شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
يابن قدامه، تمنع الازد عاملى و بيت مالى، و تشاقنى مضر و تنابذنى! و بنا ابتداها الله تعال
ى بالكرامه، و عرفها الهدى، و تداعوا الى المعشر الذين حادوا الله و رسوله، و ارادوا اطفاء نور الله سبحانه، حتى علت كلمه الله، و هلك الكافرون.فقال:يا اميرالمومنين، ابعثنى اليهم، و استعن بالله عليهم.قال قد بعثتك اليهم، و استعنت بالله عليهم.قال ابراهيم:فحدثنا محمد بن عبدالله، قال:حدثنى ابن ابى السيف، عن سليمان بن ابى راشد، عن كعب بن قعين، قال:خرجت مع جاريه من الكوفه الى البصره فى خمسين رجلا من بنى تميم، ما كان فيهم يمانى غيرى، و كنت شديد التشيع، فقلت لجاريه:ان شئت كنت معك، و ان شئت ملت الى قومى! فقال:بل معى، فو الله لوددت ان الطير و البهائم تنصرنى عليهم، فضلا عن الانس.قال:و روى كعب بن قعين ان عليا (ع) كتب مع جاريه كتابا، و قال:اقراه على اصحابك، قال:فمضينا معه، فلما دخلنا البصره، بدا بزياد، فرحب به و اجلسه الى جانبه، و ناجاه ساعه و ساءله، ثم خرج فكان افضل ما اوصاه به ان قال:احذر على نفسك، و اتق ان تلقى ما لقى صاحبك القادم قبلك.و خرج جاريه من عنده، فقام فى الازد، فقال:جزاكم الله من حى خيرا! ما اعظم غناءكم، و احسن بلاءكم، و اطوعكم لاميركم! لقد عرفتم الحق اذ ضيعه من انكره، و دعوتم الى الهدى اذ تركه من
لم يعرفه.ثم قرا عليهم و على من كان معه من شيعه على (ع) و غيرهم- كتاب على (ع)، فاذا فيه:من عبدالله على اميرالمومنين الى من قرى ء عليه كتابى هذا من ساكنى البصره من المومنين و المسلمين:سلام عليكم، اما بعد فان الله حليم ذو اناه، لايعجل بالعقوبه قبل البينه، و لاياخذ المذنب عند اول وهله، و لكنه يقبل التوبه، و يستديم الاناه، و يرضى بالانابه، ليكون اعظم للحجه، و ابلغ فى المعذره، و قد كان من شقاق جلكم ايها الناس ما استحققتم ان تعاقبوا عليه، فعفوت عن مجرمكم، و رفعت السيف عن مدبركم، و قبلت من مقبلكم، و اخذت بيعتكم، فان تفوا ببيعتى، و تقبلوا نصيحتى، و تستقيموا على طاعتى، اعمل فيكم بالكتاب و السنه و قصد الحق، و اقم فيكم سبيل الهدى، فو الله ما اعلم ان واليا بعد محمد (ص) اعلم بذلك منى، و لااعمل بقولى.اقول قولى هذا صادقا، غير ذام لمن مضى، و لامنتقصا لاعمالهم، و ان خبطت بكم الاهواء المرديه، و سفه الراى الجائر الى منابذتى، تريدون خلافى! فها انا ذا قربت جيادى، و رحلت ركابى، و ايم الله لئن الجاتمونى الى المسير اليكم لاوقعن بكم وقعه، لايكون يوم الجمل عندها الا كلعقه لاعق، و انى لظان الا تجعلوا- ان شاءالله- على انفسكم سبيلا.و قد قدمت هذا الكتاب اليكم حجه عليكم، و لن اكتب اليكم من بعده كتابا، ان انتم استغششتم نصيحتى، و نابذتم رسولى، حتى اكون انا الشاخص نحوكم، ان شاءالله تعالى.والسلام.قال:فلما قرى ء الكتاب على الناس قام صبره بن شيمان، فقال:سمعنا و اطعنا، و نحن لمن حارب اميرالمومنين حرب، و لمن سالم سلم، ان كفيت يا جاريه قومك بقومك فذاك، و ان احببت ان ننصرك نصرناك.و قام وجوه الناس فتكلموا بمثل ذلك و نحوه، فلم ياذن لاحد منهم ان يسير معه، و مضى نحو بنى تميم.فقام زياد فى الازد، فقال:يا معشر الازد، ان هولاء كانوا امس سلما، فاصبحوا اليوم حربا، و انكم كنتم حربا فاصبحتم سلما، و انى و الله ما اخترتكم الا على التجربه، و لااقمت فيكم الا على الامل، فما رضيتم ان اجرتمونى، حتى نصبتم لى منبرا و سريرا، و جعلتم لى شرطا و اعوانا، و مناديا و جمعه، فما فقدت بحضرتكم شيئا الا هذا الدرهم، لااجبيه اليوم، فان لم اجبه اليوم اجبه غدا ان شاءالله.و اعلموا ان حربكم اليوم معاويه ايسر عليكم فى الدنيا و الدين من حربكم امس عليا، و قد قدم عليكم جاريه بن قدامه، و انما ارسله على ليصدع امر قومه، و الله ما هو بالامير المطاع، و لو ادرك امله فى قومه لرجع الى امير
المومنين او لكان لى تبعا، و انتم الهامه العظمى، و الجمره الحاميه، فقدموه الى قومه، فان اضطر الى نصركم فسيروا اليه، ان رايتم ذلك.فقام ابوصبره شيمان فقال:يا زياد، انى و الله لو شهدت قومى يوم الجمل، رجوت الا يقاتلوا عليا، و قد مضى الامر بما فيه.و هو يوم بيوم، و امر بامر، و الله الى الجزاء بالاحسان اسرع منه الى الجزاء بالسيى ء، و التوبه مع الحق، و العفو مع الندم، و لو كانت هذه فتنه لدعونا القوم الى ابطال الدماء، و استئناف الامور، و لكنها جماعه دماوها حرام، و جروحها قصاص، و نحن معك نحب ما احببت.فعجب زياد من كلامه، و قال:ما اظن فى الناس مثل هذا.ثم قام صبره ابنه، فقال:انا و الله ما اصبنا بمصيبه فى دين و لا دنيا كما اصبنا امس يوم الجمل، و انا لنرجو اليوم ان نمحص ذلك بطاعه الله و طاعه اميرالمومنين، و اما انت يا زياد، فو الله ما ادركت املك فينا، و لاادركنا املنا فيك دون ردك الى دارك، و نحن رادوك اليها غدا ان شاءالله تعالى، فاذا فعلنا فلا يكن احد اولى بك منا، فانك الا تفعل لم تات ما يشبهك، و انا و الله نخاف من حرب على فى الاخره، ما لانخاف من حرب معاويه فى الدنيا، فقدم هواك و اخر هوانا، فنحن معك وطوعك.ثم قام خنقر
الحمانى، فقال:ايها الامير، انك لو رضيت منا بما ترضى به من غيرنا، لم نرض ذلك لانفسنا، سر بنا الى القوم ان شئت، و ايم الله ما لقينا قوما قط الا اكتفينا بعفونا دون جهدنا، الا ما كان امس.قال ابراهيم:فاما جاريه، فانه كلم قومه فلم يجيبوه، و خرج اليه منهم اوباش فناوشوه بعد ان شتموه و اسمعوه، فارسل الى زياد و الازد، يستصرخهم و يامرهم ان يسيروا اليه، فسارت الازد بزياد، و خرج اليهم ابن الحضرمى، و على خيله عبدالله بن خازم السلمى، فاقتتلوا ساعه، و اقبل شريك بن الاعور الحارثى- و كان من شيعه على (ع)، و صديقا لجاريه بن قدامه- فقال:الا اقاتل معك عدوك؟ فقال:بلى، فما لبثت بنو تميم ان هزموهم و و اضطروهم الى دار سنبيل السعدى، فحصروا ابن الحضرمى و حدوه، فاتى رجل من بنى تميم، و معه عبدالله بن خازم السلمى، فجاءت امه و هى سوداء حبشيه اسمها عجلى، فنادته، فاشرف عليها، فقالت:يا بنى، انزل الى، فابى فكشفت راسها و ابدت قناعها، و سالته النزول فابى، فقالت:و الله لتنزلن او لاتعرين، و اهوت بيدها الى ثيابها، فلما راى ذلك نزل، فذهبت به، و احاط جاريه و زياد بالدار، و قال جاريه:على بالنار، فقالت الازد:لسنا من الحريق بالنار فى شى ء، و هم
قومك و انت اعلم، فحرق جاريه الدار عليهم، فهلك ابن الحضرمى فى سبعين رجلا، احدهم عبدالرحمن بن عمير بن عثمان القرشى التيمى، و سمى جاريه منذ ذلك اليوم محرقا، و سارت الازد بزياد حتى اوطنوه قصر الاماره، و معه بيت المال، و قالت له:هل بقى علينا من جوارك شى ء؟ قال:لا، قالوا فبرئنا منه؟ فقال:نعم، فانصرفوا عنه.و كتب زياد الى اميرالمومنين (ع):اما بعد، فان جاريه بن قدامه العبد الصالح قدم من عندك، فناهض جمع ابن الحضرمى بمن نصره و اعانه من الازد، ففضه و اضطره الى دار من دور البصره فى عدد كثير من اصحابه، فلم يخرج حتى حكم الله تعالى بينهما، فقتل ابن الحضرمى و اصحابه، منهم من احرق بالنار، و منهم من القى عليه جدار، و منهم من هدم عليه البيت من اعلاه، و منهم من قتل بالسيف، و سلم منهم نفر انابوا و تابوا، فصفح عنهم، و بعدا لمن عصى و غوى! والسلام على اميرالمومنين و رحمه الله و بركاته.فلما وصل كتاب زياد قراه على (ع) على الناس، و كان زياد قد انفذه مع ظبيان بن عماره، فسر على (ع) بذلك و سر اصحابه، و اثنى على جاريه و على الازد، و ذم البصره فقال:انها اول القرى خرابا، اما غرقا و اما حرقا، حتى يبقى مسجدها كجوجو سفينه.ثم قال لظبيان:اين منزلك منها؟ فقال:مكان كذا، فقال:عليك بضواحيها.و قال ابن العرندس الازدى يذكر تحريق ابن الحضرمى، و يعير تميما بذلك:رددنا زيادا الى داره و جار تميم ينادى الشجب لحا الله قوما شووا جارهم لعمرى لبئس الشواء الشصب ينادى الخناق و ابناءها و قد شيطوا راسها باللهب و الخناق لقب قوم بنى تميم.