إن البخاري بعد أن أخرج الحديث عن ابن عبّاس في « باب الخوخة والممر
في المسجد » كما عرفت حرّفه في « باب المناقب » حيث قال : « باب قول النبي صلى الله
عليه [وآله] وسلم : سدّوا الأبواب إلاّ باب أبي بكر. قاله ابن عبّاس عن النبي صلى
الله عليه [وآله] وسلم ».فاضطرب الشراح في توجيه هذا التحريف ، فاضطروا إلى حمل ذلك على أنه
نقل بالمعنى :قال ابن حجر : « وصله المصنّف في الصلاة بلفظ : سدّوا عني كل خوخة ، فكأنه
ذكره بالمعنى »(1) .وقال العيني : « هذا وصله البخاري في الصلاة بلفظ : سدّوا عنّي كلّ خوخة في
المسجد ، وهذا هنا نقل بالمعنى ... »(2).وهل يصدق على أن نقل « الخوخة » إلى « الباب » نقل بالمعنى؟! على أن ابن
حجر نفسه غير جازم بذلك فيقول : « كأنه ... »!وكما حرف الحديث عن ابن عبّاس ، كذلك حرف حديث أبي سعيد الذي
أخرجه في « باب هجرة النبي » كما عرفت ، فقال في « باب المناقب » :« حدثني عبدالله بن محمد ، حدّثني أبو عامر ، حدّثنا فليح ، قال : حدثني سالم أبو
النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال :خطب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وقال : إن الله خيّر عبداً بين الدنيا
وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله ؛ قال : فبكى أبو بكر ؛ فعجبنا لبكائه أن
(1) فتح الباري 1|442.(2) عمدة القاري 4|245 .